ولما كان التأديب عقب الإنعام جديرا بالقبول، وكان قد أجرى سبحانه سنته الإلهية بذلك، فأدب عباده المؤمنين عقب سورة الفتح السببي بسورة الحجرات، وكانت سورة الحشر مذكرة بالنعمة في فتح بني النضير
[ ص: 484 ] [و]معلمة بأنه لا ولي إلا الله، ولذلك ختمها بصفتي العزة والحكمة بعد أن افتتحها بهما، وثبت أن من الحكمة حشر الخلق، وأن أولياء الله هم المفلحون، وأن أعداءه هم الخاسرون، وكان الحب في الله والبغض في الله أفضل الأعمال وأوثق عرى الإيمان، ولذلك ذم سبحانه من والى أعداءه وناصرهم، وسماهم مع التكلم بكلمة الإسلام منافقين، أنتج [ذلك] قطعا وجوب البراءة من أعدائه والإقبال على خدمته وولائه، فقال معيدا للتأديب عقب سورة الفتح على أهل الكتاب بسورة جامعة تتعلق بالفتح الأعظم والفتح السببي:
nindex.php?page=treesubj&link=27175_29435_30513_30525_30556_30883_31788_32024_32351_32427_32431_33522_34091_34122_34200_34206_34513_8371_29031nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا مناديا بأداة البعد وإن كان من نزلت بسببه من أهل القرب، ومعبرا بالماضي إقامة لمن والى الكفار نوع موالاة في ذلك المحل إلهابا له وتهييجا إلى الترفع عنه لئلا يقدح في خصوصيته ويحط من علي رتبته مع اللطف [به] بالتسمية له بالإيمان حيث شهد سبحانه على من فعل نحو فعله مع
بني النضير بالنفاق وأحله محل أهل الشقاق، فحكم على
[ ص: 485 ] القلوب في الموضعين فقال هناك:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=11الذين نافقوا كما قال هنا:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1الذين آمنوا
ولما كان قد تقدم في المجادلة
nindex.php?page=treesubj&link=28802النهي الشديد عن إظهار مطلق الموادة للكفار، وفي الحشر الزجر العظيم عن إبطان ذلك فتكفلت السورتان بالمنع من مصاحبة ودهم ظاهرا أو باطنا، بكت هنا من اتصف بالإيمان وقرعه و وبخه على السعي في موادتهم والتكلف لتحصيلها، فإن ذلك قادح في اعتقاد تفرده سبحانه بالعزة والحكمة، فعبر لذلك بصيغة الافتعال فقال بعد التبكيت بالنداء بأداة البعد والتعبير بأدنى أسنان الإيمان:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا وزاد في ذلك المعنى من وجهين: التعبير بما منه العداوة تجرئة عليهم وتنفيرا منهم والتوحيد لما يطلق على الجمع لئلا يظن أن المنهي عنه المجموع بقيد الاجتماع والإشارة إلى أنهم في العداوة على قلب واحد، فأهل الحق أولى بأن يكونوا كذلك في الولاية فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1عدوي أي وأنتم تدعون موالاتي [ومن المشهور أن
nindex.php?page=treesubj&link=28802مصادق العدو أدنى مصادقة لا يكون وليا فكيف بما هو فوق الأدنى] وهو فعول من عدى، وأبلغ في الإيقاظ بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وعدوكم أي
[ ص: 486 ] العريق في عداوتكم ما دمتم على مخالفته في الدين.
ولما وحد لأجل ما تقدم من الإشارة إلى اتحاد الكلمة، بين أن المراد الجمع فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أولياء ثم استأنف بيان هذا الاتحاد بقوله مشيرا إلى غاية الإسراع والمبادرة إلى ذلك بالتعبير بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون أي جميع ما هو في حوزتكم مما لا تطمعون فيه إلقاء الشيء الثقيل من علو
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إليهم على بعدهم منكم حسا ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بالمودة [أي] بسببها.
ولما توقع السامع التصريح بمضادتهم في الوصف الذي ناداهم به بعد التلويح إليه، قال ملهبا ومهيجا إلى عداوتهم بالتذكير بمخالفتهم إياه في الاعتقاد المستلزم لاستصغارهم لأنه أشد المخالفة
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وقد أي و الحال أنهم قد
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1كفروا أي غطوا جميع ما لكم من الأدلة
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بما أي بسبب ما
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1جاءكم من الحق أي الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي لا شيء أعظم ثباتا منه، ثم استأنف بيان كفرهم بما يبعد من مطلق موادتهم فضلا عن السعي فيها بقوله مذكرا لهم بالحال الماضية زيادة في التنفير منهم ومصورا لها بما يدل على الإصرار بأنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يخرجون الرسول أي الكامل في الرسلية الذي يجب على كل أحد عداوة من عاداه أدنى عداوة ولو كان أقرب الناس فكيف إذا كان عدوا، وبين أن المخاطب [من] أول السورة من المهاجرين وأن إيراده على وجه الجمع للسير
[ ص: 487 ] والتعميم في النهي بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وإياكم أي من دياركم من مكة المشرفة.
ولما بين كفرهم، معبرا بالمضارع إشارة إلى دوام أذاهم لمن آمن المقتضي لخروجه عن وطنه، علل الإخراج بما يحقق معنى الكفر والعداوة فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أن أي أخرجوكم من أوطانكم لأجل أن
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تؤمنوا أي توقعوا حقيقة الإيمان مع التجديد والاستمرار.
ولما كان الإيمان به سبحانه مستحقا من وجهي الذات والوصف لفت الخطاب . من التكلم إلى الغيبة للتنبيه عليهما فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بالله أي الذي
nindex.php?page=treesubj&link=29625اختص بجميع صفات الكمال، ولما عبر بما أبان أنه مستحق للإيمان لذاته أردفه بما يقتضي وجوب ذلك لإحسانه فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1ربكم ولما ألهبهم على مباينتهم لهم بما فعلوا معهم وانقضى ما أريد من التنبيه بسياق الغيبة عاد إلى التكلم لأنه أشد تحببا وأعظم استعطافا وأدل على الرضا فألهبهم بما كان من جانبهم من ذلك [الفعل] أن لا يضيعوه، فقال معلما أن ولايته سبحانه لا تصح إلا بالإيمان،
nindex.php?page=treesubj&link=30503_28653ولا يثبت الإيمان إلا بدلائله من الأعمال، nindex.php?page=treesubj&link=30513ولا تصح الأعمال إلا بالإخلاص، nindex.php?page=treesubj&link=19695ولا يكون الإخلاص إلا بمباينة الأعداء: nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إن كنتم أي كونا راسخا حين أخرجوكم من أوطانكم لأجل إيمانكم بي
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1خرجتم أي منها وهي أحب البلاد إليكم
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1جهادا أي لأجل الجهاد
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1في سبيلي أي بسبب إرادتكم
[ ص: 488 ] تسهيل طريقي التي شرعتها لعبادي أن يسلكوها
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وابتغاء مرضاتي أي ولأجل تطلبكم بأعظم الرغبة لرضاي ولكل فعل يكون موضعا له، وجواب هذا الشرط محذوف لدلالة
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا عليه.
ولما فرغ من بيان [حال] العدو وشرط إخلاص الولي، وكان التقدير: فلا تتخذوهم أولياء، بنى عليه قوله مبينا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تلقون إعلاما بأن الإسرار إلى أحد بما فيه نفعه لا يكون إلا توددا:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تسرون أي توجدون إسرار جميع ما يدل على مناصحتهم والتودد إليهم، وأشار إلى بعدهم عنهم بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إليهم إبلاغا في التوبيخ بالإشارة إلى أنهم يتجشمون في ذلك مستفتين إبلاغ الأخبار التي يريد النبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي كتمها عنهم على وجه الإسرار خوف الافتضاح والإبلاغ إلى المكان البعيد
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بالمودة أي بسببها أو بسبب الإعلام بأخبار يراد بها أو يلزم منها المودة.
ولما كان المراد بالإسرار الستر على من يكره ذلك، قال مبكتا لمن يفعله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وأنا أي والحال أني
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أعلم أي من كل أحد من نفس الفاعل
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بما أخفيتم أي من ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وما أعلنتم فأي فائدة لإسراركم إن كنتم تعلمون أني عالم به، وإن كنتم تتوهمون أني لا أعلمه فهي القاصمة.
ولما كان التقدير بما هدى إليه العاطف: فمن فعل منكم فقد ظن
[ ص: 489 ] أني لا أعلم الغيب أو فعل ما يقتضي ظن ذلك، عطف عليه [قوله]:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1ومن يفعله أي يوجد الاتخاذ سرا أو علنا أو يوجد الإسرار بالمودة فالإعلان أولى في وقت من الأوقات ماض أو حال أو استقبال. ولما كان المحب قد يفعل بسبب الإدلال ما يستحق به التبكيت، فإذا بكت ظن أن ذلك ليس على حقيقته لأن محبته لا يضرها شيء، وكان قد ستر المعايب بأن أخرج الكلام مخرج العموم، صرح بأن هذا العتاب مراد به الإحباب فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1منكم وحقق الأمر وقربه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1فقد ضل أي عمي ومال وأخطأ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1سواء السبيل أي قويم الطريق الواسع الموسع إلى القصد قويمه وعدله، وسبب نزول هذه الآية روي من وجوه كثيرة فبعضه في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ومنه في الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ومنه في التفاسير
nindex.php?page=hadith&LINKID=654511أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فسألها ما أقدمها، فقالت: ذهب موالي وقد احتجت حاجة شديدة، وكنتم الأهل والعشيرة والموالي، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها وكسوها وحملوها، فكتب معها nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى "من nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم" فخذوا حذركم، فأعطاها عشرة [ ص: 490 ] دنانير، فنزل جبريل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعليا nindex.php?page=showalam&ids=56وعمارا nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة والمقداد وأبا مرثد وكانوا كلهم فرسانا فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب إلى المشركين، فخذوه منها وخلوا سبيلها، وإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها. فانطلقوا تعادي بهم خيلهم، فأدركوها في ذلك المكان فأنكرت وحلفت بالله، ففتشوها فلم يجدوه فهموا بالرجوع، فقال nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه: ما كذبنا ولا كذبنا، وسل سيفه فقال: أخرجي الكتاب أو لألقين الثياب ولأضربن عنقك، فقالت: على أن لا تردوني. ثم أخرجته من عقاصها قد لفت عليه شعرها، فخلوا سبيلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=195لحاطب: هل تعرف الكتاب ، قال: نعم، قال: فما حملك على هذا؟ قال: لا تعجل يا رسول الله، والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششت منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يدفع الله به عن عشيرته، وكنت غريبا خليفا فيهم، وكان أهلي بين ظهرانيهم فأردت أن أتخذ عندهم يدا يدفع الله بها عن أهلي، وقد علمت أن الله تعالى ينزل بهم بأسه، [ ص: 491 ] وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق ولا تقولوا له إلا خيرا، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2 [عمر] بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ففاضت عينا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وقال: الله ورسوله أعلم، فأنزل الله nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم "
الآيات.
وقال الإمام
أبو جعفر بن الزبير : افتتحت - يعني هذه السورة -
nindex.php?page=treesubj&link=28802بوصية المؤمنين على ترك موالاة أعدائهم ونهيهم عن ذلك [وأمرهم] بالتبرؤ منهم، وهو المعنى الوارد في قوله خاتمة المجادلة
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم إلى آخر السورة، وقد حصل [منها] أن أسنى أحوال أهل الإيمان وأعلى مناصبهم
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه فوصى عباده في افتتاح الممتحنة بالتنزه عن موالاة الأعداء ووعظهم بقصة
إبراهيم عليه الصلاة والسلام والذين معه في تبرئهم من قومهم ومعاداتهم، والاتصال في هذا بين، وكأن سورة الحشر وردت مورد الاعتراض المقصود بها تمهيد الكلام وتنبيه السامع
[ ص: 492 ] على ما به تمام الفائدة لما ذكر أن شأن المؤمنين أنهم لا يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا أقرب الناس إليهم، اعترض بتنزيهه عن مرتكباتهم، ثم أتبع ذلك ما عجله لهم من النقمة والنكال، ثم عاد الأمر إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28802النهي عن موالاة الأعداء جملة له، ثم لما كان أول سورة الممتحنة إنما نزل في
nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وكتابه لكفار قريش
بمكة، والقصة مشهورة وكفار
مكة ليسوا من يهود، وطلبوا المعاداة للجميع واحد، فلهذا فضل بما هو من تمام الإخبار بحال يهود، وحينئذ عاد الكلام إلى الوصية عن نظائرهم من الكفار المعاندين، والتحمت السور الثلاث وكثر في سورة الممتحنة ترداد الوصايا والعهود، وطلب بذلك كله ولهذا المناسبة ذكر فيها الحكم في بيعة النساء وما يشترط عليهن في ذلك، فمبنى السورة على طلب الوفاء افتتاحا واختتاما حسب ما بين في التفسير لينزه المؤمن عن حال من قدم ذكره في سورة الحشر [و]في خاتمة سورة المجادلة - انتهى.
وَلَمَّا كَانَ التَّأْدِيبُ عَقِبَ الْإِنْعَامِ جَدِيرًا بِالْقَبُولِ، وَكَانَ قَدْ أَجْرَى سُبْحَانَهُ سُنَّتَهُ الْإِلَهِيَّةَ بِذَلِكَ، فَأَدَّبَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَقِبَ سُورَةِ الْفَتْحِ السَّبَبِيِّ بِسُورَةِ الْحُجُرَاتِ، وَكَانَتْ سُورَةُ الْحَشْرِ مُذَكِّرَةً بِالنِّعْمَةِ فِي فَتْحِ بَنِي النَّضِيرِ
[ ص: 484 ] [وَ]مُعْلِمَةً بِأَنَّهُ لَا وَلِيَّ إِلَّا اللَّهَ، وَلِذَلِكَ خَتَمَهَا بِصِفَتَيِ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَهَا بِهِمَا، وَثَبَتَ أَنَّ مِنَ الْحِكْمَةِ حَشْرَ الْخَلْقِ، وَأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَأَنَّ أَعْدَاءَهُ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وَكَانَ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ وَأَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ ذَمَّ سُبْحَانَهُ مَنْ وَالَى أَعْدَاءَهُ وَنَاصَرَهُمْ، وَسَمَّاهُمْ مَعَ التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مُنَافِقِينَ، أَنْتَجَ [ذَلِكَ] قَطْعًا وُجُوبَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَالْإِقْبَالَ عَلَى خِدْمَتِهِ وَوَلَائِهِ، فَقَالَ مُعِيدًا لِلتَّأْدِيبِ عَقِبَ سُورَةِ الْفَتْحِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِسُورَةٍ جَامِعَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْفَتْحِ الْأَعْظَمِ وَالْفَتْحِ السَّبَبِيِّ:
nindex.php?page=treesubj&link=27175_29435_30513_30525_30556_30883_31788_32024_32351_32427_32431_33522_34091_34122_34200_34206_34513_8371_29031nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مُنَادِيًا بِأَدَاةِ الْبُعْدِ وَإِنْ كَانَ مَنْ نَزَلَتْ بِسَبَبِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبِ، وَمُعَبِّرًا بِالْمَاضِي إِقَامَةً لِمَنْ وَالَى الْكُفَّارَ نَوْعَ مُوَالَاةٍ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ إِلْهَابًا لَهُ وَتَهْيِيجًا إِلَى التَّرَفُّعِ عَنْهُ لِئَلَّا يَقْدَحَ فِي خُصُوصِيَّتِهِ وَيَحُطَّ مِنْ عَلِيِّ رُتْبَتِهِ مَعَ اللُّطْفِ [بِهِ] بِالتَّسْمِيَةِ لَهُ بِالْإِيمَانِ حَيْثُ شَهِدَ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ نَحْوَ فِعْلِهِ مَعَ
بَنِي النَّضِيرِ بِالنِّفَاقِ وَأَحَلَّهُ مَحَلَّ أَهْلِ الشِّقَاقِ، فَحَكَمَ عَلَى
[ ص: 485 ] الْقُلُوبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَقَالَ هُنَاكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=11الَّذِينَ نَافَقُوا كَمَا قَالَ هُنَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمَّا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُجَادِلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28802النَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ إِظْهَارِ مُطْلَقِ الْمُوَادَّةِ لِلْكُفَّارِ، وَفِي الْحَشْرِ الزَّجْرُ الْعَظِيمُ عَنْ إِبْطَانِ ذَلِكَ فَتَكَفَّلَتِ السُّورَتَانِ بِالْمَنْعِ مِنْ مُصَاحَبَةِ وُدِّهِمْ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، بَكَّتَ هُنَا مَنِ اتَّصَفَ بِالْإِيمَانِ وَقَرَّعَهُ وَ وَبَّخَهُ عَلَى السَّعْيِ فِي مُوَادَّتِهِمْ وَالتَّكَلُّفِ لِتَحْصِيلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ قَادِحٌ فِي اعْتِقَادِ تَفَرُّدِهِ سُبْحَانَهُ بِالْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ، فَعَبَّرَ لِذَلِكَ بِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ فَقَالَ بَعْدَ التَّبْكِيتِ بِالنِّدَاءِ بِأَدَاةِ الْبُعْدِ وَالتَّعْبِيرِ بِأَدْنَى أَسْنَانِ الْإِيمَانِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تَتَّخِذُوا وَزَادَ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ وَجْهَيْنِ: التَّعْبِيرِ بِمَا مِنْهُ الْعَدَاوَةُ تَجْرِئَةً عَلَيْهِمْ وَتَنْفِيرًا مِنْهُمْ وَالتَّوْحِيدِ لِمَا يُطْلَقُ عَلَى الْجَمْعِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْمَجْمُوعُ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ فِي الْعَدَاوَةِ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، فَأَهْلُ الْحَقِّ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فِي الْوِلَايَةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1عَدُوِّي أَيْ وَأَنْتُمْ تَدَّعُونَ مُوَالَاتِي [وَمِنَ الْمَشْهُورِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28802مُصَادِقَ الْعَدُوِّ أَدْنَى مُصَادَقَةٍ لَا يَكُونُ وَلِيًّا فَكَيْفَ بِمَا هُوَ فَوْقَ الْأَدْنَى] وَهُوَ فَعُولٌ مِنْ عَدَى، وَأَبْلَغَ فِي الْإِيقَاظِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَعَدُوَّكُمْ أَيِ
[ ص: 486 ] الْعَرِيقَ فِي عَدَاوَتِكُمْ مَا دُمْتُمْ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فِي الدِّينِ.
وَلَمَّا وَحَّدَ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى اتِّحَادِ الْكَلِمَةِ، بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمْعُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أَوْلِيَاءَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَيَانَ هَذَا الِاتِّحَادِ بِقَوْلِهِ مُشِيرًا إِلَى غَايَةِ الْإِسْرَاعِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ بِالتَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ أَيْ جَمِيعَ مَا هُوَ فِي حَوْزَتِكُمْ مِمَّا لَا تَطْمَعُونَ فِيهِ إِلْقَاءَ الشَّيْءِ الثَّقِيلِ مِنْ عُلُوٍّ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِلَيْهِمْ عَلَى بُعْدِهِمْ مِنْكُمْ حِسًّا وَمَعْنًى
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِالْمَوَدَّةِ [أَيْ] بِسَبَبِهَا.
وَلَمَّا تَوَقَّعَ السَّامِعُ التَّصْرِيحَ بِمُضَادَّتِهِمْ فِي الْوَصْفِ الَّذِي نَادَاهُمْ بِهِ بَعْدَ التَّلْوِيحِ إِلَيْهِ، قَالَ مُلْهِبًا وَمُهَيِّجًا إِلَى عَدَاوَتِهِمْ بِالتَّذْكِيرِ بِمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الِاعْتِقَادِ الْمُسْتَلْزِمِ لِاسْتِصْغَارِهِمْ لِأَنَّهُ أَشَدُّ الْمُخَالَفَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَقَدْ أَيْ وَ الْحَالُ أَنَّهُمْ قَدْ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1كَفَرُوا أَيْ غَطَّوْا جَمِيعَ مَا لَكُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِمَا أَيْ بِسَبَبِ مَا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ أَيِ الْأَمْرِ الثَّابِتِ الْكَامِلِ فِي الثَّبَاتِ الَّذِي لَا شَيْءَ أَعْظَمُ ثَبَاتًا مِنْهُ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بَيَانَ كُفْرِهِمْ بِمَا يُبْعِدُ مِنْ مُطْلَقِ مُوَادَّتِهِمْ فَضْلًا عَنِ السَّعْيِ فِيهَا بِقَوْلِهِ مُذَكِّرًا لَهُمْ بِالْحَالِ الْمَاضِيَةِ زِيَادَةً فِي التَّنْفِيرِ مِنْهُمْ وَمُصَوِّرًا لَهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِصْرَارِ بِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ أَيِ الْكَامِلَ فِي الرُّسْلِيَّةِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُ أَدْنَى عَدَاوَةٍ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ النَّاسِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ عَدُوًّا، وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ [مِنْ] أَوَّلِ السُّورَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَنَّ إِيرَادَهُ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ لِلسَّيْرِ
[ ص: 487 ] وَالتَّعْمِيمِ فِي النَّهْيِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَإِيَّاكُمْ أَيْ مِنْ دِيَارِكُمْ مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ.
وَلَمَّا بَيَّنَ كُفْرَهُمْ، مُعَبِّرًا بِالْمُضَارِعِ إِشَارَةً إِلَى دَوَامِ أَذَاهُمْ لِمَنْ آمَنَ الْمُقْتَضِي لِخُرُوجِهِ عَنْ وَطَنِهِ، عَلَّلَ الْإِخْرَاجَ بِمَا يُحَقِّقُ مَعْنَى الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أَنْ أَيْ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ أَوْطَانِكُمْ لِأَجْلِ أَنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُؤْمِنُوا أَيْ تُوقِعُوا حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ مَعَ التَّجْدِيدِ وَالِاسْتِمْرَارِ.
وَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ بِهِ سُبْحَانَهُ مُسْتَحَقًّا مِنْ وَجْهَيِ الذَّاتِ وَالْوَصْفِ لَفَتَ الْخِطَابَ . مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِاللَّهِ أَيِ الَّذِي
nindex.php?page=treesubj&link=29625اخْتَصَّ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلَمَّا عَبَّرَ بِمَا أَبَانَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْإِيمَانِ لِذَاتِهِ أَرْدَفَهُ بِمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ ذَلِكَ لِإِحْسَانِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1رَبِّكُمْ وَلَمَّا أَلْهَبَهُمْ عَلَى مُبَايَنَتِهِمْ لَهُمْ بِمَا فَعَلُوا مَعَهُمْ وَانْقَضَى مَا أُرِيدَ مِنَ التَّنْبِيهِ بِسِيَاقِ الْغَيْبَةِ عَادَ إِلَى التَّكَلُّمِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَحَبُّبًا وَأَعْظَمُ اسْتِعْطَافًا وَأَدَلُّ عَلَى الرِّضَا فَأَلْهَبَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ جَانِبِهِمْ مِنْ ذَلِكَ [الْفِعْلِ] أَنْ لَا يُضَيِّعُوهُ، فَقَالَ مُعْلِمًا أَنَّ وِلَايَتَهُ سُبْحَانَهُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْإِيمَانِ،
nindex.php?page=treesubj&link=30503_28653وَلَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِدَلَائِلِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، nindex.php?page=treesubj&link=30513وَلَا تَصِحُّ الْأَعْمَالُ إِلَّا بِالْإِخْلَاصِ، nindex.php?page=treesubj&link=19695وَلَا يَكُونُ الْإِخْلَاصُ إِلَّا بِمُبَايَنَةِ الْأَعْدَاءِ: nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِنْ كُنْتُمْ أَيْ كَوْنًا رَاسِخًا حِينَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ أَوْطَانِكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ بِي
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1خَرَجْتُمْ أَيْ مِنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَيْكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1جِهَادًا أَيْ لِأَجْلِ الْجِهَادِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1فِي سَبِيلِي أَيْ بِسَبَبِ إِرَادَتِكُمْ
[ ص: 488 ] تَسْهِيلَ طَرِيقِي الَّتِي شَرَعْتُهَا لِعِبَادِي أَنْ يَسْلُكُوهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي أَيْ وَلِأَجْلِ تَطَلُّبِكُمْ بِأَعْظَمِ الرَّغْبَةِ لِرِضَايَ وَلِكُلِّ فِعْلٍ يَكُونُ مَوْضِعًا لَهُ، وَجَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تَتَّخِذُوا عَلَيْهِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ [حَالِ] الْعَدُوِّ وَشَرَطَ إِخْلَاصَ الْوَلِيِّ، وَكَانَ التَّقْدِيرُ: فَلَا تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ، بَنَى عَلَيْهِ قَوْلَهُ مُبَيِّنًا
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُلْقُونَ إِعْلَامًا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ إِلَى أَحَدٍ بِمَا فِيهِ نَفْعُهُ لَا يَكُونُ إِلَّا تَوَدُّدًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1تُسِرُّونَ أَيْ تُوجِدُونَ إِسْرَارَ جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُنَاصَحَتِهِمْ وَالتَّوَدُّدِ إِلَيْهِمْ، وَأَشَارَ إِلَى بُعْدِهِمْ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1إِلَيْهِمْ إِبْلَاغًا فِي التَّوْبِيخِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ يَتَجَشَّمُونَ فِي ذَلِكَ مُسْتَفْتِينَ إِبْلَاغَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُؤَيَّدُ بِالْوَحْيِ كَتْمَهَا عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِسْرَارِ خَوْفَ الِافْتِضَاحِ وَالْإِبْلَاغِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِالْمَوَدَّةِ أَيْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِسَبَبِ الْإِعْلَامِ بِأَخْبَارٍ يُرَادُ بِهَا أَوْ يَلْزَمُ مِنْهَا الْمَوَدَّةُ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ السَّتْرَ عَلَى مَنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ، قَالَ مُبَكِّتًا لِمَنْ يَفْعَلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَأَنَا أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1أَعْلَمُ أَيْ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ نَفْسِ الْفَاعِلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1بِمَا أَخْفَيْتُمْ أَيْ مِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَمَا أَعْلَنْتُمْ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِإِسْرَارِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي عَالِمٌ بِهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَتَوَهَّمُونَ أَنِّي لَا أَعْلَمُهُ فَهِيَ الْقَاصِمَةُ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ بِمَا هَدَى إِلَيْهِ الْعَاطِفُ: فَمَنْ فَعَلَ مِنْكُمْ فَقَدْ ظَنَّ
[ ص: 489 ] أَنِّي لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أَوْ فَعَلَ مَا يَقْتَضِي ظَنَّ ذَلِكَ، عَطَفَ عَلَيْهِ [قَوْلَهُ]:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1وَمَنْ يَفْعَلْهُ أَيْ يُوجِدُ الِاتِّخَاذَ سِرًّا أَوْ عَلَنًا أَوْ يُوجِدِ الْإِسْرَارَ بِالْمَوَدَّةِ فَالْإِعْلَانُ أَوْلَى فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ مَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوِ اسْتِقْبَالٍ. وَلَمَّا كَانَ الْمُحِبُّ قَدْ يَفْعَلُ بِسَبَبِ الْإِدْلَالِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّبْكِيتَ، فَإِذَا بُكِّتَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ مَحَبَّتَهُ لَا يَضُرُّهَا شَيْءٌ، وَكَانَ قَدْ سَتَرَ الْمَعَايِبَ بِأَنْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْعُمُومِ، صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْعِتَابَ مُرَادٌ بِهِ الْإِحْبَابُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1مِنْكُمْ وَحَقَّقَ الْأَمْرَ وَقَرَّبَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1فَقَدْ ضَلَّ أَيْ عَمِيَ وَمَالَ وَأَخْطَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1سَوَاءَ السَّبِيلِ أَيْ قَوِيمَ الطَّرِيقِ الْوَاسِعِ الْمُوَسَّعِ إِلَى الْقَصْدِ قَوِيمِهِ وَعَدْلِهِ، وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ فَبَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَمِنْهُ فِي الطَّبَرَانِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ وَمِنْهُ فِي التَّفَاسِيرِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=654511أَنَّ سَارَّةَ مَوْلَاةَ أَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَتَتِ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِ مَكَّةَ فَسَأَلَهَا مَا أَقْدَمَهَا، فَقَالَتْ: ذَهَبَ مَوَالِيَّ وَقَدِ احْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً، وَكُنْتُمُ الْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْمَوَالِيَ، فَحَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ فَأَعْطَوْهَا وَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا، فَكَتَبَ مَعَهَا nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى "مِنْ nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُكُمْ" فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَأَعْطَاهَا عَشْرَةَ [ ص: 490 ] دَنَانِيرَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْخَبَرِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيًّا nindex.php?page=showalam&ids=56وَعَمَّارًا nindex.php?page=showalam&ids=15وَالزُّبَيْرَ nindex.php?page=showalam&ids=55وَطَلْحَةَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكَانُوا كُلُّهُمْ فُرْسَانًا فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا. فَانْطَلَقُوا تُعَادِي بِهِمْ خَيْلُهُمْ، فَأَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَأَنْكَرَتْ وَحَلَفَتْ بِاللَّهِ، فَفَتَّشُوهَا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَذَبَنَا وَلَا كُذِبْنَا، وَسَلَّ سَيْفَهُ فَقَالَ: أَخْرِجِي الْكِتَابَ أَوْ لَأُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ وَلَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ، فَقَالَتْ: عَلَى أَنْ لَا تَرُدُّونِي. ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا قَدْ لَفَّتْ عَلَيْهِ شَعْرَهَا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ nindex.php?page=showalam&ids=195لِحَاطِبٍ: هَلْ تَعْرِفُ الْكِتَابَ ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: لَا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا غَشَشْتُ مُنْذُ نَصَحْتُكَ وَلَا أَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ عَشِيرَتِهِ، وَكُنْتُ غَرِيبًا خَلِيفًا فِيهِمْ، وَكَانَ أَهْلِي بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ بِهِمْ بَأْسَهُ، [ ص: 491 ] وَأَنَّ كِتَابِي لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2 [عُمَرُ] بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَفَاضَتْ عَيْنَا nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ "
الْآيَاتِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ : افْتُتِحَتْ - يَعْنِي هَذِهِ السُّورَةَ -
nindex.php?page=treesubj&link=28802بِوَصِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى تَرْكِ مُوَالَاةِ أَعْدَائِهِمْ وَنَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ [وَأَمْرِهِمْ] بِالتَّبَرُّؤِ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْوَارِدُ فِي قَوْلِهِ خَاتِمَةَ الْمُجَادِلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَدْ حَصَلَ [مِنْهَا] أَنَّ أَسْنَى أَحْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَعْلَى مَنَاصِبِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ فَوَصَّى عِبَادَهُ فِي افْتِتَاحِ الْمُمْتَحِنَةِ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ مُوَالَاةِ الْأَعْدَاءِ وَوَعَظَهُمْ بِقِصَّةِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي تَبَرُّئِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَمُعَادَاتِهِمْ، وَالِاتِّصَالُ فِي هَذَا بَيِّنٌ، وَكَأَنَّ سُورَةَ الْحَشْرِ وَرَدَتْ مَوْرِدَ الِاعْتِرَاضِ الْمَقْصُودِ بِهَا تَمْهِيدُ الْكَلَامِ وَتَنْبِيهُ السَّامِعِ
[ ص: 492 ] عَلَى مَا بِهِ تَمَامُ الْفَائِدَةِ لِمَا ذَكَرَ أَنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ لَا يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِمُ، اعْتَرَضَ بِتَنْزِيهِهِ عَنْ مُرْتَكَبَاتِهِمْ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ مَا عَجَّلَهُ لَهُمْ مِنَ النِّقْمَةِ وَالنَّكَالِ، ثُمَّ عَادَ الْأَمْرُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28802النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْأَعْدَاءِ جُمْلَةً لَهُ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ أَوَّلُ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ إِنَّمَا نَزَلَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكِتَابِهِ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ
بِمَكَّةَ، وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَكُفَّارُ
مَكَّةَ لَيْسُوا مِنْ يَهُودَ، وَطَلَبُوا الْمُعَادَاةَ لِلْجَمِيعِ وَاحِدٌ، فَلِهَذَا فَضَّلَ بِمَا هُوَ مِنْ تَمَامِ الْإِخْبَارِ بِحَالِ يَهُودَ، وَحِينَئِذٍ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى الْوَصِيَّةِ عَنْ نَظَائِرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُعَانِدِينَ، وَالْتَحَمَتِ السُّوَرُ الثَّلَاثُ وَكَثُرَ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ تَرْدَادُ الْوَصَايَا وَالْعُهُودِ، وَطَلَبَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلِهَذَا الْمُنَاسَبَةَ ذَكَرَ فِيهَا الْحُكْمَ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ وَمَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِكَ، فَمَبْنَى السُّورَةِ عَلَى طَلَبِ الْوَفَاءِ افْتِتَاحًا وَاخْتِتَامًا حَسَبَ مَا بَيَّنَ فِي التَّفْسِيرِ لِيُنَزِّهَ الْمُؤْمِنَ عَنْ حَالِ مَنْ قَدَّمَ ذِكْرَهُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ [وَ]فِي خَاتِمَةِ سُورَةِ الْمُجَادِلَةِ - انْتَهَى.