الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1888 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: إن كان هذا الراكب يقاتل فلا يصل، وإن كان راكبا لا يقاتل ولا يمكنه النزول صلى.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا وزفر ومالكا وأحمد; فإنهم قالوا: إن كان الراكب في الحرب يقاتل لا يصلي، وإن كان راكبا لا يقاتل ولا يمكنه النزول صلى، وعند الشافعي يجوز له أن يقاتل وهو في الصلاة من غير تتابع الضربات والطعنات.

                                                [ ص: 274 ] وتحقيق مذاهب العلماء فيه ما ذكره أبو عمر: أما مراعاة القبلة للخائف في الصلاة فساقطة عنه عند أهل المدينة والشافعي إذا اشتد خوفه، كما يسقط عنه النزول إلى الأرض لقوله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "مستقبل القبلة وغير مستقبلها" وهذا لا يجوز لمصلي الفرض في غير الخوف، وأما قول ابن عمر: "فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها" فإليه ذهب مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة غيرهم.

                                                قال مالك والشافعي: يصلي المسافر والخائف على قدر طاقته مستقبل القبلة ومستدبرها وبذلك قال أهل الظاهر.

                                                وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه: لا يصلي الخائف إلا إلى القبلة، ولا يصلي أحد في حال المسايفة.

                                                وقول الثوري نحو قول مالك، ومن قول مالك والثوري: أنه إن لم يقدر على الركوع والسجود فإنه يصلي قائما ويومئ بجعل السجود أخفض من الركوع حيث كان وجهه، وذلك عند السلة، والسلة: المسايفة.

                                                قال النووي: وقال الشافعي: لا بأس أن يضرب الضربة أو يطعن الطعنة في الصلاة وإن تابع الضرب أو الطعن أو عمل عملا بطلت صلاته، وقال الشافعي: لا يجوز لأحد أن يصلي صلاة الخوف إلا بأن يعاني عدوا قريبا غير مأمون أن يحمل عليه من موضع يراه، أو يأتيه من يصدقه بمثل ذلك من قرب العدو منه ومسيرهم جادين إليه، فإن لم يكن واحد من هذين المعنيين فلا يجوز له أن يصلي صلاة الخوف، فإن صلوا بالخبر صلاة الخوف ثم ذهب لم يعيدوا. وقال أبو حنيفة: يعيدون.

                                                وقال الشافعي: الخوف الذي تجوز فيه الصلاة رجالا وركبانا إظلال العدو عليهم، فيتراءون معا والمسلمون في غير حصن حتى ينالهم السلاح من الرمي إذا كثر من أن يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب.

                                                [ ص: 275 ] واختلفوا في بناء الصلاة إذا أمن، فقال مالك: إن صلى آمنا ركعة ثم خاف ركب وبنى، وكذلك إن صلى ركعة راكبا وهو خائف ثم أمن نزل وبنى، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال المزني .

                                                وقال أبو حنيفة: إذا افتتح الصلاة آمنا ثم خاف استقبل ولم يبن، وإن صلى خائفا ثم أمن بنى.

                                                وقال الشافعي: يبني النازل ولا يبني الراكب. وقال أبو يوسف: لا يبني في شيء من هذا كله، انتهى.

                                                وقال أبو بكر الرازي: قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر: لا يصلي في حال القتال، فإن قاتل في الصلاة فسدت صلاته.

                                                وقال مالك والليث والثوري: يصلي إيماء إذا لم يقدر على الركوع والسجود.

                                                وقال الحسن بن صالح: إذا لم يقدر على الركوع من القتال كبر بدل كل ركعة.




                                                الخدمات العلمية