الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين

قال الجمهور: إن هذه الرسالة إلى مائة ألف في رسالته الأولى التي أبق بعدها، ذكرها الله تعالى في آخر القصص تنبيها على رسالته، ويدل على ذلك قوله تعالى: فآمنوا فمتعناهم إلى حين ، وتمتيع تلك الأمة هو الذي أغضب يونس عليه السلام حتى أبق، وقال قتادة ، وابن عباس أيضا: هذه الرسالة أخرى بعد أن نبذ بالعراء، وهي إلى أهل نينوى من ناحية الموصل.

وقرأ جعفر بن محمد رضي الله عنه: "ويزيدون" بالواو، وقرأ الجمهور: "أو يزيدون"، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: "أو" بمعنى (بل)، وكانوا مائة ألف وثلاثين ألفا، وقال أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا مائة وعشرين ألفا"، وقال ابن جبير : كانوا مائة وسبعين ألفا، وروي عن ابن عباس أنه قرأ: "بل يزيدون"، وقالت فرقة "أو" هنا بمعنى الواو، وقالت فرقة: هي للإبهام على المخاطب، كما تقول: "ما عليك أنت، أنا أعطي فلانا دينارا أو ألف دينار"، ونحو هذا قوله تعالى: ليس لك من [ ص: 314 ] الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، وهذا المعنى قليل التمكن في قوله سبحانه: أو يزيدون . وقال المبرد وكثير من البصريين: المعنى على نظر البشر وحذرهم، أي: من رآهم قال: هم مائة ألف أو يزيدون.

وروي في قوله تعالى: فآمنوا فمتعناهم إلى حين أنهم خرجوا بالأطفال وأولاد البهائم، وفرقوا بينها وبين الأمهات، وناحوا وضجوا وأخلصوا، فرفع الله عنهم، والتمتيع هنا هو بالحياة، والحين: آجالهم السابقة في الأزل، قاله قتادة ، والسدي ، وقرأ ابن أبي عبلة : [حتى حين]، وفي قوله تعالى: فآمنوا فمتعناهم إلى حين مثال لقريش: أي: إن آمنوا أمنوا كما جرى لهؤلاء، ومن هنا حسن انتقال القول والمحاورة إليهم بقوله تعالى: فاستفتهم ، فإنما يعود ضميرهم على ما في المعنى من ذكرهم.

و"الاستفتاء": السؤال، وهو هنا بمعنى التقريع والتوبيخ، على قولهم على الله، البهتان وجعلهم البنات لله تعالى عن ذلك. وأمره بتوقيفهم على جهة التوبيخ أيضا، هل شاهدوا أن الملائكة إناث فيصح لهم القول به.

ثم أخبر تعالى عن فرقة منهم بلغ بها الإفك والكذب إلى أن قالت: ولد الله الملائكة لأنه نكح في سروات الجن، وهذه فرقة من بني مدلج فيما روي.

وقرأ الجمهور: أصطفى ألف قطع هي للاستفهام، وهذا على جهة التقرير والتوبيخ على نسبتهم إليه اختيار الأدنى عندهم، وقرأ نافع في رواية إسماعيل: [اصطفى] بصلة الألف على الخبر، كأنه يحكي شنيع قولهم، ورواها إسماعيل عن أبي جعفر ، وشيبة .

ثم قرر ووبخ وعرض للتذكر والنظر، واستفهم عن البرهان والحجة على جهة التقرير وضمهم الاستظهار بكتاب أو أمر يظهر صدقهم. وقرأ الجمهور: " تذكرون " مشددة الذال والكاف، وقرأ طلحة بن مصرف بسكون الذال وضم الكاف خفيفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية