الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1852 1853 1854 1855 1856 1857 1858 ص: فإن قالوا: فقد روي عن غير ابن عباس ما يوافق ما قلنا، وذكروا ما حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا سفيان ، عن الركين بن الربيع ، عن القاسم بن حسان ، قال: " أتيت ابن وديعة فسألته عن صلاة الخوف، فقال: ائت زيد بن ثابت فسله، فأتيته فسألته، فقال: صلى النبي - عليه السلام - صلاة الخوف في بعض أيامه فصف صفا خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال: ثنا سفيان ، ثم ذكر مثله بإسناده، وقال عبد الله بن وديعة: وزاد: " فكانت لرسول الله - عليه السلام - ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة". .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا قبيصة (ح).

                                                وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قالا: ثنا سفيان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن هلال ، عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي قال: " كنا مع سعيد ابن العاص بطبرستان، فقال: أيكم شهد صلاة الخوف مع النبي - عليه السلام -؟ فقام حذيفة فقال: أنا ... " ثم قال مثل ما ذكر زيد سواء.

                                                [ ص: 207 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا عفان ، قال: ثنا عبد الواحد ، قال: ثنا عطية بن الحارث ، قال: حدثني مخمل بن دماث قال: "غزوت مع سعيد بن العاص فسأل الناس: من شهد منكم صلاة الخوف مع النبي - عليه السلام -؟ ... " ثم ذكر مثله.

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا المسعودي ، عن يزيد الفقير ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "كنا مع رسول الله - عليه السلام - مقابل العدو ... " . ثم ذكر مثله.

                                                حدثنا أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز ، قال: حدثني أبو حفص الفلاس ، قال: ثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة: " ، أن النبي - عليه السلام - صلى بأصحابه صلاة الخوف" ، فذكر مثله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فإن قال أولئك القوم المذكورون، هذه معارضة منهم، بيانها أن يقال: إنكم قد ذكرتم ما يعارض ما احتججنا به من حديث ابن عباس وأسقطتم احتجاجنا به، وها نحن قد وجدنا عن غير ابن عباس من الصحابة قد روى عن النبي - عليه السلام - أنه صلى صلاة الخوف ركعة واحدة نحو ما ذهبنا إليه. فذكروا في ذلك أحاديث زيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله وسهل بن أبي حثمة - رضي الله عنهم -، فإنهم رووا عن النبي - عليه السلام - ما يوافق ما قلنا.

                                                أما حديث زيد بن ثابت فأخرجه من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن قبيصة بن عقبة ، عن سفيان الثوري ، عن الركين -بضم الراء- بن الربيع -بفتح الراء- بن عميلة -بضم العين- الفزاري أبي الربيع الكوفي، روى له الجماعة، البخاري في كتاب "الأدب".

                                                عن القاسم بن حسان العامري، وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود والنسائي .

                                                عن عبد الله بن وديعة بن جذام الأنصاري المدني روى له البخاري وابن ماجه .

                                                [ ص: 208 ] وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث سفيان ، عن الركين ، عن القاسم بن حسان قال: "أتيت فلان بن وديعة، فسألته عن صلاة الخوف فقال: ائت زيد بن ثابت ... " إلى آخره نحوه.

                                                ثم قال البيهقي: أراد بقوله: "ذهب هؤلاء وجاء أولئك" في تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم.

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان ... إلى آخره. وزاد عبد الله بن وديعة في هذه الرواية: "فكانت" أي الصلاة "لرسول الله - عليه السلام - ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة".

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير : ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري ، عن القاسم بن حسان ، عن زيد بن ثابت قال: "سألته عن صلاة الخوف فقال: قام رسول الله - عليه السلام - فصلى بهم، فقام صف خلفه، وصف موازي العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء فصلى بهم ركعة ثم انصرف".

                                                وأما حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن علي بن شيبة ، عن قبيصة بن عقبة ، عن سفيان الثوري ، عن أشعث بن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي الكوفي ، عن الأسود بن هلال المحاربي أبي سلام الكوفي ، عن ثعلبة بن زهدم التميمي الحنظلي الصحابي ... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي : أنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: حدثني أشعث بن سليم ، عن الأسود بن هلال ، عن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع

                                                [ ص: 209 ] سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله - عليه السلام - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا".


                                                وأخرج أيضا : عن إسحاق بن إبراهيم ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن الأشعث بن أبي الشعثاء ... إلى آخره.

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان الثوري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد، نا يحيى ، عن سفيان، حدثني الأشعث بن سليم ، عن الأسود بن هلال ، عن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله - عليه السلام - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان بن مسلم الصفار شيخ البخاري وأحمد ، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري ، عن عطية بن الحارث الهمداني الكوفي ، عن مخمل -بضم الميم وسكون الخاء المعجمة- بن دماث -بفتح الدال المهملة وتخفيف الميم وفي آخره ثاء مثلثة- الكوفي وثقه ابن حبان، قال: "غزوت مع سعيد بن العاص ... " إلى آخره.

                                                وهو سعيد بن العاص بن أحيحة القرشي الأموي أبو عبد الرحمن المدني، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان بن عفان - رضي الله عنه -، استعمله عثمان على الكوفة، وغزا طبرستان فافتتحها -وهي بفتح الطاء والباء الموحدة والراء وسكون السين المهملة وبالتاء المثناة من فوق وبعد الألف نون- وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار

                                                [ ص: 210 ] والغالب عليها الجبال وأبنيتها بالخشب والقصب، وهي بلاد كثيرة الأمطار، ويرتفع منها أبرسم يعم الآفاق، وغالب خبزهم الأرز، وهي شرقي كبلان; وإنما سميت بذلك لأن طبر بالفارسية الفأس، وأستان الناحية، ومن كثرة اشتباك أشجارها لا يسلك فيها الجيش إلا بعد أن تقطع الأشجار من بين أيديهم بالطبر، فسميت لذلك طبرستان أي: ناحية الطبر، ومن بلادها: رويان خرج منها جماعة من أهل العلم، وناتل، والأرجان، وويمه، وآمل وهي أكبر مدينة بطبرستان ومنها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، وما مطير خرج منها جماعة من أهل العلم.

                                                وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه بإسناد صحيح عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، عن يزيد بن صهيب الفقير أبي عثمان الكوفي روى له الجماعة غير الترمذي .

                                                وأخرجه النسائي : أنا أحمد بن المقدام، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، قال: أنبأني يزيد الفقير، أنه سمع جابر بن عبد الله قال: "كنا مع رسول الله - عليه السلام - فأقيمت الصلاة، فقام رسول الله - عليه السلام - وقامت خلفه طائفة، وطائفة مواجهة العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجد بهم سجدتين، ثم إنهم انطلقوا فقاموا مقام أولئك الذين كانوا في وجه العدو، وجاءت تلك الطائفة فصلى رسول الله - عليه السلام - ركعة وسجدتين، ثم إن رسول الله - عليه السلام - سلم، فسلم الذين خلفه وسلم أولئك".

                                                وله رواية أخرى : عن يزيد الفقير ، عن جابر نحوه، وفي آخره: "فكانت للنبي - عليه السلام - ركعتان ولهم ركعة".

                                                [ ص: 211 ] وأخرجه البخاري ومسلم مطولا ومختصرا بوجوه متعددة.

                                                وأما حديث سهل بن أبي حثمة فأخرجه أيضا بإسناد صحيح عن أبي حازم عبد الحميد بن عبد العزيز البصري أحد الأئمة الحنفية الكبار، قال ابن الجوزي: ولي القضاء بالشام والكوفة وبغداد، وكان عالما ورعا ثقة قدوة في العلوم غزير الفضل والدين، ذكره صاحب "الهداية" في كتاب الرهن.

                                                وهو يروي [عن] أبي حفص الفلاس الحافظ واسمه عمرو بن علي، وهو باسمه أشهر منه بكنيته، وهو شيخ الجماعة، يروي عن يحيى بن سعيد القطان ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - روى له الجماعة، عن أبيه القاسم بن محمد روى له الجماعة، عن صالح بن خوات -بالخاء المعجمة وبتشديد الواو وفي آخره تاء مثناة من فوق- بن جبير الأنصاري المدني، روى له الجماعة حديث صلاة الخوف.

                                                عن سهل بن أبي حثمة عبد الله الأنصاري الصحابي - رضي الله عنه -.

                                                والحديث أخرجه الجماعة:

                                                فقال البخاري : ثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة قال: "يقوم الإمام مستقبل القبلة وطائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو ووجوههم إلى العدو، فيصلي بالذين معه ركعة ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثم يذهب هؤلاء إلى مقام أولئك، فيجيء أولئك فيركع بهم ركعة فله ثنتان، ثم يركعون ويسجدون سجدتين".

                                                [ ص: 212 ] ثنا مسدد، ثنا يحيى ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                وقال مسلم : ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن صالح بن خوات بن جبير ، عن سهل بن أبي حثمة: "أن رسول الله - عليه السلام - صلى بأصحابه في الخوف، فصفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونهم ركعة، ثم قام، فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم".

                                                وقال أبو داود : ثنا القعنبي ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات، أن سهل بن أبي حثمة الأنصاري حدثه: "أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام وطائفة من أصحابه، وطائفة مواجهة العدو، فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه، ثم يقوم، فإذا استوى قائما ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية، ثم سلموا وانصرفوا -والإمام قائم- فكانوا وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبروا وراء الإمام، فيركع بهم، ويسجد بهم، ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون".

                                                وقال الترمذي : ثنا محمد بن بشار، قال: نا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثني يحيى بن سعيد ، عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة: "أنه كان يقول في صلاة الخوف: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو ووجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة ويركعون لأنفسهم ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم، ثم يذهبون إلى مقام أولئك،

                                                [ ص: 213 ] فيركع بهم ركعة ويسجد بهم سجدتين، فهي له ثنتان ولهم واحدة ثم يركعون ركعة، ويسجدون سجدتين".

                                                قال محمد بن بشار: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فحدثني عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - عليه السلام - بمثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري .

                                                وقال النسائي : أنا عمرو بن علي، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة: "أن رسول الله - عليه السلام - صلى بهم صلاة الخوف، فصف صفا خلفه وصفا مصافو العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة".

                                                وقال ابن ماجه : ثنا محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة: "أنه قال في صلاة الخوف قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة من قبل العدو ووجوههم إلى الصف، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم ثم يذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك فيركع بهم ركعة ويسجد بهم سجدتين، فهي له ركعتان ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين".

                                                قال محمد بن بشار: سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث، فحدثني عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة ، عن النبي - عليه السلام - بمثل حديث يحيى بن سعيد .




                                                الخدمات العلمية