الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 283 ] ( ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترط المبتاع ) لقوله عليه الصلاة والسلام { من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع } ولأن الاتصال وإن كان خلقة فهو للقطع لا للبقاء فصار كالزرع .

[ ص: 284 ] ( ويقال للبائع اقطعها وسلم المبيع ) وكذا إذا كان فيها زرع ; لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع فكان عليه تفريغه وتسليمه ، كما إذا كان فيه متاع . وقال الشافعي رحمه الله : يترك حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع ; لأن الواجب إنما هو التسليم المعتاد ، والمعتاد أن لا يقطع كذلك وصار كما إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض زرع . وقلنا : هناك التسليم واجب أيضا حتى يترك بأجر ، وتسليم العوض كتسليم المعوض ، .

[ ص: 285 ] ولا فرق بين ما إذا كان الثمر بحال له قيمة أو لم يكن في الصحيح ويكون في الحالين للبائع ; لأن بيعه يجوز في أصح الروايتين على ما تبين فلا يدخل في بيع الشجر من غير ذكر . .

التالي السابق


( قوله ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ) لنفسه : أي يشتري الشجرة مع الثمرة التي فوقها ، ولا فرق بين المؤبرة وغير المؤبرة في كونها للبائع إلا بالشرط ، ويدخل في الثمرة الورد والياسمين والخلاف ونحوها من المشمومات فالكل للبائع ، وعند الشافعي ومالك وأحمد يشترط في ثمر النخل التأبير ، فإن لم تكن أبرت فهي للمشتري . والتأبير : والتلقيح ، وهو أن يشق عناقيد الكم ويذر فيها من طلع الفحل فإنه يصلح ثمر إناث النخل ، لما روى أصحاب الكتب الستة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، ومن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع } وفي لفظ البخاري { من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع } وحاصله استدلال بمفهوم الصفة ، فمن قال به يلزمه وأهل المذهب ينفون حجيته . وقد روى محمد رحمه الله في شفعة الأصل عنه عليه الصلاة والسلام { من اشترى أرضا فيها نخل فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع } من غير فصل بين المؤبر وغير المؤبر ، وهو الحديث الذي ذكره المصنف . وما قيل إن مرويهم تخصيص الشيء بالذكر فلا يدل على نفي الحكم عما عداه ، إنما يلزمهم لو كان لقبا ليكون مفهوم لقب لكنه صفة وهو حجة عندهم كما ذكرنا ، ولو صح حديث محمد رحمه الله فهم يحملون المطلق على المقيد ، وعلى أصول المذهب أيضا يجب ; لأنه في حادثة واحدة في حكم واحد ، والذي يلزمهم من الوجه القياس على الزرع وهو المذكور في الكتاب بقوله إنه متصل للقطع لا البقاء فصار كالزرع ، وهو قياس صحيح ، وهم يقدمون القياس على المفهوم إذا تعارضا ، وحينئذ فيجب أن يحمل الإبار على الإثمار ; لأنهم لا يؤخرونه عنه فكان الإبار علامة الإثمار فعلق به الحكم بقوله نخلا مؤبرا : يعني مثمرا ، وما نقل عن ابن أبي ليلى من أن الثمرة مطلقا للمشتري بعيد إذ يضاد الأحاديث المشهورة [ ص: 284 ] وإذا ) كانت الثمرة للبائع ( يقال له اقطعها وسلم المبيع ) ، وكذا إذا كان فيها زرع ( يقال له اقلعه ) وسلم المبيع ( لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع فكان عليه تفريغه وتسليمه ، كما إذا كان فيه متاع . وقال الشافعي : يترك حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع ) وهو قول مالك وأحمد رحمهما الله ( لأن الواجب هو التسليم المعتاد ) ولهذا لا يجب في الدار تسليمها في الحال إذا بيعت ليلا أو كان له فيها متاع بل ينتظر طلوع النهار ووجود الحمالين ( وفي العادة لا يقطع إلا بعدما قلنا وصار كما إذا انقطعت مدة الإجارة وفي الأرض زرع ) فإنه يترك حتى يستحصد رضي المؤجر أو لم يرض ، وإذا كان كذلك فلا يبالي بتضرر المشتري بالانتفاع بملكه بلا عوض ; لأنه حين أقدم على الشراء والعادة ما ذكرنا كان ملتزما للضرر المذكور ، ويقال استحصد الزرع يستحصد بكسر الصاد : جاء وقت حصاده . أجاب المصنف ( بأن هناك ) أي في الإجارة ( أيضا يجب التسليم ) ولذا تجب الأجرة في التبقية ; لأن تسليم العوض تسليم المعوض ، ولا بد في تمامه من التسليم المعتاد في الإجارة التبقية بالأجرة وعدم تسليم عين الأرض في الحال وإلا لو لم يرض المؤجر بالتبقية وأخذ الأجرة كان له أن يكلفه أن يقلعه في الحال ، وليس له ذلك ، فظهر أن التسليم المعتاد يجب اعتباره ، ثم يقول هو في البيع بتركه إلى ما ذكرنا مجانا ، وفي الإجارة بتركه بأجر ولا مخلص من هذا إلا أن يتم منع أنه معتاد في البيع كذلك ، وإلا فإذا فرق بين البيع والإجارة بأن إقدام البائع على البيع مع علمه بأن المبتاع يطالبه بتفريغ ملكه وتسليمه فارغا دلالة الرضا بقطعه فلم تجب رعاية جانبه بتبقية الأرض والشجر على حكم ملكه ، بخلاف المستأجر ، فإنه لم يوجد منه عند انقضاء مدة الإجارة فعل يدل على الرضا بقطع ثمره وزرعه فوجب رعاية جانبه بتبقيته على حكم ملكه بالأجرة ، اتجه أن يقال : إنما يكون إقدامه على البيع رضا بالقطع في الحال لو لم يكن التأخير إلى الصلاح معتادا ، أما إذا كان معتادا فلا ، وقد منعت العادة [ ص: 285 ] المستمرة بذلك بل هي مشتركة ، فقد يتركون وقد يبيعون بشرط القطع ، والله أعلم .

ثم هل تدخل أرض الشجر في البيع ببيعها إن اشتراها للقطع ؟ لا تدخل بالإجماع ، وإن اشتراها بيعا مطلقا لا تدخل عند أبي حنيفة وأبي يوسف ; لأن الأرض أصل والشجر تبع ، فلا ينقلب الأصل تبعا وهو قول الشافعي .

وعند محمد وهو رواية عن أبي حنيفة وقول للشافعي : يدخل ما تحتها بقدر غلظ ساقها . وفي جمع النوازل والفتاوى الصغرى : وهو المختار ; لأنه اشترى الشجر وهو اسم للمستقر على الأرض ، وإلا فهو جذع وحطب فيدخل من الأرض ما يتم به حقيقة اسمها فهو دخول بالضرورة فيتقدر بقدرها ، وقيل قدر ساقها ، وقيل بقدر ظلها عند الزوال ، وقيل بقدر عروقها العظام ، ولو شرط قدرا فعلى ما شرط . وقوله ( ولا فرق ) بين أن يكون له قيمة أو لا في الصحيح احترازا عن قول البعض إنه إن لم يكن له قيمة يدخل ، والصحيح لا يدخل في الحالتين إن كان له قيمة أو لم تكن ، وعلله أن بيعه يصح في أصح الروايتين مع كونه ليس للقرار ، وما يصح بيعه وليس للقرار لا يدخل في البيع تبعا لغيره ، بخلاف البناء ، فإنه يجوز بيعه منفردا ولكنه موضوع للقرار .




الخدمات العلمية