الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن جمع بين حر وعبد أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : إن سمى لكل واحد منهما ثمنا جاز في العبد والشاة الذكية ( وإن جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده وعبد غيره صح البيع في العبد بحصته من الثمن ) عند علمائنا الثلاثة ، وقال زفر رحمه الله : فسد فيهما ، ومتروك التسمية عامدا كالميتة ، والمكاتب وأم الولد كالمدبر له الاعتبار بالفصل الأول ، إذ محلية البيع منتفية بالإضافة إلى الكل [ ص: 457 ] ولهما أن الفساد بقدر المفسد فلا يتعدى إلى القن ، كمن جمع بين الأجنبية وأخته في النكاح ، بخلاف ما إذا لم يسم ثمن كل واحد منهما ; لأنه مجهول ولأبي حنيفة رحمه الله وهو الفرق بين الفصلين أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلا ; لأنه ليس بمال والبيع صفقة واحدة فكان القبول في الحر شرطا للبيع في العبد وهذا شرط فاسد ، بخلاف النكاح ; لأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة ، وأما البيع في هؤلاء موقوف وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية ولهذا ينفذ في عبد الغير بإجازته ، وفي المكاتب برضاه في الأصح ، وفي المدبر بقضاء القاضي ، وكذا في أم الولد عند [ ص: 458 ] أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله ، إلا أن المالك باستحقاقه المبيع وهؤلاء باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع فكان هذا إشارة إلى البقاء ، كما إذا اشترى عبدين وهلك أحدهما قبل القبض ، وهذا لا يكون شرط القبول في غير المبيع ولا بيعا بالحصة ابتداء ولهذا لا يشترط بيان ثمن كل واحد فيه

التالي السابق


( قوله ومن جمع بين حر وعبد أو شاة ذكية وميتة بطل البيع فيهما ) سواء فصل ثمن كل واحد أو لم يفصل ( وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : إن سمى لكل واحد منهما جاز في العبد ) بما سمى له وكذا في الذكية ، وإذا لم يسم بطل بالإجماع . وبقول أبي حنيفة قال مالك ، وعن الشافعي وأحمد كل من القولين ، وعلى الخلاف ما إذا باع دنين خلا فإذا أحدهما خمر ( ولو جمع بين عبد ومدبر أو بين عبده وعبد غيره ) ولم يفصل الثمن ( صح البيع في العبد بحصته من الثمن عند الثلاثة ) .

وقال زفر فسد فيهما ، ومتروك التسمية عامدا كالميتة والمكاتب وأم الولد كالمدبر وأجمعوا أنه لو باع عبدين فاستحق أحدهما لا يبطل البيع في الآخر ( لزفر الاعتبار بالفصل الأول ) وهو ما إذا جمع بين عبد وحر ولم يفصل ثمن كل بجامع أنه باع ما لا يصح بيعه مع ما يصح مجموعا صفقة وهو يوجب انتفاء محلية البيع بالإضافة إلى المجموع إذ يصدق أن الكل من حيث هو كل [ ص: 457 ] ليس بمال ( ولهما ) في الأول ( أن الفساد لا يتعدى ) محل المفسد ، وبعد تفصيل الثمن يقتصر المفسد وهو عدم المحلية على الحر ونحوه فلا يتعدى إلى غيره ; لأنه حينئذ بلا موجب ; لأن كلا منهما قد انفصل عن الآخر بتفصيل الثمن ; ألا يرى أنه لو هلك أحدهما قبل القبض بقي العقد في الآخر لو كان كل منهما عبدا وصار كما لو جمع بين أخته وأجنبية في عقد النكاح ، بخلاف ما إذا لم يسم ثمن كل منهما ; لأن الفساد حينئذ في القن لجهالة ثمنه ( ولأبي حنيفة وهو الفرق بين الفصلين ) أعني الجمع بين الحر والعبد والجمع بين الأجنبية وأخته والمدبر والعبد ( أن الحر لا يدخل تحت العقد أصلا والبيع صفقة واحدة ) بدليل أنه ليس للقابل أن يقبل في أحدهما بعد جعل قبول العقد في كل شرطا في بيعه الآخر فقد شرط في قبول العقد قبوله في الحر وهو شرط فاسد فيبطل بيع العبد ( بخلاف النكاح فإنه لا يبطل بالشرط الفاسد . أما بيع هؤلاء فموقوف )

على القضاء في المدبر ورضا المكاتب في الأصح خلافا لما روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف وإجازة ذلك الغير ( فقد دخلوا في العقد لقيام المالية ) على قول بعض المجتهدين في أم الولد [ ص: 458 ] أيضا فدخلت أيضا على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ( إلا أن المالك ) أي مالك العبد المضموم إلى عبد البائع باستحقاقه المبيع وهؤلاء ( باستحقاقهم أنفسهم ردوا البيع ) بعد وجوده فيما يقبله ، وهذا في أم الولد بناء على صحة القضاء ببيعها عندهما خلافا لمحمد .

وهو بناء على أن إجماع التابعين اللاحق هل يرفع خلاف الصحابة السابق عندهما لا يقوى لرفع خلاف الصحابة . وعند محمد نعم ، فلذا صح القضاء ببيعها عندهما نظرا إلى الخلاف . وعنده لا نظرا إلى الإجماع وارتفاع الخلاف ، مع أن قول عبيدة لعلي رضي الله عنه لما قال بدا لي رأي أنهن يبعن فقال رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك ، ظاهر في أن أكثر الصحابة كانوا على منع بيعها أو كلهم إلا عليا .

وقد ذكر الكرخي رجوع أبي يوسف في مسألة الطوق والجارية إذا باعهما بثمن مؤجل كما سيجيء في الصرف ، فاستدلوا به على رجوعه في هذه المسائل إذ الفرق بينهما لا يتضح ، كذا في المبسوط . قيل ينبغي أن يكون الجمع بين متروك التسمية عامدا وبين الذبيحة كالجمع بين القن والمدبر على قول أبي حنيفة لضعف الفساد في متروكها للاجتهاد .

أجيب بالفرق بأنه لا يحل القضاء ، ويصح بيع المدبر به ، والاجتهاد فيه غير معتبر بل نفس الاجتهاد خطأ لمصادمته ظاهر النص . هذا ، وقد يجعل الخلاف بينهم بناء على الخلاف في تعدد الصفقة واتحادها ، فقد تقدم أول كتاب البيع أن تعددها عندهما بتعدد الثمن وتفصيله .

وعنده لا يحصل بذلك التعدد بل لا بد مع ذلك من تكرار لفظ البيع .

وما في الأخيرة أن البائع إذا فصل الثمن وسمى لكل ثمنا على حدة واتحد الباقي كانت الصفقة متحدة هو على قول أبي حنيفة . وأورد من قبلهما أن قبول العقد فيما لا يصح شرط ليس فيه منفعة فلا يكون مفسدا . أجيب بمنع اشتراط النفع في إفساد الشرط أولا وليس بشيء ، ثم لو سلم ففيه نفع ; لأن في قبوله قبول بدله وهو مال متقوم والحر ليس بمال فيكون بدله خاليا عن العوض فيكون ربا .

وقوله ( وكان هذا ) يعني رد البيع ( إشارة إلى البقاء ) يعني دخولهم تحت البيع ; لأن رد البيع بدون انعقاده لا يصح ، وإذا خرجوا بعد دخولهم لا يكون فيه بيع بالحصة ابتداء بل بقاء كما إذا باع عبدين وهلك أحدهما قبل القبض ينفسخ البيع فيه وحده وتجب حصة الآخر من الثمن ، وإذا كان المدبر وما معه محلا للبيع لم يكن جمعه مع القن يتضمن اشتراط قبول العقد في غير المبيع .

[ ص: 459 ] فروع ] في الكافي جمع بين وقف وملك وأطلق صح في الملك في الأصح . وقال الحلواني : يفسد فيهما ثم رجع وقال : جاز في الملك كما في العبد والمدبر . ولو باع كرما فيه مسجد قديم ، إن كان عامرا يفسد البيع وإلا لا ، وكذا في المقبرة . ولو اشترى دارا فيه طريق للعامة لا يفسد البيع والطريق عيب . ولو اشترى دارا بطريقها ثم استحق الطريق ، إن شاء أمسكها بحصتها ، وإن شاء ردها إن كان الطريق مختلطا بها ، وإن كان متميزا لزمه الدار بحصتها .

ومعنى اختلاطه كونه لم يذكر له الحدود . وفي المنتقى : إذا لم يكن الطريق محدودا فسد البيع ، والمسجد الخاص كالطريق المعلوم ، ولو كان مسجد جماعة فسد البيع في الكل . وفي بعض النسخ : ولو كان مسجد جامع فسد في الكل ، وكذا لو كان مهدوما أو أرضا ساحة لا بناء فيها بعد أن يكون أصله مسجد جامع كذا في المجتبى .

والظاهر أن هذا متفرع من قول أبي يوسف في المسجد ، إلا إن كان من ريعه معلوم يعاد به ، ولو باع قرية وفيها مسجد واستثنى المسجد جاز البيع .




الخدمات العلمية