الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1333 152 - حدثني محمد بن عبد الرحيم قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا وهيب ، عن يحيى بن سعيد بن حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة . قال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ; لأن قوله " وتؤتي الزكاة المفروضة " يدل على فرضية الزكاة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم ستة ; الأول : محمد بن عبد الرحيم ، أبو يحيى . الثاني : عفان - بتشديد الفاء - ابن مسلم الصفار الأنصاري . الثالث : وهيب - بضم الواو - ابن خالد بن عجلان ، صاحب الكرابيس . الرابع : يحيى بن سعيد بن حيان - بتشديد الياء آخر الحروف - أبو حيان التميمي تيم الرباب . الخامس : أبو زرعة - بضم الزاي وسكون الراء - واسمه هرم بفتح الهاء وسكون الراء ، وقيل عمرو ، وقيل عبد الرحمن ، وقيل عبد الله ، تقدم في باب سؤال جبريل عليه الصلاة والسلام في كتاب الإيمان . السادس : أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر - على خلاف فيه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وبصيغة الإفراد في موضع ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه أن شيخه من أفراده وكان يقال له صاعقة لأنه كان سريع الحفظ وجيده ، مات في سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو بغدادي وعفان بصري ، روى البخاري عنه بدون الواسطة في باب ثناء الناس على الميت ، ووهيب أيضا بصري ويحيى وأبو زرعة كوفيان .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا عن مسدد عن يحيى بن سعيد في هذا الكتاب ، وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي بكر بن إسحاق عن عفان به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( أن أعرابيا ) هو سعد بن الأخرم ، قال الذهبي : سعد بن الأخرم أبو المغيرة نزل الكوفة ، روى عنه ابنه ، مختلف في صحبته ، وروى الطبراني في الكبير من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه أو عن عمه - شك الأعمش - قال : أتيت النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قلت : يا نبي الله ، دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار . فسكت ساعة ثم رفع رأسه إلى السماء ، فنظر فقال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحب للناس ما تحب أن يؤتى إليك ، وما كرهت أن يؤتى إليك فدع الناس منه . وقال بعضهم : السائل في حديث أبي هريرة قد سمي فيما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير وأبو مسلم [ ص: 242 ] الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره عن المغيرة بن عبد الله اليشكري أن أباه حدثه قال : انطلقت إلى الكوفة ، فدخلت المسجد فإذا رجل من قيس يقال له ابن المنتفق ، وهو يقول : وصف لي رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فطلبته فلقيته بعرفات ، فتزاحمت عليه فقيل لي : إليك عنه . فقال : دعوا الرجل ، أرب ماله ؟ قال : فزاحمتهم عليه حتى خلصت إليه فأخذت بخطام راحلته ، فما غير علي ، قال : شيئان أسألك عنهما ; ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة ؟ قال : فنظر إلى السماء ثم أقبل علي بوجهه فقال : لئن كنت أوجزت المقالة لقد أعظمت وطولت ، فاعقل علي : اعبد الله لا تشرك به شيئا ، وأقم الصلاة المكتوبة ، وأد الزكاة المفروضة ، وصم رمضان . وزعم الصريفيني أن اسم ابن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق ، ثم قال : وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب ، انتهى . قلت : قال هذا القائل قبل هذا : لا مانع من تعدد القصة ، ولا يلزم من المشابهة بين سياق الحديثين أن يكون فيهما السائل واحدا .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ) قد مر الكلام فيه في الحديث السابق .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وتصوم رمضان ) ، زاد هذا في هذا الحديث ; لأن الظاهر أنه قد فرض ، ولم يذكر الحج لأنه لم يفرض حينئذ ولا الجهاد لأنه ليس بفرض على الأعراب ، قاله الداودي . قال النووي : واعلم أنه لم يأت في هذا الحج ولا جاء ذكره في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام من رواية أبي هريرة ، وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر في بعضها الصوم ولم يذكر في بعضها الزكاة ، وذكر في بعضها صلة الرحم وفي بعضها أداء الخمس ، ولم يقع في بعضها ذكر الإيمان ، فتفاوتت هذه الأحاديث في عدد خصال الإيمان زيادة ونقصانا وإثباتا وحذفا ، وقد أجاب القاضي عياض وغيره عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فقال : ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو من تفاوت الرواة في الحفظ والضبط ; فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاد غيره بنفي ولا إثبات ، وإن كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من التفاوت أن ذلك ليس بالكل وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه ، ولما ذكر النووي هذا استحسنه ، والأحسن أن يقال : إن رواة هذه الأحاديث متعددة ، وكل ما روى واحد منهم بزيادة على ما رواه غيره أو بنقص لم يكن بتقصير الراوي ، وإنما وقع ذلك بحسب اختلاف الموقع واختلاف الزمان .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لا أزيد على هذا ) ; أي عن الفرائض ، أو اكتفى به عن النوافل ، أو يكون المراد لا أزيد على ما سمعت منك في أدائي لقومي لأنه كان وافدهم . وقال ابن الجوزي : لا أزيد في الفرائض ولا أنقص كما فعل أهل الكتاب .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فلما ولى ) ; أي أدبر .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من سره . . . ) إلى آخره ، الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - علم أنه يوفي بما التزم وأنه يدوم على ذلك ويدخل الجنة ، فإن قيل : المبشرون بالجنة معدودون بالعشرة ، وبهذا يزاد عليهم لأنه - صلى الله عليه وسلم - نص عليه أنه من أهل الجنة ! وأجيب بأن التنصيص على العدد لا ينافي الزيادة ، وقد ورد أيضا في حق كثير مثل ذلك كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحسن والحسين وأزواجه صلى الله عليه وسلم ، وقيل : العشرة بشروا بالجنة دفعة واحدة فلا ينافي المتفرق .

                                                                                                                                                                                  وفيه من الفوائد جواز قول جاء رمضان وذهب رمضان خلافا لمن منع من مثل ذلك لزعمه بأن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، وفيه أن من أتى بالشهادتين وصلى وزكى وصام وحج إن استطاع دخل الجنة ، وفيه سؤال من لا يعلم عمن يعلم عن العمل الذي يكون سببا لدخول الجنة ، وفيه وجوب السؤال عن أمور الدين ، وفيه البشارة والتبشير للمؤمن الذي يؤدي الواجبات بدخول الجنة .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية