الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل قال : ( وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة ويقول له الإمام : إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية ) والأصل أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية ; لأنه يصير عينا لهم وعونا علينا فتلتحق المضرة بالمسلمين ، ويمكن من الإقامة اليسيرة ; لأن في منعها قطع الميرة والجلب وسد باب التجارة ، ففصلنا بينهما بسنة ; لأنها مدة تجب فيها الجزية فتكون الإقامة لمصلحة الجزية ، ثم إن رجع بعد مقالة الإمام قبل تمام السنة إلى وطنه فلا سبيل عليه ، وإذا مكث سنة فهو ذمي ; لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزما الجزية فيصير ذميا ، وللإمام أن يؤقت في ذلك ما دون السنة كالشهر والشهرين ( وإذا أقامها بعد مقالة الإمام يصير ذميا ) [ ص: 23 ] لما قلنا ( ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب ) ; لأن عقد الذمة لا ينقض ، كيف وأن فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين .

التالي السابق


( فصل ) ( قوله : وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة ) ثم يرجع ( بل يقول له الإمام إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية . وأصل هذا أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو بالجزية ; لأنه يصير عينا لهم ) أي جاسوسا ( وعونا علينا فتلتحق المضرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة ; لأن في منعها قطع الميرة والجلب ) وهو ما يجلب من حيوان وغيره ( ففصلنا بين الدائمة واليسيرة بسنة ; لأنها مدة تجب فيها الجزية ، فإن رجع قبلها فلا سبيل عليه ، وإن أقامها بعد تقدم الإمام إليه ) أي قوله : له ما يعتمده في ضرب الجزية عليه صار [ ص: 23 ] ذميا ( فلا يمكن بعدها من العود إلى داره ) ; لأن عقد الذمة لا ينقض إذ فيه قطع الجزية ( وتصييره وولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين ) ولا يؤخذ منه جزية للسنة التي أقامها إلا إن قال له : إن أقمتها أخذت منك الجزية .

وقوله بعد تقدم الإمام يفيد اشتراط تقدم الإمام إليه في منعه من العود إذا أقام سنة ، وبه صرح العتابي فقال : ( لو أقام سنين من غير أن يتقدم إليه الإمام فله الرجوع ) . قيل : ولفظ المبسوط يدل على أن تقدم الإمام ليس شرطا لصيرورته ذميا ، فإنه قال : ينبغي للإمام أن يتقدم إليه فيأمره إلى أن قال : وإن لم يقدر له مدة فالمعتبر الحول وليس بلازم ; لأنه يصدق بقوله إن أقمت طويلا منعتك من العود ، فإن أقام سنة منعه ، وفي هذا اشتراط التقدم غير أنه لم يوقت له مدة خاصة ، والوجه أن لا يمنعه حتى يتقدم إليه ولا أن يوقت مدة قليلة كالشهر والشهرين ، ولا ينبغي أن يلحقه عسرا بتقصير المدة جدا خصوصا إذا كان له معاملات يحتاج في اقتضائها إلى مدة مديدة .

[ فروع ] لو مات المستأمن في دار الإسلام عن مال وورثته في دار الحرب وقف ماله لورثته ، فإذا قدموا فلا بد أن يقيموا البينة على ذلك فيأخذوا ، فإن أقاموا بينة من أهل الذمة قبلت استحسانا ; لأنهم لا يمكنهم إقامتها من المسلمين ; لأن أنسابهم في دار الحرب لا يعرفها المسلمون فصار كشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال ، فإذا قالوا : لا نعلم له وارثا غيرهم دفع إليهم المال ، وأخذ منهم كفيلا لما يظهر في المآل من ذلك . قيل : هو قولهما لا قول أبي حنيفة كما في المسلمين . وقيل بل هو قولهم جميعا ، ولا يقبل كتاب ملكهم ولو ثبت أنه كتابه ، وإذا رجع إلى دار الحرب لا يمكن أن يرجع معه بسلاح اشتراه من دار الإسلام بل بالذي دخل به ، فإن باع سيفه واشترى به قوسا أو نشابا أو رمحا لا يمكن منه ، وكذا لو اشترى سيفا أحسن منه ، فإن كان مثل الأول أو دونه مكن منه ، ومن وجد في دارنا بلا أمان فهو وما معه فيء ، فإن قال : دخلت بأمان لم يصدق وأخذ ، ولو قال : أنا رسول ، فإن وجد معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم بعلامة تعرف بذلك كان آمنا فإن الرسول لا يحتاج إلى أمان خاص بل بكونه رسولا يأمن ، وإن لم يعرف فهو زور فيكون هو وما معه فيئا ، وإذا دخل دار الإسلام بلا أمان فأخذه واحد من المسلمين لا يختص به عند أبي حنيفة بل يكون فيئا لجماعة المسلمين ، وهو رواية بشر عن أبي يوسف ، وظاهر قول أبي يوسف وهو قول محمد يختص به ، ولو دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعند أبي حنيفة يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين ، وعلى قولهما لا ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذى حتى يخرج .




الخدمات العلمية