الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1207 ص: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال: حدثني أسباط بن محمد ، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن بديل ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة بالتكبير ، ويفتتح القراءة ب الحمد لله رب العالمين، ويختمها بالتسليم".

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح على شرط مسلم .

                                                وبديل - بضم الباء الموحدة - ابن ميسرة العقيلي البصري ، وأبو الجوزاء - بالجيم والزاي المعجمة - أوس بن عبد الله الربعي البصري روى له الجماعة.

                                                [ ص: 598 ] وأخرجه مسلم بأتم منه: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا أبو خالد - يعني الأحمر - عن حسين المعلم .

                                                وثنا إسحاق بن إبراهيم - واللفظ له - قال: أنا عيسى بن يونس ، قال: ثنا حسين المعلم ، عن بديل بن ميسرة ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة قالت: "كان رسول الله -عليه السلام- يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب الحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا، وكان يقول في كل الركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم" وفي رواية ابن نمير عن أبي خالد : "وكان ينهى عن عقب الشيطان" .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد ، ثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن حسين المعلم ، عن بديل بن ميسرة ، عن أبي الجوزاء ، عن عائشة قالت: "كان رسول الله -عليه السلام- يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين..." إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "وكان ينهى عن عقب الشيطان، وعن فرشة السبع..." والباقي نحوه.

                                                وأخرجه ابن ماجه مختصرا.

                                                قوله: ( يفتتح الصلاة بالتكبير ) أي: يشرع فيها بقول: الله أكبر، ويشرع في القراءة بسورة الفاتحة.

                                                قوله: ( ب الحمد لله رب العالمين ) برفع الدال على الحكاية، وهي أن يجيء بالقول بعد نقله على استثناء صورته الأولى، كقولك: دعني من تمرتان. في

                                                [ ص: 599 ] جواب من قال: يكفيك تمرتان، وبدأت ب الحمد لله، وبدأت ب سورة أنزلناها ويقول أهل الحجاز في استعلام من يقول: رأيت زيدا؟ من زيدا.

                                                قوله: ( لم يشخص ) من الإشخاص أي لم يرفع رأسه.

                                                قوله: ( ولم يصوبه ) أي لم يخفضه، من صوب، بالتشديد.

                                                قوله: ( عن عقبة الشيطان ) وهو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء.

                                                وفيه حجة لأبي حنيفة ومالك أن البسملة ليست من الفاتحة ، وحجة لأبي حنيفة أنها لا يجهر بها؛ لأنه صرح أنه -عليه السلام- كان يفتتح الصلاة بالتكبير ثم بفاتحة الكتاب.

                                                وقد ثبت أنه -عليه السلام- كان له سكتتان: سكتة بعد التكبير وكان فيها البسملة ودعاء الاستفتاح.

                                                وفيه إثبات التكبير في أول الصلاة ، وقال النووي : وفيه تعين لفظ التكبير؛ لأنه ثبت أنه -عليه السلام- كان يفعله، وأنه -عليه السلام- قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وهذا الذي ذكرناه من تعيين التكبير هو قول مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف.

                                                قلت: اشتراط التعيين أمر زائد؛ لأن المراد من التكبير التعظيم وبكل لفظ حصل التعظيم يجوز الافتتاح به، ثم إن تكبيرة الافتتاح من أركان الصلاة عندهم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: من شروطها، وثمرة الخلاف تظهر في جواز بناء النفل على تحريمة الفرض، فعندنا يجوز خلافا لهم، وكذا على الخلاف لو بني التطوع بلا تحريمة يصير شارعا في الثاني، وكذا على الخلاف إذا كبر مقارنا لزوال الشمس.

                                                [ ص: 600 ] وقال ابن المنذر : تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير ، قال أبو بكر : ولم يقل به غيره، وقال ابن البطال : وذهب جمهور العلماء إلى وجوب تكبيرة الإحرام ، وذهبت طائفة إلى أنها سنة، روي ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والحكم والزهري والأوزاعي ، وقالوا: إن تكبيرة الركوع تجزئ عن تكبيرة الإحرام، وروي عن مالك في المأموم ما يدل على أنه سنة، ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنها واجبة على كل واحد منها، وأن من نسيها يستأنف الصلاة، وفي "المغني" لابن قدامة : التكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به ، سواء تركه عمدا أو سهوا، قال: وهذا قول ربيعة والثوري ومالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور ، وحكى أبو الحسن الحنفي الكرخي عن ابن علية والأصم كقول الزهري في انعقاد الصلاة بمجرد النية بدون التكبير، وقال عبد العزيز بن إبراهيم بن بزيزة : قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله، وعكس آخرون فقالوا: كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقا، منهم ابن شهاب وابن المسيب وغيرهما، ثم تكبيرة الإحرام مرة واحدة عند جمهور العلماء، وعند الرافضة ثلاث مرات، وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث من حديث أبي أمامة " كان -عليه السلام- إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث تكبيرات".

                                                رواه أبو نعيم الدكيني ، عن شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل، عنه.

                                                وفي "العلل" لابن أبي حاتم قال أبي: هذا حديث كذب لا أصل له.

                                                وفيه دليل على أن السلام سنة، وقال الخطابي : وفي قولها: "كان يفتتح الصلاة بالتكبير، ويختتمها بالتسليم" . دليل على أنهما ركنان من أركان الصلاة، ولا تجزئ إلا بهما.

                                                قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن ما من شيء يدل على الفرضية، وفرضية التكبير في أول الصلاة ليس بهذا الحديث بل بقوله: وربك فكبر ولئن سلمنا ذلك فلا يلزم من كون التكبير فرضا أن يكون التسليم فرضا مثله.

                                                [ ص: 601 ] بدليل حديث الأعرابي: حيث لم يعلمه -عليه السلام- حين علمه الواجبات، غاية ما في الباب يكون إصابة لفظة السلام واجبة، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية