الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      معنى قوله : ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أي : بمن لم يعبد العجل ، و (لا ) زائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      والقول في قوله : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي حسب ما تقدم في (الأعراف ) [150 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي يعني : لو لحق به بمن اتبعه ، فيقع لذلك الاختلاف ، ويؤدي إلى سفك الدماء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال فما خطبك يا سامري أي : ما شأنك ؟ قال بصرت بما لم يبصروا به : قيل : رأى فرس جبريل عليه السلام ، فقبض قبضة من تراب من تحت حافره ، ويقال : إن أم السامري جعلته حين وضعته في غار ؛ خوفا من أن يقتله فرعون ، فجاءه جبريل عليه السلام ، فجعل كف السامري في فم السامري ، فرضع العسل واللبن ، واختلف إليه ، فعرفه من حينئذ ، وقد تقدم خبره في (البقرة ) [51 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس أي : أن لك أن تقول طول حياتك : لا أمس ، ولا أمس ، وأمر موسى بني إسرائيل ألا يخالطوه ، ولا يكلموه ، وذلك- فيما ذكر- في نسله إلى اليوم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 345 ] وقوله : وإن لك موعدا لن تخلفه يعني : يوم القيامة ، ومن قرأ : {لن تخلفه} ؛ فالمعنى : لا بد أن تأتيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا : قال ابن عباس : حرقه بالنار ، ثم ذراه في البحر ، ومعنى {لننسفنه} : لنطيرنه .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {لنحرقنه} ؛ فالمعنى : لنبردنه بالمبرد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وسع كل شيء علما أي : علم كل شيء ، قتادة : المعنى : ملأ علمه كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يحمل يوم القيامة وزرا} خالدين فيه أي : في جزائه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وساء لهم يوم القيامة حملا أي : وساء الوزر لهم يوم القيامة حملا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا : قيل : عميا ، وقيل : زرق العيون من العطش .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : في يوم القيامة أحوال ؛ ففي حال يكونون عميا ، وفي حال يكونون زرقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : يقومون من قبورهم يبصرون ، ثم يعمون في المحشر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : لا يبصرون شيئا إلا جهنم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى قوله : {زرقا} : زرق الألوان ؛ لأنهم يبعثون متغيرين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 346 ] يتخافتون بينهم أي يتسارون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما يعني : لبثتم في الدنيا ، عن قتادة ؛ فالتقدير : إلا مثل يوم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنهم من شدة هول المطلع نسوا ما كانوا فيه من نعيم الدنيا ، حتى رأوه كيوم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل :أرادوا بذلك : لبثهم في القبور في الفترة حين انقطاع العذاب عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : أرادوا : ما بين النفختين ؛ وهو أربعون سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى أمثلهم طريقة : أعدلهم عند نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا أي : يزيلها ، وقيل : يجعلها بمنزلة الرمل ، ثم يطيرها بالرياح ، وقيل : يصيرها كالهباء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فيذرها قاعا صفصفا : قال ابن عباس وغيره : هو الذي لا نبات فيه ، وقيل : (القاع ) : مجتمع الماء ، وجمعه : (أقواع ) ، [ و (الصفصف ) : المستوي من الأرض ] ، وقيل : إن (الصفصف ) المكان المستوي كأنه على صف واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 347 ] وقوله : لا ترى فيها عوجا ولا أمتا : [قال ابن عباس : {عوجا} : ميلا ، قال : و (الأمت ) : الأثر مثل الشراك ، وعنه أيضا : {عوجا} : واديا ، ولا أمتا : أي : رابية .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : {عوجا} : أي : صدوعا ، ولا أمتا أي : أكمة .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الأمت ) في اللغة : المكان المرتفع ، وقيل : هو أن يكون في الموضع علو وهبوط .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يتبعون الداعي لا عوج له} أي : لا معدل عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا : قال ابن عباس : {وخشعت} : سكنت ، قال : و (الهمس ) : الحس الخفي .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن ، وابن جبير : هو صوت وقع الأقدام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن أي : إلا شفاعة من أذن له الرحمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم : [أي : يعلم ما بين أيديهم ] من أمر الساعة ، وما خلفهم من أمر الدنيا ، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : ما بين أيدي هؤلاء الذين يتبعون الداعي مما يصيرون إليه من الثواب والعقاب ، {وما خلفهم : ما خلفوه وراءهم في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يحيطون به علما : (الهاء ) لله عز وجل ، وقيل : إنها تعود على {ما} في قوله : ما بين أيديهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 348 ] الطبري : الضمير في {أيديهم} ، {خلفهم} ، و {يحيطون} : يعود على الملائكة ، أعلم الله تعالى من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها ، ولا ما خلفها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وعنت الوجوه للحي القيوم أي : ذلت ، عن ابن عباس وغيره ، ومنه : (العاني ) : الأسير ، مجاهد : خشعت .

                                                                                                                                                                                                                                      طلق بن حبيب : هو وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد خاب من حمل ظلما أي : شركا ، عن قتادة وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فلا يخاف ظلما ولا هضما أي : لا يخاف ظلما بالزيادة في سيئاته ، ولا هضما بالنقصان من حسناته ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد : لا يخاف ظلما بألا يجزى بعمله ، ولا هضما بأن ينقص من حقه .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الهضم ) في اللغة : النقصان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أو يحدث لهم ذكرا أي : أو يحدث لهم القرآن ذكرا ينتفعون به ، وقيل : المعنى : يحدث لهم شرفا .

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج : المعنى : أو يحدث لهم الوعيد ذكر العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه أي : لا تتله قبل أن تتبينه ، عن ابن عباس ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 349 ] وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعجل بالقرآن من قبل أن يفرغ جبريل عليه السلام مما يأتيه به ؛ مخافة النسيان ، فنزلت الآية ، ومثله : لا تحرك به لسانك لتعجل به [القيامة : 16 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن زوجي لطم وجهي ، فقال : "بينكما القصاص " ، فنزلت الآية : ثم نزل : الرجال قوامون على النساء الآية [النساء : 34 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي أي : فترك ، عن ابن عباس ؛ أي : ترك ما أمر به .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد ، وابن زيد : عهدنا إليه ، فقلنا له : إن الشيطان عدو لك ولزوجك ، فنسي .

                                                                                                                                                                                                                                      ولم نجد له عزما أي : صبرا ، عن قتادة ، وقيل : عزما على ترك المعصية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى أي : لا تعطش ، ولا يصيبك حر الشمس ، عن ابن عباس وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وعصى آدم ربه فغوى أي : خاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} : قال ابن عباس : ضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل به ألا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، وتلا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 350 ] وقوله : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا : روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد به : عذاب القبر ، وقاله ابن مسعود وغيره من الصحابة .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن ، وقتادة ، وابن زيد : يعني : الضريع والزقوم .

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة ، والضحاك : الحرام في الدنيا المؤدي إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : معيشة ضيقة ، وهو أصل (الضنك ) في اللغة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ونحشره يوم القيامة أعمى : قيل : يراد به : عمى البصر ، على ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معناه : لا يهتدي لأمر ينتفع به ؛ كما لا يهتدي الأعمى إلى جهات منافع الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : أعمى عن حجته .

                                                                                                                                                                                                                                      نفطويه : كل عمى مذموم في القرآن إنما يراد به عمى القلب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال رب لم حشرتني أعمى أي : عن حجتي ، وقد كنت بصيرا أي : عالما بها في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها أي : تركت العمل بها ، وكذلك اليوم تنسى أي : تترك في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في معنى أفلم يهد لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 351 ] وقوله : يمشون في مساكنهم أي : يمرون بالمواضع التي كانوا يسكنونها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى : قال قتادة : فيه تقديم وتأخير ؛ والمعنى : ولولا كلمة سبقت من ربك ، وأجل مسمى ؛ لكان العذاب لزاما .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الأجل ) : ما سبق في علم الله عز وجل من تأخير عذاب هذه الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : (الأجل المسمى ) : الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : لكان لزاما أي : موتا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها : قال قتادة : أي : صل قبل طلوع الشمس : الفجر ، وقبل غروبها : العصر ، ومن آناء الليل : المغرب والعشاء ، وأطراف النهار : الظهر .

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك : آناء الليل : الليل كله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنما قال : وأطراف النهار ؛ لأن له أربعة أطراف : وقوف الشمس للزوال ، والزوال ، وطلوع الشمس ، وغروبها ، فصلاة الظهر في آخر طرف النهار الأول وأول طرفه الثاني ، وقوله : ومن آناء الليل : المغرب والعشاء ، و قبل طلوع الشمس : الصبح : و وقبل غروبها : العصر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : إنما جمع أطراف النهار- وهو تثنية- كما قال : صغت قلوبكما [التحريم : 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي : أشكالا ، مأخوذ من [ ص: 352 ] المزاوجة في الأشياء ؛ وهي المشاكلة ، فهم أشكال في الباطل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : زهرة الحياة الدنيا أي : زينتها ، عن قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لنفتنهم فيه أي : لنختبرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو رافع : نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من يهودي طعاما ، فأبى أن يسلفه إلا برهن ؛ فحزن لذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأمر أهلك بالصلاة أي : بالدوام عليها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدة ؛ أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : معنى وأمر أهلك أي : أهل دينك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى يعني : التوراة والإنجيل ، عن مجاهد ، وقيل : يعني : أخبار من تقدم ممن لم يؤمن بالآيات ؛ والمعنى : ما يؤمنهم من العذاب إن جاءتهم آية فلم يؤمنوا بها ؟ [ ص: 353 ] وقوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله أي : من قبل القرآن ، وقيل : من قبل النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى أي : من أصحاب الصراط المستقيم والهدى ؟ والمعنى : فستعلمون أنحن أصحاب الدين المستقيم أم أنتم ؟

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية