الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6525 6 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن قرة بن خالد قال: حدثني حميد بن هلال، حدثنا أبو بردة عن أبي موسى قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل فقال: يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ، قال: قلت والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت فقال: لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم، ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات، فأمر به فقتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: فأمر به فقتل.

                                                                                                                                                                                  ويحيى هو ابن سعيد القطان ، وقرة بضم القاف وتشديد الراء: ابن خالد السدوسي ، وأبو بردة بضم الباء الموحدة: اسمه عامر ، وقيل: الحارث ، واسم أبي موسى: عبد الله بن قيس الأشعري .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى مختصرا ومطولا في الإجارة، وسيجيء في الأحكام ومضى الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله "ومعي رجلان " لم يدر اسمهما، وفي مسلم : رجلان من بني عمي، وكلاهما، أي كلا الرجلين المذكورين سأل كذا بحذف المسئول، وبينه أحمد في روايته: سأل العمل، يعني الولاية.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أو يا عبد الله بن قيس " شك من الراوي بأيهما خاطبه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "قلصت " أي انزوت ويقال: قلص، أي ارتفع.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فقال لن أو لا " شك من الراوي، أي لن نستعمل على عملنا من أراده، أو لا نستعمل من أراده، أي: من أراد العمل، وفي رواية أبي العميس : من سألنا، بفتح اللام.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أو يا عبد الله " شك من الراوي.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ثم أتبعه " بسكون التاء المثناة من فوق.

                                                                                                                                                                                  قوله: " معاذ بن جبل " بالنصب أي: ثم أتبع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أبا موسى معاذ بن جبل ، أي بعثه بعده، ويروى: ثم اتبعه بتشديد التاء، فعلى هذا يكون معاذ مرفوعا على الفاعلية، وتقدم في المغازي بلفظ: بعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أبا موسى ومعاذا إلى اليمن ، فقال: يسرا ولا تعسرا ، ويحمل على أنه أضاف معاذا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته، لكن قبل توجهه وصاه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فلما قدم عليه " مضى في المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل، وأن كلا منهما إذا سار في أرضه فقرب من صاحبه أحدث به عهدا، وفي رواية أخرى هناك: فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى .

                                                                                                                                                                                  قوله: " ألقى له وسادة " بكسر الواو، وهي المخدة، وقال بعضهم: ومعنى ألقى وسادة: فرشها له. قلت: هذا غير صحيح، والوسادة لا تفرش، وإنما المعنى: وضع الوسادة تحته ليجلس عليها، وكانت عادتهم وضع الوسادة تحت من أرادوا إكرامه مبالغة فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله " انزل " أي: فاجلس على الوسادة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا رجل " كلمة " إذا " للمفاجأة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " موثق " أي مربوط بقيد، وفي رواية الطبراني : فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال: يا أخي، أبعثت تعذب الناس؟ إنما بعثنا نعلمهم دينهم، ونأمرهم بما ينفعهم، فقال: إنه أسلم، ثم كفر، فقال: والذي بعث محمدا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار .

                                                                                                                                                                                  قوله: " قضاء الله " بالرفع: خبر مبتدأ محذوف أي: هذا قضاء الله، أي حكم الله، وقال بعضهم: ويجوز النصب ولم يبين وجهه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ثلاث مرات " أي كرر هذا الكلام ثلاث مرات، وفي رواية أبي داود أنهما كررا القول، فأبو موسى يقول [ ص: 81 ] اجلس، ومعاذ يقول: لا أجلس، فعلى هذا قوله " ثلاث مرات " من كلام الراوي، لا تتمة كلام معاذ .

                                                                                                                                                                                  قوله: " فأمر به فقتل " وفي رواية أيوب : فقال والله لا أقعد حتى تضرب عنقه، فضرب عنقه، وفي رواية الطبراني التي مضت الآن: فأتى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها ، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه ضرب عنقه، ثم ألقاه في النار، ويؤخذ منه أن معاذا وأبا موسى كانا يريان جواز التعذيب بالنار، وإحراق المرتد بالنار ، ومبالغة في إهانته، وترهيبا من الاقتداء به، وقد مر أن عليا رضي الله تعالى عنه أحرق الزنادقة بالنار ، وقال الداودي : إحراق علي رضي الله تعالى عنه الزنادقة ليس بخطأ ; لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لقوم: إن لقيتم فلانا وفلانا فأحرقوهم بالنار ، ثم قال: إن لقيتموهما فاقتلوهما، فإنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله ، ولم يكن صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في الغضب والرضا إلا حقا، قال الله تعالى وما ينطق عن الهوى .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأرجو في نومتي " بالنون أي نومي.

                                                                                                                                                                                  "ما أرجو في قومتي " بالقاف أي في قيامي بالليل، وفي رواية سعيد : وأحتسب في نومتي ما أحتسب في قومتي كما مر في المغازي، وحاصله أن يرجو الأجر في ترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له في القيام




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية