الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي في هذه السنة من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خالد بن عبد الله بن يزيد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري ، أبو الهيثم البجلي القسري الدمشقي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أمير مكة والحجاز للوليد بن عبد الملك ثم لأخيه سليمان ، وأمير العراقين لأخيهما هشام خمس عشرة سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عساكر : كانت داره بدمشق في مربعة القز وتعرف اليوم بدار الشريف الزيدي وإليه ينسب الحمام الذي داخل باب توماء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 195 ] روى عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا أسد ، أتحب الجنة؟ " قال : نعم . قال : " فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك " رواه أبو يعلى ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن هشيم ، عن سيار أبي الحكم أنه سمعه على المنبر يقول ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن روى عنه إسماعيل بن أوسط ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وحبيب بن أبي حبيب ، وحميد الطويل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروي عنه أنه روى عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكفير المرض الذنوب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت أمه نصرانية ، وذكره أبو بكر بن عياش في الأشراف ، ممن أمه نصرانية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال المدائني : أول ما عرف من رياسته أنه أوطأ صبيا بدمشق بفرسه ، فحمله فأشهد طائفة من الناس أنه هو صاحبه ، فإن مات فعليه ديته . وقد استنابه الوليد على الحجاز سنة تسع وثمانين إلى أن توفي ، ثم استنابه سليمان عليها ، وفي سنة ست ومائة استنابه هشام على العراق إلى سنة عشرين ومائة ، ثم [ ص: 196 ] سلمه إلى يوسف بن عمر الذي ولاه مكانه ، فعاقبه وأخذ منه أموالا جزيلة ثم أطلقه ، فأقام بدمشق إلى المحرم من هذه السنة ، فسلمه الوليد إلى يوسف بن عمر ليستخلص منه خمسين ألف ألف ، فمات تحت العقوبة البليغة ; كسر قدميه ، ثم ساقيه ، ثم فخذيه ، ثم صدره ، فمات ولم يتكلم كلمة واحدة ، ولا تأوه حتى خرجت روحه ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال العتبي عن أبيه : خطب خالد القسري يوما ، فارتج عليه ، فقال : أيها الناس ، إن هذا الكلام يجيء أحيانا ، ويعزب أحيانا ، فيتسبب عند مجيئه سببه ، ويتعذر عند عزوبه مطلبه ، وقد يرد إلى السليط بيانه ، وينيب إلى الحصر كلامه ، وسيعود إلينا ما تحبون ، ونعود لكم كما تريدون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأصمعي وغيره : خطب خالد القسري يوما بواسط فقال : يا أيها الناس ، تنافسوا في المكارم ، وسارعوا إلى المغانم ، واشتروا الحمد بالجود ، ولا تكتسبوا بالمطل ذما ، ولا تعتدوا بمعروف لم تعجلوه ، ومهما يكن لأحد منكم نعمة عند أحد لم يبلغ شكرها ، فالله أحسن له جزاء ، وأجزل عطاء ، واعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم فلا تملوها فتحول نقما ، فإن أفضل المال ما أكسب أجرا وأورث ذكرا ، ولو رأيتم المعروف لرأيتموه رجلا حسنا جميلا يسر الناظرين ، ويفوق العالمين ، ولو رأيتم البخل لرأيتموه رجلا مشوها قبيحا تنفر منه القلوب ، وتغض دونه الأبصار ، إنه من جاد ساد ، ومن بخل ذل ، وأكرم الناس من أعطى من لا يرجوه ، ومن عفا عن قدرة ، وأوصل الناس من وصل من قطعه ، [ ص: 197 ] ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته ، والفروع عند مغارسها تنمو ، وبأصولها تسمو .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الأصمعي ، عن عمر بن الهيثم ، أن أعرابيا قدم على خالد فأنشده قصيدة امتدحه بها يقول فيها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إليك ابن كرز الخير أقبلت راغبا لتجبر مني ما وهى وتبددا     إلى الماجد البهلول ذي الحلم والندى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأكرم خلق الله فرعا ومحتدا     إذا ما أناس قصروا بفعالهم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نهضت فلم تلفى هنالك مقعدا     فيالك بحرا يغمر الناس موجه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا يسأل المعروف جاش وأزبدا     بلوت ابن عبد الله في كل موطن
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فألفيت خير الناس نفسا وأمجدا     فلو كان في الدنيا من الناس خالد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لجود بمعروف لكنت مخلدا     فلا تحرمني منك ما قد رجوته
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيصبح وجهي كالح اللون أربدا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فحفظها خالد فلما اجتمع الناس عند خالد قام الأعرابي ينشدها ، فابتدره إليها خالد فأنشدها قبله ، وقال : أيها الشيخ ، إن هذا شعر قد سبقناك إليه . فنهض الشيخ ، فولى ذاهبا ، فأتبعه خالد من يسمع ما يقول ، فإذا هو ينشد هذه الأبيات :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا في سبيل الله ما كنت أرتجي     لديه وما لاقيت من نكد الجهد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دخلت على بحر يجود بماله     ويعطي كثير المال في طلب الحمد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فخالفني الجد المشوم لشقوتي     وقاربني نحسي وفارقني سعدي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلو كان لي رزق لديه لنلته     ولكنه أمر من الواحد الفرد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فرده إلى خالد وأعلمه بما كان يقول ، فأمر له بعشرة آلاف درهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 198 ] وقال الأصمعي : سأل أعرابي خالدا القسري أن يملأ له جرابه دقيقا ، فأمر بملئه له دراهم ، فقيل للأعرابي حين خرج من عنده : ما فعل معك ؟ فقال : سألته ما أشتهي ، فأمر لي بما يشتهي هو .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم : بينما خالد يسير في موكبه إذ تلقاه أعرابي ، فسأله أن يضرب عنقه ، فقال : ويحك ! ولم ؟ أقطعت السبيل ؟ أأخرجت يدا من طاعة ؟ فكل ذلك يقول : لا . قال : فلم ؟ قال : من الفقر والحاجة . فقال : سل حاجتك . فقال : ثلاثين ألفا . فقال خالد : ما ربح أحد مثل ما ربحت اليوم ; إني وضعت في نفسي أن يسألني مائة ألف ، فسأل ثلاثين ، فربحت سبعين ألفا ، ارجعوا بنا اليوم . وأمر له بثلاثين ألفا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان إذا جلس توضع الأموال بين يديه ، ويقول : إن هذه الأموال ودائع لا بد من تفرقتها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وسقط خاتم لجاريته رائقة يساوي ثلاثين ألفا ، في بالوعة الدار ، فسألته أن يؤتى بمن يستخرجه ، فقال : إن يدك أكرم علي من أن تلبسه بعدما صار إلى هذا الموضع القذر . وأمر لها بخمسة آلاف دينار بدله ، وقد كان لرائقة هذه من الحلي شيء عظيم ، من جملة ذلك ياقوتة وجوهرة ، كل واحدة بثلاثة وسبعين ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 199 ] وقد روى البخاري في كتاب " أفعال العباد " وابن أبي حاتم في كتاب " السنة " ، وغير واحد ممن صنف في كتب السنة ، أن خالد بن عبد الله القسري خطب الناس في عيد أضحى ، فقال : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلم موسى تكليما ، تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا . ثم نزل فذبحه في أصل المنبر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال غير واحد من الأئمة : كان الجعد بن درهم من أهل الشام ، وهو مؤدب مروان الحمار ، ولهذا يقال له : مروان الجعدي . نسبة إليه ، وهو شيخ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون : إن الله في كل مكان بذاته . تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . وكان الجعد بن درهم قد تلقى هذا المذهب الخبيث عن رجل يقال له : بيان بن سمعان . وأخذه بيان ، عن طالوت ابن أخت لبيد بن أعصم عن خاله لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة ، وجف طلعة ذكر تركه تحت راعوفة ببئر ذي أروان التي كان ماؤها نقاعة الحناء . وقد ثبت الحديث بذلك في " الصحيحين " وغيرهما . وجاء في بعض الأحاديث أن الله أنزل بسبب [ ص: 200 ] ذلك سورتي " المعوذتين " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي سمعت أبا بكر بن عياش قال : رأيت خالدا القسري حين أتي بالمغيرة وأصحابه ، وقد وضع له سرير في المسجد ، فجلس عليه ، ثم أمر برجل من أصحابه ، فضربت عنقه ، ثم قال للمغيرة بن سعيد : أحيه ! - وكان المغيرة يزعم أنه يحيي الموتى ، فقال : والله ، أصلحك الله ، ما أحيي الموتى . قال : لتحيينه أو لأضربن عنقك . قال : والله ما أقدر على ذلك . ثم أمر بطن قصب ، فأضرموا فيه نارا ، ثم قال للمغيرة : اعتنقه . فأبى ، فعدا رجل من أصحاب المغيرة فاعتنقه ، قال أبو بكر : فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة . قال خالد : هذا والله أحق بالرئاسة منك . ثم قتله وقتل أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال المدائني : أتي خالد بن عبد الله برجل تنبأ بالكوفة فقيل له : ما علامة نبوتك ؟ قال : قد أنزل علي قرآن . قيل : ما هو ؟ قال : إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك ولا تجاهر . ولا تطع كل كافر وفاجر . فأمر به ، فصلب ، فقال وهو يصلب : إنا أعطيناك العمود ، فصل لربك على عود ، فأنا ضامن لك أن لا تعود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال المبرد : أتي خالد بشاب قد وجد في دار قوم ، وادعي عليه السرق ، [ ص: 201 ] فسأله فاعترف ، فأمر بقطع يده ، فتقدمت فتاة حسناء ، فقالت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أخالد قد أوطأت والله عشوة     وما العاشق المسكين فينا بسارق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أقر بما لم يجنه غير أنه     رأى القطع أولى من فضيحة عاشق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأمر خالد بإحضار أبيها ، فزوجها من ذلك الفتى ، وأمهرها عنه عشرة آلاف درهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأصمعي : دخل أعرابي على خالد فقال : إني قد امتدحتك ببيتين ، ولست أنشدهما إلا بعشرة آلاف وخادم . فقال : قل . فأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لزمت نعم حتى كأنك لم تكن     سمعت من الأشياء شيئا سوى نعم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأنكرت لا حتى كأنك لم تكن     سمعت بها في سالف الدهر والأمم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأمر له بعشرة آلاف درهم وخادم يحملها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ودخل عليه أعرابي ، فقال له : سل حاجتك . فقال له : مائة ألف . فقال : أكثرت ، حط منها . فقال : أضع منها تسعين ألفا . قال : فتعجب منه خالد فقال : أيها الأمير ، سألتك على قدرك ، ووضعت على قدري . فقال له : لن تغلبني . وأمر له بمائة ألف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : ودخل عليه أعرابي ، فقال : إني قد قلت فيك شعرا ، وأنا أستصغره [ ص: 202 ] فيك . فقال : قل . فأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تعرضت لي بالجود حتى نعشتني     وأعطيتني حتى ظننتك تلعب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأنت الندى وابن الندى وأخو الندى     حليف الندى ما للندى عنك مذهب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال : سل حاجتك . قال : علي خمسون ألفا دينا . فقال : قد أمرت لك بها ، وشفعتها لك . فأعطاه مائة ألف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى ابن الوشاء : دخل أعرابي على خالد القسري فأنشده :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كتبت نعم ببابك فهي تدعو     إليك الناس مسفرة النقاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقلت للا عليك بباب غيري     فإنك لن تري أبدا ببابي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأعطاه على كل بيت خمسين ألفا . وقد قال فيه ابن معين : كان رجل سوء يقع في علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الأصمعي عن أبيه ، أن خالدا حفر بئرا بمكة ادعى فضلها على زمزم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله في رواية عنه تفضيل الخليفة على الرسول . وهذا كفر إلا أن يريد بكلامه غير ما يبدو منه . والله أعلم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولعل هذا لا يصح عنه ، وقد رأيت صاحب " العقد " سب به ، [ ص: 203 ] ويقرره عنه ; لأن صاحب العقد كان فيه تشيع شنيع ، وربما لا يفهمه كل أحد ، وقد اغتر به شيخنا الذهبي فمدحه بالحفظ وغيره ، ولم يفهم تشيعه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر ابن جرير ، وابن عساكر وغيرهما أن الوليد بن يزيد كان قد عزم على الحج في إمارته ، ومن نيته أن يشرب الخمر على ظهر الكعبة ، فلما بلغ ذلك جماعة من الأمراء اجتمعوا على قتله وتولية غيره من الجماعة ، فحذر خالد أمير المؤمنين منهم ، فسأله أن يسميهم ، فأبى عليه ، فعاقبه عقابا شديدا ، ثم بعث به إلى يوسف بن عمر فعاقبه حتى مات شر قتلة وأسوأها ، وذلك في محرم من هذه السنة ، أعني سنة ست وعشرين ومائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكره القاضي ابن خلكان في " الوفيات " وقال : كان يتهم في دينه ، وقد بنى لأمه كنيسة في داره فنال منه بعض الشعراء . وقال صاحب " الأعيان " : كان في نسبه يهود ، فانتموا إلى العرب ، وكان يقرب من شق ، وسطيح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال القاضي ابن خلكان : وقد كانا ابني خالة ، وعاش كل منهما ستمائة ، وولدا في يوم واحد ، وذلك يوم ماتت طريفة بنت الخير بعدما تفلت في فم [ ص: 204 ] كل منهما ، وقالت : إنه سيقوم مقامي في الكهانة . ثم ماتت من يومها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي في هذه السنة جبلة بن سحيم ، ودراج أبو السمح ، وسعيد بن مسروق في قول ، وسليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق وعبد الرحمن بن قاسم شيخ مالك ، وعبيد الله بن أبي يزيد ، وعمرو بن دينار . وقد ذكرنا تراجمهم في كتاب " التكميل " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية