الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قال : إن قربتك فأنت علي كظهر أمي ، متى يكون مظاهرا أساعة تكلم بذلك أو حتى يطأ ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هو مول في قول مالك ساعة تكلم بذلك ، فإن وطئ سقط الإيلاء عنه ولزمه الظهار بالوطء ولا يقربها بعد ذلك حتى يكفر كفارة الظهار ، فإن تركها لا يكفر كفارة الظهار كان سبيله ما وصفت لك في قول مالك في المظاهر المضار .

                                                                                                                                                                                      قلت : لم قال مالك : إذا ظاهر من امرأته فقال لها : أنت علي كظهر أمي إنه مول إن تركها ولم يكفر كفارة الظهار وعلم أنه مضار وليس هذا بيمين لأنه لم يقل إن قربتك فأنت علي كظهر أمي وإنما قال : أنت علي كظهر أمي فهذا لا يكون يمينا فلم جعله مالك موليا وجعله يمينا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : لا يكون موليا حتى يعلم أنه مضار ، فإذا علم أنه مضار حمل محمل الإيلاء لأن مالكا قال : كل يمين منعت من الجماع فهي إيلاء ، وهذا الظهار إن لم يكن يمينا عند مالك فهو إذا كف عن الوطء وهو يقدر على الكفارة علم أنه مضار ، فلا بد أن يحمل محمل المولي .

                                                                                                                                                                                      وقال سحنون وغيره : والظهار ليس بحقيقة الإيلاء ولكنه من شرح ما يقدر عليه الرجل فيما يحلف فيه بالطلاق ليفعلنه ، ثم يقيم وهو قادر على فعله فلا يفعله وتكون زوجته موقوفة عنه لا يصيبها لأنه على حنث ، فيدخل عليه الإيلاء إذا قالت امرأته هذا ليس يحل له وطئي وهو يقدر على أن يحل له بأن يفعل ما حلف عليه ليفعلنه فيحل له وطئي ، فكذلك التي ظاهر منها تقول هذا لا يحل له وطئي ، وهو يقدر على أن يحل له بأن يكفر فيجوز له وطئي فهو يبتدئ به أجل المولي بالحكم عندما يرى السلطان من ضرره إذا رآه ، ثم يجري الحساب بالمولي غير أن فيئته أن يفعل ما يقدر عليه من الكفارة ، ثم لا يكون عليه إذا فعله أن يصيب إذا حل له الوطء كما لم يكن على الذي حلف ليفعلن إذا فعله أن يصيب .

                                                                                                                                                                                      وقال ربيعة وابن شهاب في الذي حلف بطلاق امرأته ليفعلن فعلا : إنه لا يمس امرأته ، قالا ينزل بمنزلة الإيلاء

                                                                                                                                                                                      قلت : وإذا قال : أنا أكفر ولم يقل أنا أطأ ، أيكون له ذلك في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم لأن فيئه الكفارة ليس الوطء ; لأنه إذا كفر عن ظهاره فقد سقط عنه الإيلاء وكان له أن يطأ بلا كفارة ، فإذا كفر عن ظهاره فلا [ ص: 318 ] يكون موليا ، وإذا لم يكن يعلم منه الضرر وكان يعمل في الكفارة فلا يدخل عليه الإيلاء .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كان ممن لا يقدر على عتق وهو يقدر على الصوم في الأربعة الأشهر ، فلم يصم الشهرين عن ظهاره في الأربعة الأشهر حتى مضت الأربعة الأشهر ، أيكون موليا منها ويكون لها أن توقفه ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم .

                                                                                                                                                                                      وقد روى غيره أن وقفه لا يكون إلا من بعد ضرب السلطان أجله ، وكل لمالك والوقف بعد ضرب الأجل أحسن .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن وقفته ، فقال الزوج : دعوني أنا أصوم شهرين عن ظهاري ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ذلك له ولا يعجل عليه السلطان إذا قال : أنا أصوم عن ظهاري قلت : أرأيت إن ترك فلم يصم حتى مضى شهر ، فرفعته أيضا إلى السلطان فقالت : هذا هو مفطر قد ترك الصيام ، أو لما تركه السلطان ليصوم ترك الصوم يوما أو يومين أو خمسة أيام ، فرفعته امرأته إلى السلطان ، أيكون هذا مضارا ويفرق السلطان بينهما في قول مالك أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يختبر بذلك المرتين والثلاثة ونحو ذلك ، فإن فعل وإلا فرق السلطان بينهما ولم ينتظره ، لأن مالكا قال في المولي إذا قال : أنا أفيء فانصرف فلم يف فرفعته أيضا إلى السلطان : إنه يأمره بذلك ويختبره المرة بعد المرة ، فإن لم يف وعرف كذبه ولم يكن له عذر طلق عليه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن تركها أربعة أشهر ولم يكفر كفارة الظهار فرفعته إلى السلطان ، فقال : دعوني حتى أكفر كفارة الظهار أصوم شهرين متتابعين وأجامعها وقالت المرأة لا أؤخرك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك في المولي إذا أتت الأربعة الأشهر فكان في سفر أو مريضا أو في سجن : إنه يكتب إلى ذلك الموضع حتى يوقف في موضعه ذلك ، فإما فاء وإما طلق عليه السلطان ، ومما يعرف به فيئته أن يكون يقدر على الكفارة فيكفر عن يمينه التي كانت عليه في الإيلاء ، فإن قال أنا أفيء في موضعه ذلك وكفر تلك وإن أبى من ذلك طلقت عليه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أبى أن يكفر وقال أنا أفيء ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لم أر قول مالك في هذا إنه يجزئه قوله .

                                                                                                                                                                                      " أنا أفيء " دون أن يكفر ، ولم ير له الفيء ههنا دون الكفارة لأنه يعلم أنه لا يطأ وهو مريض أو غائب أو في سجن لا يقدر عليه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية