الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4114 368 - حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فترك حتى كان الغد، ثم قال له: ماذا عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى، فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت. قال: لا والله، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للجزء الثاني من الترجمة ظاهرة، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، واسم أبي سعيد كيسان المديني، وقد مر غير مرة، والحديث مر مختصرا في باب الصلاة في باب الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير أيضا في المسجد بهذا الإسناد بعينه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا) أي فرسان خيل، وهذا من ألطف المجازات وأحسنها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قبل نجد) بكسر القاف، وفتح الباء الموحدة أي جهتها.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فجاءت برجل) يعني أسروه، وجاؤوا به، وزعم سيف في كتاب الردة أن الذي أسره العباس بن عبد المطلب، ورد عليه بأن العباس إنما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في زمان فتح مكة، وقصة ثمامة قبل ذلك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ماذا عندك) أي أي شيء عندك، وقال بعضهم: يحتمل أن تكون ما استفهامية، وذا موصولة، وعندك صلته أي: ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك؟ انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا يأتي على أوجه:

                                                                                                                                                                                  الأول: أن تكون ما استفهامية، وذا إشارة، نحو: ماذا الوقوف.

                                                                                                                                                                                  الثاني: أن تكون ما استفهامية، وذا موصولة، بدليل افتقاره للجملة بعده.

                                                                                                                                                                                  الثالث: أن تكون ماذا كله استفهاما على التركيب، كقولك: لماذا جئت؟

                                                                                                                                                                                  الرابع: أن تكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء أو موصولا بمعنى الذي.

                                                                                                                                                                                  الخامس: أن تكون ما زائدة، وذا للإشارة.

                                                                                                                                                                                  السادس: أن تكون ما استفهاما، وذا زائدة على خلاف فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (عندي خير) يعني لست أنت ممن تظلم بل أنت تعفو وتحسن.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ذا دم) بالدال المهملة، وتخفيف الميم عند الأكثرين، وفي رواية الكشميهني بالذال المعجمة، وتشديد الميم، وقال النووي: معنى الأول: إن تقتل تقتل ذا دم أي صاحب دم لأجل دمه، ومعنى الثاني ذا ذمة، وكذلك وقع في رواية أبي داود، ورده عياض؛ لأنه ينقلب المعنى؛ لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله فوجهه النووي بأن المراد بالذمة الحرمة في قومه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى كان الغد) ويروى فترك حتى كان الغد، وإنما ذكر في اليوم الأول شيئين لأن أحدهما أشق الأمرين، وهو القتل، والآخر أشقى الأمرين، واقتصر في اليوم الثاني على الشيء الثاني لأجل الاستعطاف، وطلب الإنعام، واقتصر في اليوم الثالث على الإجمال تفويضا [ ص: 23 ] إلى جميل خلقه صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أطلقوا ثمامة) وفي رواية قال: "قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك".

                                                                                                                                                                                  قوله: (إلى نخل) بالخاء المعجمة، وفي كتاب الصلاة بالجيم، وهو الماء قاله الكرماني.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وبشره) أي بخير الدنيا والآخرة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (صبوت) أي ملت إلى دين غير دينك.

                                                                                                                                                                                  قوله: (قال: لا) أي لا صبوت من الدين; لأن عبادة الأوثان ليست بدين حتى إذا تركتها أكون خارجا من دين، بل دخلت في دين الإسلام، وأسلمت مع محمد بمعنى وافقته على دين الحق فصرنا متصاحبين في الإسلام، وفي رواية ابن هشام "ولكن تبعت خير الدين دين محمد صلى الله عليه وسلم".

                                                                                                                                                                                  قوله: (حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم) أي إلى أن يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

                                                                                                                                                                                  قال ابن هشام: ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن تخلي بينهم وبين الحمل إليهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية