الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يصح ) الوقف من الناطق الذي لا يحسن الكتابة ( إلا بلفظ ) ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية فأمكن تنزيل النص عليها ولا كذلك الوقف فلو بنى بناء على هيئة مسجد أو مقبرة وأذن في إقامة الصلوات أو الدفن فيه لم يخرج بذلك عن ملكه [ ص: 249 ] قيل بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا انتهى ويوجه مع ما فيه بأن الاعتكاف يستلزم المسجدية بخلاف نحو الصلاة . نعم بناء المسجد في الموات تكفي فيه النية ؛ لأنه ليس في إخراج الأرض المقصودة بالذات عن ملكه أي لا حقيقة ولا تقديرا حتى يحتاج إلى لفظ قوي يخرجه عنه ويزول ملكه عن الألة باستقرارها في محلها من البناء لا قبله إلا أن يقول هي للمسجد ذكره الماوردي ومخالفة الفارقي فيه ضعيفة واعترض القمولي والبلقيني ما ذكره آخرا بأن الذي ينبغي توقف ملكه للآلة على قبول ناظره وقبضه وفيه نظر ؛ لأن الكلام في الآلة التي يحصل بها الإحياء وهو حينئذ لا ناظر له لعدم وجود المسجدية إلا بعد أن يوجد من البناء ما يحصل به الإحياء وإذا تعذر الناظر حينئذ اقتضت الضرورة أن ما سيصير مسجدا يتبين أنه ملك تلك الآلة بمجرد قوله فما قاله صحيح لا غبار عليه ، وغيرهما زوال الملك عن الآلة باستقرارها بقول الروياني لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف الآلة كانت عارية يرجع فيها متى شاء انتهى وقد يجاب بحمل هذا على ما إذا لم يبن بقصد المسجد والأول على ما إذا بنى بقصد ذلك وسيأتي في مبحث النظر ما يؤيد ذلك ثم رأيت في كلام البغوي ما يرد كلام الروياني هذا وهو قول فتاويه لو قال لقيم المسجد اضرب اللبن من أرضي للمسجد فضربه وبنى به المسجد صار له حكم المسجد وليس له نقضه كالصدقة التي اتصل بها القبض وله استرداده قبل أن يبني به انتهى .

                                                                                                                              وألحق الإسنوي أخذا من كلام الرافعي بالمسجد في ذلك نحو المدارس والربط والبلقيني أخذا منه أيضا البئر المحفورة للسبيل والبقعة المحياة مقبرة قال الشيخ أبو محمد وكذا لو أخذ من الناس شيئا ليبني به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه واعترض بعضهم ما قاله الشيخ بأنه فرعه على طريقة ضعيفة قال ولده وكذا الشارع يصير وقفا بمجرد الاستطراق بخلاف ملكه الذي يريد جعله شارعا لا بد فيه من اللفظ انتهى وقياس ما مر في المسجد بالموات أنه لا بد في مصير الموات شارعا [ ص: 250 ] من نية وقفه شارعا مع استطراقه له ولو مرة ، أما الأخرس فيصح بإشارته وأما الكاتب فيصح بكتابته مع النية

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 249 ] قيل بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه إلخ ) المتجه أن مجرد الإذن في الاعتكاف فيه ليس إنشاء لوقفه مسجدا بل متضمن للاعتراف بذلك فلا يصير مسجدا في نفس الأمر بمجرد ذلك م ر ( قوله : وفيه نظر ؛ لأن الكلام إلخ ) النظر والمنظر به يدلان على عدم صيرورة الآلة مسجدا بخلاف كلام البغوي الآتي ( قوله : وغيرهما ) [ ص: 250 ] بالرفع عطف على القمولي والبلقيني أو زوال بالنصب مفعول اعترض ش ( قوله : من نية وقفه شارعا إلخ ) ممن هذه النية



