الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6704 65 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج - وهو القتل - وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا اطلعت ورآها الناس، يعني آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه، فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد تكرر جدا قربا وبعدا.

                                                                                                                                                                                  وأبو اليمان الحكم بن نافع ، وشعيب بن أبي حمزة ، وأبو الزناد - بالزاي والنون - عبد الله بن ذكوان ، وعبد الرحمن هو ابن هرمز الأعرج . والحديث من أفراده.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فئتان عظيمتان " قال الكرماني : طائفتان علي ومعاوية ، وعن ابن منده أخرجه ابن عساكر في ترجمة معاوية من طريقه، ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي [ ص: 215 ] أبي زرعة الرازي قال: جاء رجل إلى عمي، فقال له: إني أبغض معاوية قال: لم؟ قال: لأنه قاتل عليا بغير حق، فقال له أبو زرعة : رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فما دخولك بينهما؟ وقيل: الفئتان: الخوارج ، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " دعوتهما واحدة " أي يدعيان الإسلام ويتأول كل منهما أنه محق.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى يبعث " أي حتى يظهر " دجالون " جمع دجال أي خلاطون بين الحق والباطل مموهون، والفرق بينهم وبين الدجال الأكبر أنهم يدعون النبوة، وهو يدعي الإلهية، لكنهم كلهم مشتركون في التمويه وادعاء الباطل العظيم، وقد وجد كثير منهم، فضحهم الله وأهلكهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قريب " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: عددهم قريب. قال الكرماني : أو منصوب مكتوب بلا ألف على اللغة الربيعية، وقد وقع في حديث ثوبان بالجزم أنهم ثلاثون، وهو: " سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي " أخرجه أبو داود والترمذي ، وصححه ابن حبان . وروى أبو يعلى من حديث عبد الله بن عمرو : " بين يدي الساعة ثلاثون دجالا كذابا " وكذا رواه أحمد من حديث علي رضي الله عنه ، والطبراني من حديث ابن مسعود . وروى أحمد والطبراني من حديث سمرة المصدر بالكسوف، وفيه: " ولا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال " وروى الطبراني من حديث عبد الله بن عمر : " ولا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا " وسنده ضعيف، وكذا عند أبي يعلى من حديث أنس ، وهو أيضا ضعيف، وهو وإن ثبت فمحمول على المبالغة في الكثرة لا على التحديد. وروى أحمد بسند جيد، عن حذيفة : " يكون في أمتي دجالون كذابون سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين، ولا نبي بعدي ".

                                                                                                                                                                                  قوله: " وكلهم يزعم أنه رسول الله " ظاهره يدل على أن كلا منهم يدعي النبوة، وهذا هو السر في قوله: " ويقبض العلم " يعني يقبض العلماء، وقد تقدم في كتاب العلم من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، وفي رواية: أن يقل العلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وتكثر الزلازل " وقد استمرت الزلزلة في بلدة من بلاد الروم التي هي للمسلمين ثلاثة عشر شهرا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ويتقارب الزمان " أي أهله بأن يكون كلهم جهالا، ويحتمل الحمل على الحقيقة بأن يعتدل الليل والنهار دائما، وذلك بأن تنطبق منطقة البروج على معدل النهار.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى يكثر فيكم المال " إشارة إلى ما وقع من الفتوح واقتسامهم أموال الفرس والروم في زمن الصحابة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فيفيض " من الفيضان، وهو أن يكثر حتى يسيل كالوادي، وهذا إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز ؛ لأنه وقع في زمنه أن الرجل كان يعرض ماله للصدقة، فلا يجد من يقبل صدقته.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى يهم " بضم الياء وكسر الهاء، قال ابن بطال : " رب " هو مفعول، و " من يقبل " فاعله، و " يهمه " أي يحزنه، وقال النووي : بضم الياء وكسر الهاء، وبفتح الياء وضم الهاء، وحينئذ يكون رب فاعلا أي يقصده.

                                                                                                                                                                                  قوله: " من يقبل " قال الكرماني : ظاهره أن يقال: من لا يقبل. قلت: يريد به من شأنه أن يكون قابلا لها.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لا أرب " بفتحتين أي: لا حاجة لي به، وهذا إشارة إلى ما سيقع في زمن عيسى عليه السلام .

                                                                                                                                                                                  قوله: " به " للمبالغة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لقحته " بكسر اللام: القريبة العهد بالولادة، والناقة الحلوب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فلا يطعمه " أي فلا يشربه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " هو يليط " يقال: لاط ويليط إذا طينه وأصلحه وألصقه، يقال: لاط حبه بقلبي يليط ويلوط ليطا ولوطا ولياطة، وقال الجوهري : لطت الحوض بالطين ألوطه لوطا أي طينته، وقال الهروي : كل شيء لصق بشيء فقد لاط به يلوط لوطا، ويليط أيضا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أكلته " بضم الهمزة، وهي اللقمة، وبفتحها المرة الواحدة " إلى فيه " أي إلى فمه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية