الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكر من توفي فيها من الأعيان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أبو عبد الملك الأموي ، آخر خلفاء [ ص: 283 ] بني أمية ، قتل في العشر الأخير من ذي الحجة من هذه السنة ، كما قدمنا ذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ووزيره عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بني عامر بن لؤي الكاتب البليغ الذي يضرب به المثل ، فيقال : فتحت الرسائل بعبد الحميد ، وختمت بابن العميد . وكان إماما في الكتابة وجميع فنونها ، وهو القدوة فيها ، وله رسائل في ألف ورقة ، وأصله من الأنبار ، ثم سكن الشام ، وتعلم هذا الشأن من سالم مولى هشام بن عبد الملك ، وكان يعقوب بن داود وزير المهدي يكتب بين يديه ، وعليه تخرج ، وكان ابنه إسماعيل بن عبد الحميد ماهرا في الكتابة أيضا ، وقد كان أولا يعلم الصبيان ، ثم تقلبت به الأحوال حتى وزر لمروان الجعدي آخر خلفاء بني أمية ، وأخذ بعده فقتله السفاح ومثل به ، وكان اللائق بمثله العفو عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن مستجاد كلامه : العلم شجرة ، ثمرتها الألفاظ ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن كلامه ، ورأى رجلا يكتب خطا رديئا : أطل جلفة قلمك وأسمنها ، وحرف قطتك وأيمنها . قال الرجل : ففعلت ذلك ، فجاد خطي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 284 ] وسأله رجل أن يكتب له كتابا إلى بعض الأكابر يوصيه به ، فكتب إليه : حق موصل كتابي إليك كحقه علي ; إذ رآك موضعا لأمله ، ورآني أهلا لحاجته ، وقد قضيت حاجته ، فصدق أمله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان كثيرا ما ينشد هذا البيت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا جرح الكتاب كان دويهم قسيا وأقلام الدوي لها نبلا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأبو سلمة حفص بن سليمان أول من وزر لآل العباس ، قتله أبو مسلم عن أمر السفاح بعد ولايته بأربعة أشهر ، وكانت بيعة السفاح ليلة الجمعة وهي ليلة الثالث عشر من ربيع الآخر من هذه السنة ، فكان مقتله في رجب منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان داهية فاضلا حسن المفاكهة ، وكان السفاح يأنس إليه ويحب مسامرته لطيب محاضرته ، ولكن توهم ميله لآل علي فدس عليه أبو مسلم من قتله غيلة ، كما تقدم ، فأنشد السفاح عند ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى النار فليذهب ومن كان مثله     على أي شيء فاتنا منه نأسف

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، كان يقال له : وزير آل محمد . ويعرف بالخلال ; لسكناه في درب [ ص: 285 ] الخلالين بالكوفة وجلوسه إليهم ، وهو أول من سمي بالوزير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد حكى ابن خلكان عن ابن قتيبة أن اشتقاق الوزير من الوزر ، وهو الحمل ، فكأن السلطان حمله أثقالا لاستناده إلى رأيه ، وقال الزجاج : هو مشتق من الوزر وهو الجبل ، فكأن السلطان لجأ إلى رأيه كما يلجأ الخائف إلى جبل يعتصم به . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية