الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1322 142 - حدثنا سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : أخبرني هشام ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - لما أجاب بقوله " نعم " لذلك القائل الذي في الحديث دل على أن موت الفجأة غير مكروه ، وقد ورد في حديث عن عائشة وابن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه : موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف على الفاجر . فإن قلت : روى أبو داود من حديث عبيد بن خالد السلمي - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال : موت الفجأة أخذة آسف . والآسف على فاعل من الصفات المشبهة ، والآسف بفتحتين اسم ، والمعنى أخذة غضبان في الوجه الأول وأخذة غضب في الوجه الثاني ، ومعناه أنه فعل ما أوجب الغضب عليه والانتقام منه بأن أماته بغتة من غير استعداد ولا حضور لذلك ، وروى أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بجدار مائل فأسرع وقال : أكره موت الفوات . قلت : الجمع بينهما بأن الأول محمول على من استعد وتأهب ، والثاني محمول على من فرط . وقال ابن بطال : وكان ذلك - والله أعلم - لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة . وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الموت من حديث أنس نحو حديث عبيد بن خالد ، وزاد فيه : المحروم من حرم وصيته .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ; الأول : سعيد بن أبي مريم ، هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم . الثاني : محمد بن أبي جعفر بن أبي كثير . الثالث : هشام بن عروة . الرابع : أبوه عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه . الخامس : عائشة رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضع ، وفيه أن شيخه مصري وبقية الرواة مدنيون ، وفيه رواية الابن عن الأب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( أن رجلا ) هو سعد بن عبادة ، قال أبو عمر : واسم أمه عمرة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( افتلتت نفسها ) بضم التاء المثناة من فوق وكسر اللام على صيغة المجهول ، ومعناه ماتت فجأة ، يقال افتلت فلان - على صيغة المجهول - وافتلتت نفسه أيضا ، و " نفسها " نصب على التمييز أو مفعول ثان بمعنى سلبت ، ويروى برفع النفس وهو ظاهر ، وسيأتي في البخاري من حديث ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه ، فقال : اقضه عنها . ولأبي داود أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن أمي افتلتت نفسها . . . الحديث ، وفي رواية مسلم : إن أمي ماتت وعليها صوم . وللنسائي عن ابن عباس عن سعد بن عبادة أنه قال : قلت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت ، فأي الصدقة [ ص: 222 ] أفضل ؟ قال : الماء . وفي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أبي مات وترك مالا ولم يوص ، فهل يكفي ذلك عنه أن أتصدق ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                  فالقضية إذن متعددة .

                                                                                                                                                                                  ( ويستفاد منه ) : أن الصدقة عن الميت تجوز وأنه ينتفع بها ، وروى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشام بن العاص نحر عنه خمسين وأن عمرا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقال : أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك . وعند ابن ماكولا من حديث إبراهيم بن حبان عن أبيه عن جده ، عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إنا لندعو لموتانا ونتصدق عنهم ونحج ، فهل يصل ذلك إليهم ؟ فقال : إنه ليصل إليهم ، ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالهدية .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية