الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون ، أبو الفضل المعروف بابن الباقلاني سمع الكثير ، وكتب عنه الخطيب ، وكانت له معرفة جيدة وهو من الثقات ، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني ، ثم صار أمينا له ، ثم ولي إشراف خزانة الغلات . توفي في رجب عن ثنتين وثمانين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تتش أبو المظفر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تاج الدولة بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب دمشق وغيرها من البلاد ، وقد كان تروج أمره على ابن [ ص: 149 ] أخيه بركياروق بن ملكشاه بن ألب أرسلان ولكن قدر الله وما شاء فعل ، وقد قال المتنبي :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولله سر في علاك وإنما كلام العدا ضرب من الهذيان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : كان صاحب البلاد الشرقية فاستنجده أتسز في محاربة أمير الجيوش من جهة صاحب مصر ، فلما قدم دمشق لنجدته وخرج إليه أتسز أمر بمسكه وقتله واستحوذ هو على دمشق وأعمالها في سنة إحدى وسبعين ، ثم تحارب هو وابن أخيه بركياروق ببلاد الري فكسره ابن أخيه ، وقتل هو في المعركة ، وتملك ابنه رضوان حلب إلى سنة سبع وخمسمائة ، سمته أمه في عنقود عنب . فقام بالأمر من بعده ولده تاج الملك بوري أربع سنين ، ثم ابنه الآخر شمس الملوك إسماعيل ثلاث سنين ، ثم قتلته أمه أيضا وهي زمرد خاتون بنت جاولي ، وأجلست أخاه شهاب الدين محمود بن بوري ، فمكث أربع سنين ، ثم ملك أخوه سنة ، ثم ملك محيي الدين أبق من سنة أربع وثلاثين إلى أن انتزع الملك منه نور الدين محمود بن زنكي كما سيأتي . وكان أتابك العساكر بدمشق أيام أبق معين الدين ، الذي تنسب إليه المعينية بالغور ، والمدرسة المعينية بدمشق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو محمد التميمي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد [ ص: 150 ] أئمة القراء والفقهاء - على مذهب أحمد - والحديث ، وكان له مجلس للوعظ وحلقة للفتوى بجامع المنصور ثم بجامع القصر ، وكان حسن الشكل محببا إلى العامة ، له شعر حسن ، وكان كثير العبادة ، فصيح العبارة ، حسن المناظرة ، وقد روى عن آبائه حديثا مسلسلا إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : هتف العلم العمل فإن أجابه وإلا رحل . وقد كان ذا وجاهة عند الخليفة بعثه في مهام الرسل إلى السلطان ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء النصف من جمادى الأولى من هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة ، ودفن بداره بباب المراتب بإذن الخليفة وصلى عليه ابنه أبو الفضل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو يوسف القزويني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخ المعتزلة قرأ على عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ورحل إلى مصر وأقام بها أربعين سنة ، وحصل كتبا كثيرة وصنف تفسيرا في سبعمائة مجلد قال ابن الجوزي : جمع فيه العجب . وتكلم فيه على قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان [ البقرة : 102 ] في مجلد كامل . وقال ابن عقيل : كان طويل اللسان بالعلم تارة وبالشعر أخرى ، وقد سمع الحديث من أبي عمر بن مهدي وغيره ، ومات ببغداد عن ست وتسعين سنة ، وما تزوج إلا في آخر عمره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 151 ] أبو شجاع الوزير محمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو شجاع الملقب ظهير الدين الروذراوري الأصل الأهوازي المولد ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان من خيار الوزراء كثير الصدقة والإحسان إلى العلماء والفقهاء وسمع الحديث من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وغيره ، وصنف كتبا منها كتابه الذي ذيله على " تجارب الأمم " ووزر للخليفة المقتدي ، وكان يملك ستمائة ألف دينار ، فأنفقها في سبيل الخيرات والصدقات ، ووقف الوقوف الحسنة ، وبنى المشاهد ، وأكثر الإنعام على الأرامل والأيتام . قال له رجل : إلى جانبنا أرملة لها أربعة أولاد وهم عراة وجياع ، فبعث إليهم مع رجل من خاصته نفقة وكسوة وطعاما ، ونزع عنه ثيابه في البرد الشديد ، وقال : والله لا ألبسها حتى ترجع إلي بخبرهم فذهب الرجل مسرعا فقضى حاجتهم ، وأوصلهم ذلك الإحسان ، ثم عاد والوزير يركض من البرد ، فلما أخبره عنهم بما سره لبس ثيابه . وجيء إليه مرة بقطائف سكر فلما وضعت بين يديه تنغص عليه بمن لا يقدر عليها ، فأرسلها كلها إلى المساجد ، وكانت كثيرة جدا فأطعمها الفقراء والعميان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان لا يجلس في الديوان إلا وعنده الفقهاء ، فإذا وقع له أمر مشكل سألهم عنه ، فحكم بما يفتونه ، وكان كثير التواضع مع الناس خاصتهم وعامتهم ، ثم عزل عن الوزارة فسار إلى الحج وجاور بالمدينة ثم مرض ، فلما ثقل في المرض جاء إلى الحجرة النبوية فقال يا رسول الله : قال الله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما [ النساء : 64 ] [ ص: 152 ] وها أنا قد جئتك أستغفر الله من ذنوبي وأرجو شفاعتك يوم القيامة ثم مات من يومه ذلك ؛ رحمه الله تعالى ودفن في البقيع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي أبو بكر الشامي محمد بن المظفر بن بكران الحموي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو بكر الشامي ولد سنة أربعمائة وتفقه ببلده ، ثم حج في سنة سبع عشرة وأربعمائة ، وقدم بغداد فتفقه على الشيخ أبي الطيب الطبري وسمع بها الحديث ، وشهد عند ابن الدامغاني فقبله ولازم مسجده خمسا وخمسين سنة يقرئ الناس ويفقههم ، ولما مات أبو عبد الله الدامغاني أشار به أبو شجاع الوزير فولاه الخليفة المقتدي القضاء ، وكان من أنزه الناس وأعفهم ; لم يقبل من سلطان عطية ولا من صاحب هدية ، ولم يغير ملبسه ولا مأكله ، ولم يأخذ على القضاء أجرا ، ولم يستنب أحدا بل كان يباشر القضاء بنفسه ، ولم يحاب مخلوقا ، وقد كان يضرب بعض المنكرين ؛ حيث لا بينة إذا قامت عنده قرائن للتهمة حتى يقروا ، ويذكر أن في كلام الشافعي ما يدل على هذا . وقد صنف أبو بكر الشاشي كتابا في الرد عليه في ذلك ، ونصره ابن عقيل فيما كان يتعاطاه من الحكم بالقرائن ، واستشهد له بقوله تعالى : إن كان قميصه قد من قبل الآية [ يوسف : 26 ] وشهد عنده رجل من كبار الفقهاء والمناظرين يقال له : المشطب بن محمد بن أسامة الفرغاني فلم يقبله لما رأى عليه من [ ص: 153 ] الحرير وخاتم الذهب ، فقال له المدعي : إن السلطان ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير والذهب ، فقال القاضي الشامي : والله لو شهدا عندي على باقة بقل ما قبلت شهادتهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي يوم الثلاثاء عاشر شعبان من هذه السنة عن ثمان وثمانين سنة ، ودفن بالقرب من ابن سريح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبد الله الحميدي محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبد الله بن حميد الأندلسي ، من جزيرة ؛ يقال لها : ميورقة ، قريبة من الأندلس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قدم بغداد فسمع بها الحديث ، وكان حافظا مكثرا دينا باهرا عفيفا نزها ، وهو " صاحب الجمع بين الصحيحين " وله غير ذلك من المصنفات ، وقد كتب من مصنفات ابن حزم والخطيب . وكانت وفاته ليلة الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجة ، وقد جاوز السبعين ، وقبره قريب من قبر بشر الحافي ببغداد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 154 ] هبة الله ابن الشيخ أبي الوفاء بن عقيل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان قد حفظ القرآن وتفقه وظهر منه نجابة ، ثم مرض فأنفق عليه أبوه أموالا جزيلة ، فلم يفد شيئا فقال له ابنه ذات يوم : يا أبت إنك قد أكثرت الأدوية والأدعية ، ولله في اختيار ، فدعني واختيار الله . قال أبوه : فعلمت أنه لم يوفق لهذا الكلام إلا وقد اختير للحظوة . والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية