الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 502 ] فصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام - مع رحمة الله تعالى ، وهداه لنا - أن كنا نسمع من رجل من يهود ، وكنا أهل شرك أصحاب أوثان كانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا ، وكانت لا يزال بيننا وبينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله ، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزلت هذه الآية ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين [ البقرة : 89 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن علي الأزدي : كانت اليهود تقول : اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس يستفتحون به أي يستنصرون به رواه البيهقي . [ ص: 503 ] ثم روي من طريق عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانت اليهود بخيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود خيبر فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم . قال : فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله عز وجل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا الآية وروى عطية عن ابن عباس نحوه ، وروي عن عكرمة من قوله نحو ذلك أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن إسحاق : وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش - وكان من أهل بدر - قال كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا علي بردة لي مضطجع فيها بفناء أهلي فذكر القيامة [ ص: 504 ] والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ، قال : فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له : ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم والذي يحلف به ، ويود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه ، بأن ينجو من تلك النار غدا قالوا له : ويحك يا فلان فما آية ذلك ؟ قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده إلى نحو مكة واليمن قالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا ، وحسدا قال : فقلنا له : ويحك يا فلان ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ، ولكن ليس به . رواه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن ابن عباس ، ورواه البيهقي عن الحاكم بإسناده من طريق يونس بن بكير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 505 ] وروى أبو نعيم في الدلائل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن محمد بن سلمة قال : لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له : يوشع فسمعته يقول : - وإني لغلام في إزار - قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت - ثم أشار بيده إلى بيت الله - فمن أدركه فليصدقه . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمنا وهو بين أظهرنا لم يسلم حسدا وبغيا . وقد قدمنا حديث أبي سعيد عن أبيه في إخبار يوشع هذا عن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته ونعته ، وإخبار الزبير بن باطا عن ظهور كوكب مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال قال لي : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ، نفر من بني هدل إخوة بني قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ، ثم كانوا سادتهم في الإسلام ؟ قال : قلت : لا . قال : فإن رجلا من اليهود من أرض الشام يقال له : ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا . فيقول : لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة فنقول [ ص: 506 ] له : كم ؟ فيقول : صاعا من تمر أو مدين من شعير قال : فنخرجها ، ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ، ونسقى قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ، قال : ثم حضرته الوفاة عندنا فلما عرف أنه ميت قال : يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع ؟ قال : قلنا : أنت أعلم قال : فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه ، هذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه وقد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء ، وسبي الذراري ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية - وكانوا شبابا أحداثا - : يا بني قريظة والله إنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان قالوا : ليس به قالوا : بلى والله إنه لهو بصفته فنزلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد قدمنا في قدوم تبع اليماني - وهو أبو كرب تبان - أسعد إلى المدينة ، ومحاصرته إياها ، وإنه خرج إليه ذانك الحبران من اليهود فقالا له : إنه لا سبيل لك عليها إنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان فثناه ذلك عنها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 507 ] وقد روى أبو نعيم في الدلائل من طريق الوليد بن مسلم حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال قال عبد الله بن سلام إن الله لما أراد هدى زيد بن سعنة قال زيد : لم يبق من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله ولا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلما قال : فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله فذكر قصة إسلافه للنبي صلى الله عليه وسلم مالا في تمر قال : فلما حل الأجل أتيته فأخذت بمجامع قميصه ، وردائه وهو في جنازة مع أصحابه ، ونظرت إليه بوجه غليظ ، وقلت : يا محمد ألا تقضيني حقي ؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل قال : فنظر إلي عمر وعيناه يدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم قال : يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع ، وتفعل ما أرى ؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ، ثم قال أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء ، وتأمره بحسن التباعة اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزد عشرين صاعا من تمر فأسلم زيد بن سعنة رضي الله عنه ، وشهد بقية المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتوفي عام تبوك رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 508 ] ثم ذكر ابن إسحاق رحمه الله إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه فقال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية يقال لها : حي وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله إليه ، لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال : فشغل في بنيان له يوما فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها ، وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمري قال : فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي فلم آتها [ ص: 509 ] ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين قالوا بالشام فرجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي ، وشغلته عن أمره كله فلما جئت قال : أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : قلت : يا أبت مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه . قال : قلت : كلا والله إنه لخير من ديننا ؟ قال : فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته . قال : وبعثت إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة قال : فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك وأخدمك في كنيستك وأتعلم منك فأصلي معك . قال : ادخل فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا له شيئا منها كنزه لنفسه ، ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب ، وورق قال : وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات ، واجتمعت له النصارى ليدفنوه فقلت لهم : [ ص: 510 ] إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ، ولم يعط المساكين منها شيئا قال : فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قال : فقلت لهم : أنا أدلكم على كنزه قالوا : فدلنا قال : فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا فلما رأوها قالوا : لا ندفنه أبدا قال : فصلبوه ورجموه بالحجارة ، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه . قال : يقول سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا ، قال : فأحببته حبا لم أحب شيئا قبله مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة فقلت له : إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله تعالى فإلى من توصي بي وبم تأمرني به ؟ قال : أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه ، إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به قال : فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب الموصل فقلت : يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره فقال لي أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك ، وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي [ ص: 511 ] بي وبم تأمرني ؟ قال : يا بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبري وما أمرني به صاحباي فقال : أقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له : يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ، وبم تأمرني ؟ قال : يا بني والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فائته فإنه على أمرنا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال : أقم عندي فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم . قال : واكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة . قال : ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وبم تأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلمه أصبح أحد على مثل ما كنا عليه من الناس آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب . مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل [ ص: 512 ] به علامات لا تخفى; يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل قال : ثم مات وغيب ، ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه ، وغنيمتي هذه قالوا : نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي عبدا فكنت عنده ، ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ، ولم يحق في نفسي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها فأقمت بها ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام ولا أسمع له بذكر مما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل ، وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال : يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي قال سلمان : فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول ؟ ماذا تقول ؟ قال : فغضب سيدي [ ص: 513 ] فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك قال : فقلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة . وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال : فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا ، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ثم جئته فقلت له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، وهذه هدية أكرمتك بها قال : فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه . قال : فقلت في نفسي هاتان ثنتان قال ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه ، وعليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحول فتحولت بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذاك أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله [ ص: 514 ] صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أعينوا أخاكم فأعانوني في النخل الرجل بثلاثين ودية ، والرجل بعشرين ودية ، والرجل بخمس عشرة ودية ، والرجل بعشر ، يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فائتني أكن أنا أضعها بيدي . قال : ففقرت وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب إليه الودي ، ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى إذا فرغنا فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي علي المال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال : ما فعل الفارسي المكاتب قال : فدعيت له . قال : خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان قال : قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك قال : فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم ، وعتق سلمان فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حرا ، ثم لم يفتني معه مشهد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 515 ] قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن رجل من عبد القيس عن سلمان أنه قال : لما قلت : وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ، ثم قال : خذها فأوفهم منها فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم كله أربعين أوقية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال محمد بن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز بن مروان قال : حدثت عن سلمان أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : حين أخبره خبره أن صاحب عمورية قال له : ائت كذا وكذا من أرض الشام فإن بها رجلا بين غيضتين يخرج كل سنة من هذه الغيضة مستجيزا يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي فاسأله عن هذا الدين الذي تبتغي فهو يخبرك . عنه قال سلمان : فخرجت حتى جئت حيث وصف لي فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى الغيضتين إلى الأخرى فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفي ، وغلبوني عليه فلم أخلص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه قال : فتناولته فقال : من هذا ؟ والتفت إلي قال : قلت : يرحمك الله أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم قال : إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم قد [ ص: 516 ] أظلك زمان نبي يبعث بهذا الدين من أهل الحرم فأته فهو يحملك عليه ، ثم دخل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لسلمان لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد لقيت عيسى ابن مريم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هكذا وقع في هذه الرواية ، وفيها رجل مبهم وهو شيخ عاصم بن عمر بن قتادة وقد قيل : إنه الحسن بن عمارة ، ثم هو منقطع بل معضل بين عمر بن عبد العزيز ، وسلمان رضي الله عنه . وقوله : لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد لقيت عيسى ابن مريم غريب جدا بل منكر فإن الفترة أقل ما قيل فيها : أنها أربعمائة سنة ، وقيل : ستمائة سنة بالشمسية ، وسلمان أكثر ما قيل أنه عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ، وحكى العباس بن يزيد البحراني إجماع مشايخه على أنه عاش مائتين وخمسين سنة واختلفوا فيما زاد إلى ثلاثمائة وخمسين سنة . والله أعلم . والظاهر أنه قال : لقد لقيت وصي عيسى ابن مريم فهذا ممكن إذ يكون ذاك عمر دهرا طويلا ، وسلمان عمر بعده دهرا آخر والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال السهيلي : الرجل المبهم هو الحسن بن عمارة وهو ضعيف ، وإن صح لم يكن فيه نكارة; لأن ابن جرير ذكر أن المسيح نزل من السماء بعدما رفع فوجد أمه ، وامرأة أخرى يبكيان عند جذع المصلوب فأخبرهما أنه لم يقتل ، وبعث الحواريين بعد ذلك قال : وإذا جاز نزوله مرة جاز نزوله [ ص: 517 ] مرارا ، ثم يكون نزوله الظاهر حين يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويتزوج حينئذ امرأة من بني جذام ، وإذا مات دفن في حجرة روضة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البيهقي في كتاب دلائل النبوة قصة سلمان هذه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق كما تقدم ، ورواها أيضا عن الحاكم عن الأصم عن يحيى بن أبي طالب حدثنا علي بن عاصم حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن زيد بن صوحان أنه سمع سلمان يحدث كيف كان أول إسلامه فذكر قصة طويلة ، وذكر أنه كان من رامهرمز وكان له أخ أكبر منه غني وكان سلمان فقيرا في كنف أخيه ، وأن ابن دهقانها كان صاحبا له وكان يختلف معه إلى معلم لهم ، وأنه كان يختلف ذلك الغلام إلى عباد من النصارى في كهف لهم فسأله سلمان أن يذهب به معه إليهم فقال له : إنك غلام ، وأخشى أن تنم عليهم فيقتلهم أبي فالتزم له أن لا يكون منه شيء يكرهه فذهب به معه فإذا هم ستة - أو سبعة - كأن الروح قد خرجت منهم من العبادة يصومون النهار ، ويقومون الليل يأكلون الشجر وما وجدوا فذكر عنهم أنهم يؤمنون بالرسل المتقدمين ، وأن عيسى عبد الله ورسوله ، وابن أمته أيده بالمعجزات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا له : يا غلام إن لك ربا وإن لك معادا ، وإن بين يديك جنة ونارا ، وإن هؤلاء [ ص: 518 ] القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر ، وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون وليسوا على دينه ، ثم جعل يتردد مع ذلك الغلام إليهم ، ثم لزمهم سلمان بالكلية ، ثم أجلاهم ملك تلك البلاد - وهو أبو ذلك الغلام الذي صحبه سلمان إليهم - عن أرضه ، واحتبس الملك ابنه عنده ، وعرض سلمان دينهم على أخيه الذي هو أكبر منه فقال : إني مشتغل بنفسي في طلب المعيشة فارتحل معهم سلمان حتى دخلوا كنيسة الموصل فسلم عليهم أهلها ثم أرادوا أن يتركوني عندهم فأبيت إلا صحبتهم فخرجوا حتى أتوا واديا بين جبال فتحدر إليهم رهبان تلك الناحية يسلمون عليهم واجتمعوا إليهم ، وجعلوا يسألونهم عن غيبتهم عنهم ، ويسألونهم عني فيثنون علي خيرا ، وجاء رجل معظم فيهم فخطبهم فأثنى على الله بما هو أهله ، وذكر الرسل وما أيدوا به ، وذكر عيسى ابن مريم وأنه كان عبد الله ورسوله ، وأمرهم بالخير ونهاهم عن الشر ، ثم لما أرادوا الانصراف تبعه سلمان ولزمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فكان يصوم النهار ، ويقوم الليل من الأحد إلى الأحد فيخرج إليهم ويعظهم ويأمرهم وينهاهم فمكث على ذلك مدة طويلة ، ثم أراد أن يزور بيت المقدس فصحبه سلمان إليه . قال : فكان فيما يمشي يلتفت إلي ويقبل علي فيعظني ، ويخبرني أن لي ربا ، وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا ، ويعلمني ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد قال : فيما يقول لي : يا سلمان إن الله سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج من [ ص: 519 ] تهامة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة . وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه . قلت له : وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه ، قال : وإن أمرك فإن الحق فيما يجيء به ، ورضى الرحمن فيما قال ، ثم ذكر قدومهما إلى بيت المقدس ، وأن صاحبه صلى فيه هاهنا وهاهنا ، ثم نام وقد أوصاه أنه إذا بلغ الظل مكان كذا أن يوقظه فتركه سلمان حينا آخر أزيد مما قال ليستريح فلما استيقظ ذكر الله ، ولام سلمان على ترك ما أمره من ذلك ، ثم خرجا من بيت المقدس فسأله مقعد; فقال : يا عبد الله سألتك حين وصلت فلم تعطني شيئا ، وها أنا أسألك فنظر فلم يجد أحدا فأخذ بيده ، وقال : قم بسم الله فقام ، وليس به بأس ولا قلبة كأنما نشط من عقال فقال لي : يا عبد الله احمل علي متاعي حتى أذهب إلى أهلي فأبشرهم فاشتغلت به ، ثم أدركت الرجل فلم ألحقه ولم أدر أين ذهب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكلما سألت عنه قوما قالوا : أمامك حتى لقيني ركب من العرب من بني كلب فسألتهم فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره فحملني خلفه حتى أتوا بي بلادهم فباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر ذهابه إليه بالصدقة ، [ ص: 520 ] والهدية; ليستعلم ما قال صاحبه ، ثم تطلب النظر إلى خاتم النبوة فلما رآه آمن من ساعته ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره الذي جرى له قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق فاشتراه من سيده فأعتقه ، ثم قال : سألته يوما عن دين النصارى فقال : لا خير فيهم قال : فوقع في نفسي من أولئك الذين صحبتهم ، ومن ذلك الرجل الصالح الذي كان معي ببيت المقدس فدخلني من ذلك أمر عظيم حتى أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون [ المائدة : 82 ] فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت وأنا خائف فجلست بين يديه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون الآيات ، ثم قال : يا سلمان أولئك الذين كنت معهم ، وصاحبك لم يكونوا نصارى كانوا مسلمين فقلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لهو أمرني باتباعك فقلت له : فإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه . قال نعم . فاتركه فإن الحق وما يرضي الله فيما يأمرك ، وفي هذا السياق غرابة كثيرة ، وفيه بعض المخالفة لسياق محمد بن إسحاق ، وطريق محمد بن إسحاق أقوى إسنادا ، وأحسن اقتصاصا ، وأقرب إلى ما رواه البخاري في صحيحه من حديث معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه تداوله بضعة عشر من رب إلى رب أي : [ ص: 521 ] من معلم إلى معلم ، ومرب إلى مثله . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال السهيلي : تداوله ثلاثون سيدا من سيد إلى سيد فالله أعلم ، وكذلك استقصى قصة إسلامه الحافظ أبو نعيم في الدلائل ، وأورد لها أسانيد وألفاظا كثيرة ، وفي بعضها أن اسم سيدته التي كاتبته حليسة فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية