قال ( ووقف المشاع جائز عند ) [ ص: 211 ] لأن القسمة من تمام القبض والقبض عنده ليس بشرط فكذا تتمته . وقال أبي يوسف : لا يجوز لأن أصل القبض عنده شرط فكذا ما يتم به ، وهذا فيما يحتمل القسمة ، وأما فيما لا يحتمل القسمة فيجوز مع الشيوع عند محمد أيضا لأنه يعتبر بالهبة والصدقة المنفذة إلا في المسجد والمقبرة ، فإنه لا يتم مع الشيوع فيما لا يحتمل القسمة أيضا عند محمد ، لأن بقاء الشركة يمنع الخلوص لله تعالى ، ولأن المهايأة فيهما في غاية القبح بأن يقبر فيه الموتى سنة ، ويزرع سنة ويصلى فيه في وقت ويتخذ إصطبلا في وقت ، بخلاف أبي يوسف . الوقف لإمكان الاستغلال وقسمة الغلة
[ ص: 212 ] ولو وقفه الكل ثم استحق جزء منه بطل في الباقي عند لأن الشيوع مقارن كما في الهبة ، بخلاف ما إذا محمد ، لأن الشيوع في ذلك طارئ . رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض وقد وهبه أو أوقفه في مرضه وفي المال ضيق
ولو لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع ولهذا جاز في الابتداء ، وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة . [ ص: 213 ] قال : ولا يتم الوقف عند استحق جزء مميز بعينه أبي حنيفة حتى يجعل آخره بجهة لا تنقطع أبدا . وقال ومحمد : إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم . لهما أن موجب الوقف زوال الملك بدون التمليك وأنه يتأبد كالعتق ، فإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ، فلهذا كان التوقيت مبطلا له كالتوقيت في البيع . أبو يوسف أن المقصود هو التقرب إلى الله تعالى وهو موفر عليه ، لأن التقرب تارة يكون في الصرف [ ص: 214 ] إلى جهة تنقطع ومرة بالصرف إلى جهة تتأبد فيصح في الوجهين وقيل إن التأبيد شرط بالإجماع ، إلا أن عند ولأبي يوسف لا يشترط ذكر التأبيد لأن لفظة الوقف والصدقة منبئة عنه لما بينا أنه إزالة الملك بدون التمليك كالعتق ، ولهذا قال في الكتاب في بيان قوله وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم ، وهذا هو الصحيح ، وعند أبي يوسف ذكر التأبيد شرط لأن هذا صدقة بالمنفعة أو بالغلة ، وذلك قد يكون مؤقتا وقد يكون مؤبدا فمطلقه لا ينصرف إلى التأبيد فلا بد من التنصيص . محمد
كتاب الوقف
التالي
السابق
( قوله جائز عند وقف المشاع ) وعند أبي يوسف لا يجوز ، والخلاف مبني على [ ص: 211 ] الخلاف في اشتراط تسليم الوقف ، فلما شرطه محمد قال بعدم صحة المشاع ( لأن القسمة من تمام القبض ) ولا بد من القبض فوجب . محمد
وعند لا يشترط قبض المتولي فلا يشترط ما هو من تمامه ، فمن أخذ بقول أبي يوسف في خروجه بمجرد اللفظ ، وهم أبي يوسف مشايخ بلخ أخذ بقوله في هذه ، ومن أخذ بقول في تلك وهم محمد مشايخ بخارى أخذ بقوله في وقف المشاع . وأما إلحاق رحمه الله بالهبة والصدقة ( المنفذة ) أي المنجزة في الحال فإنها لا تكون مشاعا ، فكذا الصدقة المستمرة ; ففرق محمد بأن اشتراط القبض في تينك لما فيهما من التمليك للغير ، وأما الوقف فليس فيه تمليك من الغير حتى يشترط قبضه ، وإنما هو إسقاط الملك بلا تمليك فلا يرد العتق والطلاق فلا موجب لاشتراط القسمة فيه . أبو يوسف
