الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع ) ; لأن البيع في جانب الآخر لازم ، وهذا ; لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل .

[ ص: 307 ] عن ملك من له الخيار ; لأنه شرع نظرا له دون الآخر . قال : إلا أن المشتري لا يملكه عند أبي حنيفة ، وقالا : يملكه ; لأنه لما خرج عن ملك البائع فلو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى مالك ولا عهد لنا به في الشرع . ولأبي حنيفة أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلو قلنا بأنه يدخل المبيع في ملكه لاجتمع البدلان في ملك رجل واحد حكما للمعاوضة ، ولا أصل له في الشرع ; لأن المعاوضة تقتضي المساواة ; ولأن الخيار شرع نظرا للمشتري ليتروى فيقف على المصلحة ، ولو ثبت الملك ربما يعتق عليه من غير اختياره بأن كان قريبه فيفوت النظر .

[ ص: 308 ] قال ( فإن هلك في يده هلك بالثمن ، وكذا إذا دخله عيب ) بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع . ووجه الفرق أنه إذا دخله عيب يمتنع الرد ، والهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب فيهلك ، والعقد قد انبرم فيلزمه الثمن ، بخلاف ما تقدم ; لأن بدخول العيب لا يمتنع الرد حكما بخيار البائع فيهلك والعقد موقوف .

التالي السابق


( قوله وخيار المشتري لا يمنع خروج المبيع عن ملك البائع ) وقوله ( لأن البيع ) إلى آخره تعليل لمحذوف وهو قولنا فيخرج المبيع عن ملك البائع ; لأن البيع في جانبه لازم بات فقد تم السبب في حقه وانتفى ما يمنعه من عمله إذا كان خيار المشتري لا يمنعه فيخرج ( وهذا ; لأن الخيار إنما يمنع خروج البدل ) الذي هو [ ص: 307 ] من جهة ( من له الخيار ) لما ذكرنا أنه يوجب عدم الرضا بخروج ملكه عنه فلا يؤثر السبب خروجه لعدم شرط عمله فيبقى على ملكه كما كان . وقوله ( إلا أن المشتري لا يملكه ) بمعنى لكن ، وهو استدراك لأمر متبادر عند قوله بخروج المبيع عن ملك البائع إذا كان الخيار للمشتري وهو المقدر الذي ذكرناه ، فإنه يتبادر بحكم العادة أنه إذا خرج المبيع عن ملك البائع يدخل في ملك المشتري ، وهذا ( عند أبي حنيفة ، وقالا : يملكه ) المشتري ، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول ( لأنه لما خرج عن ملك البائع لو لم يدخل في ملك المشتري يكون زائلا لا إلى ) ملك ( مالك ولا عهد لنا به في الشرع ) في باب التجارة والمعاوضة فيكون كالسائبة فلا يرد شراء متولي أمر الكعبة إذا اشترى عبدا لسدانة الكعبة ، والضيعة الموقوفة بعبيدها إذا ضعف أحدهم فاشترى ببدله آخر فإنه لا يدخل في ملك المشتري ; لأن ذلك ليس من هذا الباب بل من باب الأوقاف وحكم الأوقاف ذلك ، وكذا لا ترد التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج عن ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء للقيد المذكور ( ولأبي حنيفة رضي الله عنه أنه لما لم يخرج الثمن عن ملكه فلو قلنا إنه يدخل المبيع في ملكه اجتمع البدلان ) والثمن والمبيع ( في ملك ) أحد المتعاوضين ( حكما للمعاوضة ولا أصل له في الشرع ) وأنى يكون ( والمعاوضة تقتضي المساواة ) بين المتعاوضين في تبادل ملكيهما ، بخلاف ضمان غاصب المدبر إذا أبق من عنده سواء قلنا إنه بدل اليد أو الملك حيث لا يخرج المدبر به عن ملك مالكه فيجتمع العوضان في ملك واحد ، فإنه ضمان جناية لا ضمان معاوضة شرعية ، وهذا ألزم في الشرع مما ذكرناه ، فإن المشتري للسدانة والوقف كائن في المعاوضة وهو يخرج ولا يدخل في ملك أحد ( ولأن خيار المشتري شرع نظرا له ليتروى فيقف على المصلحة ) في رأيه ( ولو أثبتنا الملك له ) بمجرد البيع مع خياره ألحقناه نقيض مقصوده ( إذ ربما ) كان المبيع من ( يعتق عليه ) فيعتق ( من غير اختياره ) فيعود شرع الخيار على موضوعه بالنقض إذا كان مفوتا للنظر وذلك لا يجوز ، وقد أورد على هذا لو لم يثبت الملك للمشتري لم يستحق به الشفعة [ ص: 308 ] لأن استحقاقها بالملك ولذا لا تثبت بحق السكنى لكنه يستحقها إذا بيعت بجوارها بالاتفاق والإجماع أجيب بأنه إنما استحقها ; لأنه صار أحق بها تصرفا لا ; لأنه ملكها كالعبد المأذون يستحقها إذا بيعت دار بجواره بهذا المعنى . وحاصل هذا مع قصر استحقاق الشفعة على حقيقة الملك بل هو أو ما في معناه ، وهذا تكلف لا يحتاج إليه ، وستأتي المسألة معللة بانبرام البيع في ضمن طلب الشفعة فيثبت مقتضى تصحيحا ، وما في الأجناس لو بيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة لا يبطل خيار الرؤية فله أن يردها إذا رآها ويبطل خيار الشرط ( فإن هلك ) المبيع ( في يد المشتري ) ولو في مدة الخيار ( هلك بالثمن ، وكذا إذا دخله عيب ) لا يرجى زواله كأن قطعت يده ولو بغير صنعه فإنه يلزمه الثمن ويمتنع الرد ، بخلاف ما لو كان يرجى زواله في المدة بأن مرض فإن المشتري على خياره ، لكن ليس له أن يرده مريضا بل حتى يبرأ في المدة ، فإن مضت المدة ولم يبرأ لزم البيع فيه . وعن أبي يوسف يبطل خيار المشتري في كل عيب بأي وجه كان إلا في خصلة ، وهي أن النقصان إذا حصل في يد المشتري بفعل البائع لا يبطل خياره ، بل إن شاء رده وإن شاء أجاز البيع وأخذ الأرش من البائع . وقوله ( بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ) متصل بقوله هلك بالثمن : يعني الفرق بين ما إذا كان الخيار للبائع فهلك المبيع في يد المشتري فإنه يهلك بالقيمة ، وبين ما إذا كان للمشتري فهلك في يد المشتري فإنه يهلك بالثمن هو أن الهلاك لا يخلو عن مقدمة عيب ودخول العيب يمنع الرد حال قيامه كائنا ما كان ، فإذا اتصل به الهلاك لم توجد حالة مجوزة للرد فيهلك وقد انبرم العقد ، وانبرام العقد يوجب الثمن لا القيمة ( بخلاف ما تقدم ) من كون الخيار للبائع ، فإن تعيب المبيع لا يمنع الرد حكما لخيار البائع ( فيهلك والعقد موقوف ) فيبطل العقد فلا يضمن الثمن بل القيمة .




الخدمات العلمية