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : الوقف من الناطق ) إلى قول المتن وقوله تصدقت في النهاية إلا قوله قيل إلى نعم وقوله : وفيه نظر إلى وغيرهما وقوله : واعترض إلى ، أما الأخرس وقوله : بل قال المتولي إلى المتن ( قوله : من الناطق إلخ ) وسيأتي محترزه قبيل قول المتن وصريحه ( قوله : ولا يأتي فيه ) أي الوقت و ( قوله : وفارق نحو البيع ) أي حيث جرى فيه الخلاف . ا هـ . ع ش ( قوله : فأمكن تنزيل النص عليها ) أي المعاطاة أي بأن يحمل قوله إنما البيع عن تراض على البيع المعروف لهم ولو بالمعاطاة . ا هـ . ع ش ( قوله : ولا كذلك الوقف ) أي لعدم وجوده فيها ( قوله : [ ص: 249 ] قيل بخلاف ما لو أذن إلخ ) المتجه أن مجرد الإذن في الاعتكاف فيه ليس إنشاء لوقفه مسجدا بل متضمن للاعتراف بذلك فلا يصير مسجدا بمجرد ذلك م ر . ا هـ . سم عبارة المغني والظاهر كما قال شيخنا أنه لو قال أذنت في الاعتكاف فيه صار بذلك مسجدا ؛ لأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد بخلاف الصلاة . ا هـ . زاد في النهاية وينبغي أن صيرورته مسجدا بذلك إنما هو لتضمن كلامه الإقرار لا لكون ذلك صيغة إنشاء لوقفه حتى لو لم يوجد منه صيغة لذلك لم يكن وقفا باطنا . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في الاعتكاف فيه ) أي أو في صلاة التحية . ا هـ . ع ش ( قوله : نعم ) إلى قوله إلا أن يقول في المغني ( قوله : تكفي فيه ) أي في كون ذلك البناء مسجدا ( قوله : لأنه ليس إلخ ) عبارة المغني ووجهه السبكي بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا وإنما احتيج للفظ لإخراج ما كان في ملكه عنه . ا هـ . ( قوله : أي لا حقيقة إلخ ) أي لا عن ملكه الحقيقي ولا التقديري ( قوله : حتى يحتاج إلخ ) تفريع على المنفي لا النفي ( قوله : ويزول إلخ ) عطف على قوله تكفي فيه إلخ ( قوله : فيه ) أي قول الماوردي نعم بناء المسجد في الموات إلخ ( قوله : واعترض القمولي والبلقيني إلخ ) اعتمده النهاية ( قوله : ما ذكره ) أي الماوردي آخرا أي قوله إلا أن يقول هي للمسجد ا هـ رشيدي ( قوله : توقف ملكه إلخ ) خبر أن ( قوله : وهو ) أي المسجد ( حينئذ ) أي قبل حصول الإحياء ( قوله : بمجرد قوله ) أي قول مريد البناء هذه الآلة للمسجد ( قوله : فما قاله ) أي الماوردي ( قوله : وغيرهما ) بالرفع عطف على القمولي والبلقيني و ( قوله : زوال ) بالنصب مفعول اعترض ش . ا هـ . سم ( قوله : وقد يجاب بحمل هذا إلخ ) معتمد . ا هـ . ع ش ( قوله : والأول ) أي كلام الماوردي ( قوله : ذلك ) أي الحمل ( قوله : وهو ) أي كلام البغوي ( قوله : وألحق الإسنوي ) إلى قوله والبلقيني في المغني ( قوله : بالمسجد ) أي المبني في الموات ( قوله في ذلك ) أي في أنه يصير وقفا بنفس البناء في الموات والنية . ا هـ . ع ش ( قوله : نحو المدارس ) ( فرع )

                                                                                                                              في فتاوى السيوطي مسألة المدارس المبنية الآن بالديار المصرية وغيرها هل تعطى حكم المسجد أم لا ؟ الجواب المدارس منها ما علم نص الواقف أنها مسجد كالشيخونية ومنها ما علم نصه أنها ليست بمسجد كالكاملية فإن فرض ما يعلم فيه ذلك ولو بالاستفاضة لم يحكم بأنها مسجد ؛ لأن الأصل خلافه سم على حج وأفهم أن ما لم يعلم فيه شيء لا بالاستفاضة ولا غيرها يحكم بمسجديته اكتفاء بظاهر الحال . ا هـ . ع ش أي بكونها على هيئة المسجد ( قوله : على طريقة ضعيفة ) وهي عدم اشتراط اللفظ في الوقف مطلقا وكفاية الفعل والنية فقط ( قوله : والبلقيني ) عطف على الإسنوي ( قوله : قال الشيخ أبو محمد إلخ ) أقره النهاية ( قوله : ليبني إلخ ) شامل لغير الموات بأن يشتري أرضا ويبني فيها نحو الرباط ( قوله : فيصير كذلك إلخ ) ولو لم يقصد الآخذ محلا بعينه حال الأخذ هل يصح ذلك ويتخير في المحل الذي يبنى فيه أو لا بد من التعيين ؟ فيه نظر ولا يبعد الصحة توسعة في النظر لجهة الوقف ما أمكن ثم لو بقي من الدراهم التي أخذها لما ذكر شيء بعد البناء فينبغي حفظه ليصرف على ما يعرض له من المصالح ا هـ ع ش وبقي فيما لو أخذ من الناس شيئا ليشتري به بيتا في مكة مثلا بدون قصد وبيان محل بعينه منها ويقفه على جهة مخصوصة مثلا فهل يصح ذلك ويتخير في المحل الذي يشتريه فيه أو لا بد من تعيينه حال الأخذ ؟ وقضية قول المحشي ولا يبعد الصحة توسعة إلخ الأول فليراجع

                                                                                                                              ( قوله : بمجرد بنائه ) أي بنية الزاوية أو الرباط ( قوله : وكذا الشارع ) أي في الموات ( قوله : بمجرد الاستطراق ) أي مع النية بدون اللفظ [ ص: 250 ] قوله : من نية وقفه إلخ ) ممن هذه النية . ا هـ . سم يظهر أنها من المستطرق ( قوله : مع استطراقه له ) كان وجه اعتباره هنا دون الصلاة بالفعل في المسجد أن ثم صنعا للمحيي كالبناء فاكتفى به مع النية ولا كذلك هنا فلو فرض أن هنا صنعا له كذلك كقطع شجر وتسوية أرض فلا يبعد الاكتفاء به مع النية وإن لم يحصل استطراق بالفعل فليتأمل . ا هـ . سيد عمر ( قوله : أما الأخرس ) إلى المتن في المغني ( قوله : بإشارته ) أي المفهمة وبكتابته . ا هـ . مغني

                                                                                                                              ( قوله : فيصح بكتابته إلخ ) أي ولو أحسن النطق




                                                                                                                              الخدمات العلمية