الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1873 1874 - حد ص: وقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك كله كما حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، قال: ثنا حيوة وابن لهيعة ، قالا: ثنا

                                                [ ص: 238 ] أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن الأسدي ، أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن مروان بن الحكم، أنه سأل أبا هريرة: " هل صليت مع رسول الله - عليه السلام - صلاة الخوف؟ قال: نعم. قال مروان: : متى؟ قال أبو هريرة: عام غزوة نجد، قام رسول الله - عليه السلام - لصلاة العصر، وقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابلو العدو، وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله - عليه السلام - وكبروا جميعا الذين معه والذين مقابلو العدو، ثم ركع رسول الله - عليه السلام - ركعة واحدة، وركعت معه الطائفة التي تليه، ثم سجد، وسجدت معه الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابلو العدو، ثم قام رسول الله - عليه السلام -، وقامت الطائفة الذين معه، فذهبوا إلى العدو، فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا، وسجدوا، ورسول الله - عليه السلام - قائم كما هو، ثم قاموا، فركع رسول الله - عليه السلام - ركعة أخرى، وركعوا معه، ثم سجد، وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقابلي العدو، فركعوا وسجدوا، ورسول الله - عليه السلام - قاعد ومن معه، فسلم رسول الله - عليه السلام - وسلموا جميعا، فكانت لرسول الله - عليه السلام - ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان".

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال: ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، حدثه، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي هريرة قال: " صلى رسول الله - عليه السلام - صلاة الخوف فصلى الناس صدعين، فصلت طائفة خلف النبي - عليه السلام -، وطائفة وجاه العدو، فصلى النبي - عليه السلام - بمن خلفه ركعة، وسجد بهم سجدتين، ثم قام وقاموا معه، فلما استووا قياما، ورجع الذين خلفه وراءهم القهقرى، فقام وراء الذين بإزاء العدو، وجاء الآخرون، فقاموا خلف النبي - عليه السلام -، فصلوا لأنفسهم ركعة والنبي - عليه السلام - قائم، ثم قاموا، فصلى النبي - عليه السلام - بهم ركعة أخرى، فكانت لهم ولرسول الله - عليه السلام - ركعتان، . وجاء الذين بإزاء العدو فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين، ثم جلسوا خلف النبي - عليه السلام -، فسلم بهم جميعا".

                                                [ ص: 239 ] ففي هذا الحديث تحول الإمام إلى العدو بالطائفة التي صلت معه الركعة، وليس ذلك في شيء من الآثار غير هذا الحديث، وفي كتاب الله -عز وجل- ما يدل على دفع ذلك; لأن الله -عز وجل- قال: فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ففي هذه الآية معنيان موجبان لدفع هذا الحديث.

                                                أحدهما قوله: لم يصلوا فليصلوا معك فهذا يدل على أن دخولهم في الصلاة إنما هو في حين مجيئهم لا قبل ذلك.

                                                والثاني قوله: فلتقم طائفة منهم معك ثم قال: ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وذكر الإتيان للطائفتين إلى الإمام، وقد وافق ذلك من فعل النبي - عليه السلام - الآثار المتواترة التي بدأنا بذكرها، فهي أولى من هذا الحديث.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي عن أبي هريرة في كيفية صلاة الخوف خلاف ما روي عن غيره في هذا الباب; لأنه ذكر فيه تحول الإمام إلى العدو بالطائفة التي صلت معه الركعة حيث قال: "ثم قام رسول الله - عليه السلام - وقامت الطائفة الذين معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوهم"، فهذا خلاف ما ذكر في أحاديث غيره كلها، وقوله تعالى: فلتقم طائفة منهم معك الآية، يدفع هذا الحديث من وجهين، وهو معنى قوله: "ففي هذه الآية معنيان موجبان لدفع هذا الحديث ... " إلى آخره، وهو ظاهر غني عن مزيد البيان.

                                                ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن أبي عبد الرحمن المقرئ -واسمه عبد الله بن يزيد القصير روى له الجماعة- عن حيوة بن شريح بن صفوان أبي زرعة المصري الزاهد العابد روى له الجماعة، وعن عبد الله بن لهيعة المصري -فيه مقال، ذكر ها هنا متابعا- كلاهما يرويان عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن [ ص: 240 ] نوفل بن الأسود القرشي الأسدي المدني روى له الجماعة، عن عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي أبي عبد الله المدني، روى له الجماعة، عن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي روى له الجماعة سوى مسلم .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا الحسن بن علي، نا أبو عبد الرحمن المقرئ، نا حيوة وابن لهيعة، قالا: نا أبو الأسود ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في لفظه: "ولكل واحد من الطائفتين ركعة ركعة".

                                                وأخرجه النسائي أيضا : عن عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم ، عن عبد الله بن يزيد المقرئ، وعن محمد بن عبد الله بن يزيد ، عن أبيه، عن حيوة، كلاهما عن أبي الأسود، أنه سمع عروة بن الزبير ... إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء.

                                                قوله: "قال مروان: متى؟ " أي: متى صليت مع رسول الله - عليه السلام -؟

                                                قوله: "عام غزوة نجد" هي غزوة ذات الرقاع; لأن ذات الرقاع من النجد، فهذا يقتضي أن تكون غزوة نجد بعد الخندق، وكذا ذهب البخاري إلى أنها كانت بعد خيبر، واستدل على ذلك بأن أبا موسى الأشعري شهدها، وقدومه إنما كان ليالي خيبر صحبة جعفر وأصحابه - رضي الله عنهم -، ومما يدل على أنها كانت بعد الخندق أن ابن عمر - رضي الله عنهما - إنما أجازه رسول الله - عليه السلام - في القتال أول ما أجازه يوم الخندق، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: "غزوت مع رسول الله - عليه السلام - قبل نجد" فذكر صلاة الخوف، وقد ذكر ابن هشام حديث صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع، ولكن لم يذكر غزوة نجد ولا ذات الرقاع، ولم يتعرض لزمان ولا لمكان.

                                                قلت: أسلم أبو هريرة عام خيبر وكانت خيبر سنة سبع في المحرم، فدل ذلك على أن غزوة نجد كانت في سنة سبع، والله أعلم.

                                                [ ص: 241 ] قوله: "مقابلو العدو" أصله: مقابلون فسقطت النون للإضافة، وفي بعض الرواية "مقابل العدو" بنصب اللام، ومعناه بحذائهم.

                                                قوله: "والآخرون قيام" أي قائمون.

                                                قوله: "تقابلهم" بالباء الموحدة من المقابلة وهي المواجهة.

                                                الطريق الثاني: عن إبراهيم ابن أبي داود البرلسي ، عن محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي شيخ البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجه ، عن يونس بن بكير بن واصل الكوفي الجمال روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، عن محمد بن إسحاق المدني استشهد به البخاري وروى له مسلم في المتابعات واحتج به الأربعة، عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام روى له الجماعة، عن عروة بن الزبير بن العوام روى له الجماعة.

                                                وأخرجه البيهقي : من حديث ابن إسحاق، نا محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي هريرة قال: "صلى رسول الله - عليه السلام - بالناس صلاة الخوف، فصدع الناس صدعين، فقامت طائفة خلفه وطائفة تجاه العدو ... " إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في روايته ذكر "الرسول" موضع "النبي - عليه السلام -" في جميع المواضع.

                                                قوله: "فصدع الناس" أي: فرق الناس نصفين، وأصله من صدعت الرداء صدعا إذا شققته، والاسم الصدع بكسر الصاد، والصدع في الزجاجة بالفتح، وأراد به ها هنا: جعلهم فرقتين.

                                                قوله: "قياما" جمع قائم، ونصبه على الحال من الضمير الذي في "استووا".

                                                قوله: "القهقرى" وهو الرجوع إلى وراء، وانتصابه من قبيل قولهم: قعدت جلوسا، وفي مشيهم هكذا لا يكون استدبار القبلة.




                                                الخدمات العلمية