والحاصل أن المشاع إما أن يحتمل القسمة أو لا يحتملها ، ففيما يحتملها أجاز وقفه إلا المسجد والمقبرة والخان والسقاية ، ومنعه أبو يوسف رحمه الله مطلقا ، وفيما لا يحتملها اتفقوا على إجازة وقفه إلا المسجد والمقبرة ، فصار الاتفاق على عدم جعل المشاع مسجدا أو مقبرة مطلقا : أي سواء كان مما يحتمل القسمة أو لا يحتملها . محمد
والخلاف مبني على اشتراط القبض والتسليم وعدمه ، فلما لم يشرطه أجاز وقفه ، ولما شرطه أبو يوسف منعه ; لأن الشيوع وإن لم يمنع من التسليم والقبض ; ألا ترى أن الشائع كان مقبوضا لمالكه قبل أن يقفه لكن يمنع من تمام القبض فلذا منعه محمد رحمه الله تعالى عند إمكان تمام القبض ، وذلك فيما يحتمل القسمة فإنه يمكن أن يقسم أولا ثم يقفه ، وإنما أسقط اعتبار تمام القبض عند عدم الإمكان وذلك فيما لا يحتملها ، لأنه لو قسم قبل الوقف فات الانتفاع كالبيت الصغير والحمام فاكتفى بتحقق التسليم في الجملة ، وإنما [ ص: 212 ] اتفقوا على منع وقف المشاع مطلقا مسجدا ومقبرة ; لأن الشيوع يمنع خلوص الحق لله تعالى ولأن جواز وقف المشاع فيما لا يحتمل القسمة ; لأنه يحتاج فيه إلى التهايؤ ، والتهايؤ فيه يؤدي إلى أمر مستقبح ، وهو أن يكون المكان مسجدا سنة وإصطبلا للدواب سنة ومقبرة عاما ومزرعة عاما أو ميضأة عاما محمد
وأما النبش فليس بلازم من المهايأة بل ليس للشريك ذلك ، ثم فيما يحتمل القسمة إذا قضى القاضي بصحته وطلب بعضهم القسمة لا يقسم عند ويتهايئون ، وعندهما يقسم ، وأجمعوا أن الكل لو كان وقفا على الأرباب وأرادوا القسمة لا تجوز ، وكذا التهايؤ ، وعليه فرع ما لو أبي حنيفة ، فإذا انقرضوا كانت غلتها للمساكين ، فإن هذا الوقف جائز على هذا الشرط ، وإذا انقرضوا تكرى وتوضع غلتها للمساكين وليس لأحد من الموقوف عليهم السكنى أن يكريها ، ولو زادت على قدر حاجة سكناه ، نعم له الإعارة لا غير ، ولو وقف داره على سكنى قوم بأعيانهم أو ولده ونسله ما تناسلوا ليس لهم إلا سكناها تقسط على عددهم ; ولو كانوا ذكورا وإناثا إن كان فيها حجر ومقاصير كان للذكران أن يسكنوا نساءهم معهم وللإناث أن تسكن أزواجهن معهن ، وإن لم يكن فيها حجر لا يستقيم أن تقسم بينهم ولا يقع فيها مهايأة إنما سكناه لمن جعل له الواقف ذلك لا لغيرهم ، ومن هذا يعرف أن لو سكن بعضهم فلم يجد الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب أجرة حصته على الساكن ، بل إن أحب أن يسكن معه في بقعة من تلك الدار بلا زوجة أو زوج إن كان لأحدهم ذلك ، وإلا ترك المتضيق وخرج أو جلسوا معا كل في بقعة إلى جنب الآخر . كثر أولاد هذا الواقف وولد ولده ونسله حتى ضاقت عليهم الدار
والأصل المذكور في الشروح والفرع في أوقاف الخصاف ولم يخالفه أحد فيما علمت ، وكيف يخالف ، وقد نقلوا إجماعهم على الأصل المذكور ; ولو اقتسما : أعني الواقف للمشاع وشريكه على القول بلزوم القسمة بعد القضاء أو قبله على قول فوقع نصيب الواقف في محل مخصوص كان هو الوقف ولا يجب عليه أن يقفه ثانيا ( قوله ولو وقف الكل ثم استحق جزء منه ) يعني شائعا ( بطل الوقف عند أبي يوسف رحمه الله ) ; لأن بالاستحقاق ظهر أن الشيوع كان مقارنا للوقف ( كما في الهبة ) إذا وهب الكل ثم استحق بعضه بطلت لهذا ، بخلاف ما لو وهب الكل ( ثم رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض ) الذي وقف في مرضه الكل ، ولا يخرج من الثلث فإنه لا يبطل الباقي ; لأن الشيوع طار ، وإذا بطل الوقف في الباقي رجع إلى الواقف لو كان حيا وإلى ورثته إن ظهر الاستحقاق بعد موته ، وليس على الواقف أن يبيع ذلك ويشتري بثمنه ما يجعله وقفا ( ولو كان المستحق جزءا بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع ) فلهذا جاز في الابتداء أن يقف ذلك الباقي فقط ( وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة ) لو استحق منهما جزء شائع بطلت ، ولو [ ص: 213 ] استحق معين لا تبطل . محمد
ولو كان ذلك جائزا عند كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه ، ودفعاها إلى وال يقوم عليها ; لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل المتصدق به ، ولا شيوع هنا ; لأن الكل صدقة ، غاية الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين والقبض من الوالي في الكل وجد جملة واحدة ، فهو كما لو تصدق بها رجل واحد سواء ، بخلاف ما لو وقف كل منهما نصفها شائعا على حدة وجعل لها واليا على حدة لا يجوز ; لأنهما صدقتان ، فإن كلا منهما تصدق بنصيبه بعقدة على حدة ; ألا ترى أنه جعل لنصيبه واليا على حدة ، ومثل ذلك في الصدقة المنفذة أيضا لا يجوز ، حتى لو محمد لم يجز شيء من ذلك ; لأن قبض كل منهما لاقى جزءا شائعا ; فكذا قبض الواليين هنا . ولو وقف كل منهما نصيبه وجعلا الوالي واحدا فسلماها إليه جميعا جاز ; لأن تمامها بالقبض ، والقبض مجتمع ( قوله ولا يتم الوقف عند تصدق بنصفها مشاعا على رجل وسلم ثم تصدق الآخر بالنصف عليه ، وسلم أبي حنيفة حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدا ) كالمساكين ومصالح الحرم والمساجد ، بخلاف ما لو ومحمد لا يصح لاحتمال أن يخرب الموقوف عليه ( وقال وقف على مسجد معين ولم يجعل آخره لجهة لا تنقطع : إذا سمى جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم ) هذا كلام أبو يوسف . القدوري
وهذا كما ترى لا يناسب استدلال المصنف على بقوله ( إن موجب الوقف ) يعني بعد التسليم إلى المتولي عند أبي يوسف رحمه الله وبعد الحكم عند محمد ( زوال الملك بلا تمليك وزواله يتأبد بعتق ، وإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ، ولهذا كان التوقيت مبطلا له ) كما لو وقف عشرين سنة لا يصح اتفاقا ; لأنه إنما يلزمه لو قال بجواز انقطاعه [ ص: 214 ] وعوده إلى الواقف بعد انقطاع تلك الجهة أو إلى ورثته ، وهو لم يقل ذلك ، بل قال إذا انقطعت صار للفقراء . ثم نقل أبي حنيفة القدوري إنما هو على ما ذكره المصنف ثابتا عنه من التأبيد حيث قال ( وقيل إن التأبيد شرط بالإجماع ، إلا أن لا يشترط ذكر التأبيد ; لأن لفظ الوقف والصدقة منبئ عنه لما بينا أنه إزالة الملك كالعتق ) وعندهما يشترط . أبا يوسف
قال المصنف ( وهذا هو الصحيح . وعند ذكر التأبيد شرط ; لأن هذا صدقة بالمنفعة ) إن كان وقف للسكنى ( أو بالغلة ) إن لم يكن ذكر السكنى ، ( وقد يكون ذلك مؤبدا وقد يكون غير مؤبد فمطلقه لا ينصرف إلى المؤبد ) بعينه ( فلا بد من التنصيص ) عليه فكان الأولى أن يولي هذين الوجهين لما نقله من عبارة محمد ; ثم يذكر الرواية الأخرى ويذكر دليلهما الأول . القدوري
فأما الوجه الأول فإنما يناسب الرواية عن بأنه بعد انقطاع الجهة يرجع إلى ملك الواقف أو ذريته ، وقد نقل من الفروع ما يدل على كل منهما عند أبي يوسف ، فمنها ما في المبسوط فيما إذا تصدق على أمهات أولاده في حياته ، وجعل لهن السكنى بعد وفاته ، وأي امرأة تزوجت منهن أو خرجت منتقلة إلى غيره فلا حق لها في السكنى ، ونصيبها مردود على من بقيت منهن ، فذلك جائز اعتبارا للسكنى بالغلة ، وهذا الشرط يصح منه لهن في الغلة ، إلى أن قال : وإن لم يحتج من بقي منهن كان ميراثا على فرائض الله تعالى عند أبي يوسف لما بينا أنه يتوسع في أمر الوقف فلا يشترط التأبيد ، واشتراط العود إلى الورثة عند زوال حاجة الموقوف عليه لا يفوت موجب العقد عنده ، فأما عند أبي يوسف رحمه الله التأبيد شرط واشتراط العود إلى الورثة يبطل هذا الشرط فيكون مبطلا للوقف إلا أن يجعل ذلك وصية عند موته فيجوز كالوصية لمعلوم بسكنى داره بعد موته مدة معلومة ، فإنه جائز أن يلزم ويعود إلى الورثة إذا سقط حق الموصى له ، ومن ذلك ما نقل محمد للناطفي في الأجناس عن شروط محمد بن مقاتل عن : إذا أبي يوسف جاز ، وإذا وقف على رجل بعينه رجع الوقف إلى ورثة الواقف . مات الموقوف عليه
قال : وعليه الفتوى . وإذا عرف عن جواز عوده إلى الورثة فقد يقول في وقف عشرين سنة بالجواز ; لأنه لا فرق أصلا ، ومنها ما ذكر في البرامكة . قال أبي يوسف : إذا انقرض [ ص: 215 ] الموقوف عليهم يصرف الوقف إلى الفقراء . قال في الأجناس : فحصل عنه روايتان . وأما الشرط الذي تقدم وهو قوله من تزوجت أو خرجت منتقلة عنه فلا حق لها فصحيح ، فلو طلقها زوجها أو مات أو عادت بعدما انتقلت لا يرجع لها ما كان لها في الوقف ، بل قد سقط ; لأنه قطع استحقاقها بأحد هذه الصفات فلا يعود إلا أن ينص على ذلك فيقول فإن عادت أو فارقت عاد ما كان لها أبو يوسف
وعند لا يشترط قبض المتولي فلا يشترط ما هو من تمامه ، فمن أخذ بقول أبي يوسف في خروجه بمجرد اللفظ ، وهم أبي يوسف مشايخ بلخ أخذ بقوله في هذه ، ومن أخذ بقول في تلك وهم محمد مشايخ بخارى أخذ بقوله في وقف المشاع . وأما إلحاق رحمه الله بالهبة والصدقة ( المنفذة ) أي المنجزة في الحال فإنها لا تكون مشاعا ، فكذا الصدقة المستمرة ; ففرق محمد بأن اشتراط القبض في تينك لما فيهما من التمليك للغير ، وأما الوقف فليس فيه تمليك من الغير حتى يشترط قبضه ، وإنما هو إسقاط الملك بلا تمليك فلا يرد العتق والطلاق فلا موجب لاشتراط القسمة فيه . أبو يوسف
والحاصل أن المشاع إما أن يحتمل القسمة أو لا يحتملها ، ففيما يحتملها أجاز وقفه إلا المسجد والمقبرة والخان والسقاية ، ومنعه أبو يوسف رحمه الله مطلقا ، وفيما لا يحتملها اتفقوا على إجازة وقفه إلا المسجد والمقبرة ، فصار الاتفاق على عدم جعل المشاع مسجدا أو مقبرة مطلقا : أي سواء كان مما يحتمل القسمة أو لا يحتملها . محمد
والخلاف مبني على اشتراط القبض والتسليم وعدمه ، فلما لم يشرطه أجاز وقفه ، ولما شرطه أبو يوسف منعه ; لأن الشيوع وإن لم يمنع من التسليم والقبض ; ألا ترى أن الشائع كان مقبوضا لمالكه قبل أن يقفه لكن يمنع من تمام القبض فلذا منعه محمد رحمه الله تعالى عند إمكان تمام القبض ، وذلك فيما يحتمل القسمة فإنه يمكن أن يقسم أولا ثم يقفه ، وإنما أسقط اعتبار تمام القبض عند عدم الإمكان وذلك فيما لا يحتملها ، لأنه لو قسم قبل الوقف فات الانتفاع كالبيت الصغير والحمام فاكتفى بتحقق التسليم في الجملة ، وإنما [ ص: 212 ] اتفقوا على منع وقف المشاع مطلقا مسجدا ومقبرة ; لأن الشيوع يمنع خلوص الحق لله تعالى ولأن جواز وقف المشاع فيما لا يحتمل القسمة ; لأنه يحتاج فيه إلى التهايؤ ، والتهايؤ فيه يؤدي إلى أمر مستقبح ، وهو أن يكون المكان مسجدا سنة وإصطبلا للدواب سنة ومقبرة عاما ومزرعة عاما أو ميضأة عاما محمد
وأما النبش فليس بلازم من المهايأة بل ليس للشريك ذلك ، ثم فيما يحتمل القسمة إذا قضى القاضي بصحته وطلب بعضهم القسمة لا يقسم عند ويتهايئون ، وعندهما يقسم ، وأجمعوا أن الكل لو كان وقفا على الأرباب وأرادوا القسمة لا تجوز ، وكذا التهايؤ ، وعليه فرع ما لو أبي حنيفة ، فإذا انقرضوا كانت غلتها للمساكين ، فإن هذا الوقف جائز على هذا الشرط ، وإذا انقرضوا تكرى وتوضع غلتها للمساكين وليس لأحد من الموقوف عليهم السكنى أن يكريها ، ولو زادت على قدر حاجة سكناه ، نعم له الإعارة لا غير ، ولو وقف داره على سكنى قوم بأعيانهم أو ولده ونسله ما تناسلوا ليس لهم إلا سكناها تقسط على عددهم ; ولو كانوا ذكورا وإناثا إن كان فيها حجر ومقاصير كان للذكران أن يسكنوا نساءهم معهم وللإناث أن تسكن أزواجهن معهن ، وإن لم يكن فيها حجر لا يستقيم أن تقسم بينهم ولا يقع فيها مهايأة إنما سكناه لمن جعل له الواقف ذلك لا لغيرهم ، ومن هذا يعرف أن لو سكن بعضهم فلم يجد الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب أجرة حصته على الساكن ، بل إن أحب أن يسكن معه في بقعة من تلك الدار بلا زوجة أو زوج إن كان لأحدهم ذلك ، وإلا ترك المتضيق وخرج أو جلسوا معا كل في بقعة إلى جنب الآخر . كثر أولاد هذا الواقف وولد ولده ونسله حتى ضاقت عليهم الدار
والأصل المذكور في الشروح والفرع في أوقاف الخصاف ولم يخالفه أحد فيما علمت ، وكيف يخالف ، وقد نقلوا إجماعهم على الأصل المذكور ; ولو اقتسما : أعني الواقف للمشاع وشريكه على القول بلزوم القسمة بعد القضاء أو قبله على قول فوقع نصيب الواقف في محل مخصوص كان هو الوقف ولا يجب عليه أن يقفه ثانيا ( قوله ولو وقف الكل ثم استحق جزء منه ) يعني شائعا ( بطل الوقف عند أبي يوسف رحمه الله ) ; لأن بالاستحقاق ظهر أن الشيوع كان مقارنا للوقف ( كما في الهبة ) إذا وهب الكل ثم استحق بعضه بطلت لهذا ، بخلاف ما لو وهب الكل ( ثم رجع الواهب في البعض أو رجع الوارث في الثلثين بعد موت المريض ) الذي وقف في مرضه الكل ، ولا يخرج من الثلث فإنه لا يبطل الباقي ; لأن الشيوع طار ، وإذا بطل الوقف في الباقي رجع إلى الواقف لو كان حيا وإلى ورثته إن ظهر الاستحقاق بعد موته ، وليس على الواقف أن يبيع ذلك ويشتري بثمنه ما يجعله وقفا ( ولو كان المستحق جزءا بعينه لم يبطل في الباقي لعدم الشيوع ) فلهذا جاز في الابتداء أن يقف ذلك الباقي فقط ( وعلى هذا الهبة والصدقة المملوكة ) لو استحق منهما جزء شائع بطلت ، ولو [ ص: 213 ] استحق معين لا تبطل . محمد
ولو كان ذلك جائزا عند كانت الأرض بين رجلين فوقفاها على بعض الوجوه ، ودفعاها إلى وال يقوم عليها ; لأن المانع من تمام الصدقة شيوع في المحل المتصدق به ، ولا شيوع هنا ; لأن الكل صدقة ، غاية الأمر أن ذلك مع كثرة المتصدقين والقبض من الوالي في الكل وجد جملة واحدة ، فهو كما لو تصدق بها رجل واحد سواء ، بخلاف ما لو وقف كل منهما نصفها شائعا على حدة وجعل لها واليا على حدة لا يجوز ; لأنهما صدقتان ، فإن كلا منهما تصدق بنصيبه بعقدة على حدة ; ألا ترى أنه جعل لنصيبه واليا على حدة ، ومثل ذلك في الصدقة المنفذة أيضا لا يجوز ، حتى لو محمد لم يجز شيء من ذلك ; لأن قبض كل منهما لاقى جزءا شائعا ; فكذا قبض الواليين هنا . ولو وقف كل منهما نصيبه وجعلا الوالي واحدا فسلماها إليه جميعا جاز ; لأن تمامها بالقبض ، والقبض مجتمع ( قوله ولا يتم الوقف عند تصدق بنصفها مشاعا على رجل وسلم ثم تصدق الآخر بالنصف عليه ، وسلم أبي حنيفة حتى يجعل آخره لجهة لا تنقطع أبدا ) كالمساكين ومصالح الحرم والمساجد ، بخلاف ما لو ومحمد لا يصح لاحتمال أن يخرب الموقوف عليه ( وقال وقف على مسجد معين ولم يجعل آخره لجهة لا تنقطع : إذا سمى جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم يسمهم ) هذا كلام أبو يوسف . القدوري
وهذا كما ترى لا يناسب استدلال المصنف على بقوله ( إن موجب الوقف ) يعني بعد التسليم إلى المتولي عند أبي يوسف رحمه الله وبعد الحكم عند محمد ( زوال الملك بلا تمليك وزواله يتأبد بعتق ، وإذا كانت الجهة يتوهم انقطاعها لا يتوفر عليه مقتضاه ، ولهذا كان التوقيت مبطلا له ) كما لو وقف عشرين سنة لا يصح اتفاقا ; لأنه إنما يلزمه لو قال بجواز انقطاعه [ ص: 214 ] وعوده إلى الواقف بعد انقطاع تلك الجهة أو إلى ورثته ، وهو لم يقل ذلك ، بل قال إذا انقطعت صار للفقراء . ثم نقل أبي حنيفة القدوري إنما هو على ما ذكره المصنف ثابتا عنه من التأبيد حيث قال ( وقيل إن التأبيد شرط بالإجماع ، إلا أن لا يشترط ذكر التأبيد ; لأن لفظ الوقف والصدقة منبئ عنه لما بينا أنه إزالة الملك كالعتق ) وعندهما يشترط . أبا يوسف
قال المصنف ( وهذا هو الصحيح . وعند ذكر التأبيد شرط ; لأن هذا صدقة بالمنفعة ) إن كان وقف للسكنى ( أو بالغلة ) إن لم يكن ذكر السكنى ، ( وقد يكون ذلك مؤبدا وقد يكون غير مؤبد فمطلقه لا ينصرف إلى المؤبد ) بعينه ( فلا بد من التنصيص ) عليه فكان الأولى أن يولي هذين الوجهين لما نقله من عبارة محمد ; ثم يذكر الرواية الأخرى ويذكر دليلهما الأول . القدوري
فأما الوجه الأول فإنما يناسب الرواية عن بأنه بعد انقطاع الجهة يرجع إلى ملك الواقف أو ذريته ، وقد نقل من الفروع ما يدل على كل منهما عند أبي يوسف ، فمنها ما في المبسوط فيما إذا تصدق على أمهات أولاده في حياته ، وجعل لهن السكنى بعد وفاته ، وأي امرأة تزوجت منهن أو خرجت منتقلة إلى غيره فلا حق لها في السكنى ، ونصيبها مردود على من بقيت منهن ، فذلك جائز اعتبارا للسكنى بالغلة ، وهذا الشرط يصح منه لهن في الغلة ، إلى أن قال : وإن لم يحتج من بقي منهن كان ميراثا على فرائض الله تعالى عند أبي يوسف لما بينا أنه يتوسع في أمر الوقف فلا يشترط التأبيد ، واشتراط العود إلى الورثة عند زوال حاجة الموقوف عليه لا يفوت موجب العقد عنده ، فأما عند أبي يوسف رحمه الله التأبيد شرط واشتراط العود إلى الورثة يبطل هذا الشرط فيكون مبطلا للوقف إلا أن يجعل ذلك وصية عند موته فيجوز كالوصية لمعلوم بسكنى داره بعد موته مدة معلومة ، فإنه جائز أن يلزم ويعود إلى الورثة إذا سقط حق الموصى له ، ومن ذلك ما نقل محمد للناطفي في الأجناس عن شروط محمد بن مقاتل عن : إذا أبي يوسف جاز ، وإذا وقف على رجل بعينه رجع الوقف إلى ورثة الواقف . مات الموقوف عليه
قال : وعليه الفتوى . وإذا عرف عن جواز عوده إلى الورثة فقد يقول في وقف عشرين سنة بالجواز ; لأنه لا فرق أصلا ، ومنها ما ذكر في البرامكة . قال أبي يوسف : إذا انقرض [ ص: 215 ] الموقوف عليهم يصرف الوقف إلى الفقراء . قال في الأجناس : فحصل عنه روايتان . وأما الشرط الذي تقدم وهو قوله من تزوجت أو خرجت منتقلة عنه فلا حق لها فصحيح ، فلو طلقها زوجها أو مات أو عادت بعدما انتقلت لا يرجع لها ما كان لها في الوقف ، بل قد سقط ; لأنه قطع استحقاقها بأحد هذه الصفات فلا يعود إلا أن ينص على ذلك فيقول فإن عادت أو فارقت عاد ما كان لها أبو يوسف