الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 194 ] ولا إن رجعت إليه بعده بقرب . بأن آجرها أو أرفق بها ، بخلاف سنة

التالي السابق


( و لا ) يصح الحوز ( إن رجعت ) الذات الموهوبة ( إليه ) أي واهبها ( بعده ) أي الحوز ( بقرب ) أي قبل تمام سنة من حوزها رجوعا مصورا ( بأن آجرها ) أي الموهوب له الهبة لواهبها ( أو أرفق ) الموهوب له الواهب ( بها ) أي الهبة ( بخلاف ) رجوعها لواهبها بعد تمام ( سنة ) فلا يبطل حوزها . الحط إن الذات الموهوبة إذا رجعت إلى واهبها بعد أن حازها الموهوب له وكان رجوعها إلى واهبها عن قرب ورجوعها إليه بأن يكون أجرها من الموهوب له أي استأجرها منه أو بأن يكون الموهوب له أرفق بها الواهب يريد أو أعمره إياهما فذلك كله يبطل الهبة في التوضيح باتفاق لما دلت عليه القرينة أنه تحيل لإسقاط الحيازة ، وهكذا صرح الباجي وغيره إلا بالاتفاق ، وقوله بخلاف سنة يعني أن رجوع الواهب إلى الذات الموهوبة بعد حيازتها الموهوب له سنة لا يبطل هبتها ; لأنه طول وقيل الطول سنتان ، وهذا الذي مشى عليه المصنف أحد قولين ذكرهما ابن الحاجب بلا ترجيح . ابن عبد السلام أقر بهما لا يضر ، وهو الذي رواه محمد عن مالك وأصحابه رضي الله تعالى عنهم .

( تنبيهات )

الأول : ما ذكره المصنف محله إذا كان الموهوب له يحوز لنفسه بدليل قوله آجرها أو أرفق بها ، قال في التوضيح فإن كان صغيرا حاز عليه أبوه أو غيره ثم رجع إليه قبل أن يكبر ويحوز لنفسه سنة فهي باطلة . محمد لم يختلف في هذا مالك وأصحابه رضي الله تعالى عنهم ، والفرق بين الكبير والصغير أن الكبير يتصور منعه الأب من رجوعه في [ ص: 195 ] هبته والصغير لا يتصور منه ذلك ، فكان رجوعه رجوعا في الهبة أفاده الحط . البناني تقدم أن هذه طريقة ابن رشد وأن طريقة غيره أن المحجور وغيره سواء في عدم البطلان في الرجوع بعد عام ، وعلى هذه الطريقة عول المتيطي ، وبها أفتى ابن لب وبها جرى العمل .

الثاني : طفي عبر ابن الحاجب تبعا لابن شاس ببطلان الهبة برجوعها بعده بقرب ، وكذا غير واحد من أهل المذهب ومرادهم والله أعلم إذا بقيت بيد الواهب إلى موته مثلا وإلا فللموهوب له استرجاعها ليصح حوزه ، فالذي يبطل به الحوز فقط لا هي من أصلها هذا الذي يؤخذ من كلام أهل المذهب ، إذ حكمها في هذا كالرهن . ابن رشد إذا تصدق الرجل بالدار أو حبسها وتمادى على سكناها أو عاد إليها عن قرب باكتراء أو عارية أو إرفاق حتى مات فيها فالصدقة أو الحبس فيها باطل ، وأما إن رجع بعد انقطاعها عنه بالحيازة لها دونه انقطاعا بينا السنة فما زاد فلا يبطل ذلك حيازته وكذلك الرهن تبطل الحيازة برجوعه إلى يد راهنه وإن كان بعد انقطاع المرتهن بحيازته انقطاعا بينا ; لأن حوز الرهن آكد . ا هـ . فقد ظهر أن الذي يبطل الحيازة ، فقول ابن عاشر في حاشيته تعبيرهم ببطلان الهبة لرجوعها عن قرب يقتضي بطلانها من أصلها لا حوزها فقط ، فليس له ردها للحوز قبل حصول المانع ، وهذا خلاف ما تقدم في الرهن غير ظاهر وقد استظهر ابن عرفة فيمن وهب دارا ثم أعمر فيها واهبها بعد مدة يسيرة لا تكون حيازة نزعها من يد واهبها وأكراها من غيره لإتمام الحوز في الهبة ، ولا يبطل ذلك الحوز للهبة كمؤاجرة الرهن لراهنه مع صحة حوزه .

الثالث : " ق " قوله بخلاف سنة تقدم أن هذا بالنسبة إلى ما له غلة ، وعلى غير صغار ولده . طفي فيه نظر ، إذ يقتضي أن التفصيل في الهبة بين الرجوع قبل العام أو بعده خاص بالذي له غلة وأن ما لا غلة له يصح مطلقا ، وهذا شيء خرج به عن المذهب ، إذ لا قائل به فيما علمت ولا دليل له في كلام ابن المواز ; لأنه في الحبس ، وذلك خاص به [ ص: 196 ] وصورته كما قدمنا أنه لم يرجع إليه للانتفاع ، وإنما حبسه وجعله تحت يده يصرفه ويرجعه .

الرابع : " غ " قوله بأن آجرها أو أرفق بها الضمير المستتر في الفعلين للموهوب له فيجب بناء الثاني للفاعل . كالأول . طفي وهو صواب فقول " ح " أو أرفق بها مبني للمفعول غير صواب سرى له ذلك من جعله الضمير المستكن في آجرها للواهب وهو غير صواب لغة ; لأن أجر للمالك ففي القاموس أجر المملوك أجرا أكراه كآجره إيجارا ومؤاجرة .




الخدمات العلمية