الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فصل ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها )

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهو ذكرنا في " دلائل النبوة " الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها . فقال جماعة من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل فيما ذكره ابن الجوزي وغيره : إن عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى . وقال آخرون : هو من جملة من جدد الله به أمر الدين على رأس المائة الأولى ، وإن كان هو أولى من دخل في ذلك وأحق ; لإمامته ، وعموم ولايته ، واجتهاده وقيامه في تنفيذ الحق ، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة عمر بن الخطاب وكان كثيرا ما يتشبه به . وقد جمع الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي سيرة العمرين ; عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز ، وقد أفردنا سيرة عمر بن الخطاب في مجلد على حدة ، ومسنده في مجلد ضخم ، وأما سيرة عمر بن عبد العزيز [ ص: 710 ] فقد ذكرنا منها طرفا صالحا هنا ، يستدل به على ما لم نذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان عمر رحمه الله يعطي من انقطع إلى المسجد الجامع ، من بلده وغيرها ، للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن ، في كل عام من بيت المال مائة دينار ، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا الناس بالسنة ، ويقول : إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله . وكتب إلى سائر البلاد أن لا يركب ذمي من اليهود والنصارى وغيرهم على سرج ، ولا يلبس قباء ولا طيلسانا ولا السراويل ولا يمشين أحد منهم إلا بزنار من جلد ، وهو مقرون الناصية ، ومن وجد منهم في منزله سلاح أخذ منه ، وكتب أيضا أن لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن ، فإن لم يكن عندهم خير فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير . وكان يكتب إلى عماله : اجتنبوا الأشغال عند حضور الصلوات ، فإن من أضاعها فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا . وقد كان يكتب الموعظة إلى العامل من عماله فينخلع بها قلبه ، وربما عزل بعضهم نفسه عن العمالة من شدة ما تقع موعظته منه ، وذلك أن الموعظة إذا خرجت من قلب الواعظ دخلت قلب الموعوظ . وقد صرح كثير من الأئمة بأن كل من استعمله عمر بن عبد العزيز ثقة ، وقد كتب إليه الحسن البصري بمواعظ حسان ولو تقصينا ذلك لطال هذا الفصل ، ولكن قد ذكرنا ما فيه إشارة إلى ذلك . وكتب إلى بعض [ ص: 711 ] عماله : أما بعد ، فإني أذكرك ليلة تمخض بالساعة فصباحها القيامة ، فيا لها من ليلة ويا له من صباح ، وكان يوما على الكافرين عسيرا . وكتب إلى آخر : أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد بك ، وانقطاع الرجاء منك . قالوا : فخلع هذا العامل نفسه من العمالة ، وقدم على عمر ، فقال له : ما لك ؟ فقال : خلعت قلبي بكتابك يا أمير المؤمنين ، والله لا أعود إلى ولاية أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية