الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إسماعيل بن الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، سمع الكثير وتنقل في البلاد ، ودرس بمدينة خوارزم ، وكان فاضلا من أهل الحديث مرضي الطريقة ، وكانت وفاته ببلده بيهق في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شجاع بن أبي شجاع فارس بن الحسين بن فارس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو غالب الذهلي الحافظ ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع الكثير ، وكان فاضلا في هذا الشأن ، وشرع في تتميم " تاريخ الخطيب " ثم غسله ، وكان يكثر من الاستغفار والتوبة ; لأنه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات . توفي في هذا العام عن سبع وسبعين سنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن الحسين بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي أبو المظفر بن أبي العباس الأبيوردي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشاعر ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان عالما باللغة والأنساب ، سمع الكثير وصنف " تاريخ أبيورد " و " أنساب العرب " وله كتاب في المؤتلف والمختلف وغير ذلك ، وكان ينسب [ ص: 222 ] إلى الكبر والتيه الزائد ; حتى إنه كان يدعو في صلاته اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها ، وكتب مرة إلى الخليفة : الخادم المعاوي ، فكشط الخليفة الميم فبقيت العاوي ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تنكر لي دهري ولم يدر أنني أعز وأحداث الزمان تهون     وظل يريني الخطب كيف اعتداؤه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبت أريه الصبر كيف يكون

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن طاهر بن علي بن أحمد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفضل المقدسي الحافظ ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، وأول سماعه سنة ستين ، وسافر في طلب الحديث إلى بلاد كثيرة ، وسمع كثيرا ، وكانت له معرفة جيدة بهذه الصناعة ، وصنف كتبا مفيدة ; غير أنه صنف كتابا في إباحة السماع وفي التصوف ، واستعمل فيه أحاديث منكرة جدا ، وأورد أحاديث صحيحة في غير كنهها ، وقد أثنى على حفظه غير واحد من الأئمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر ابن الجوزي في كتابه هذا الذي سماه " صفة التصوف " وقال عنه : يضحك منه من رآه ، قال : وكان داودي المذهب ، فمن أثنى عليه أثنى لأجل حفظه للحديث ، وإلا فما يجرح به أولى ، قال : وذكره أبو سعد السمعاني وانتصر له بغير حجة ، بعد أن قال : سألت عنه شيخنا إسماعيل بن أحمد الطلحي فأساء الثناء عليه ، وكان سيئ الرأي فيه . قال وسمعنا [ ص: 223 ] أبا الفضل بن ناصر . يقول محمد بن طاهر لا يحتج به ، صنف في جواز النظر إلى المرد ، وكان يذهب مذهب الإباحية ، ثم أورد له من شعره قوله في هذه الأبيات :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دع التصوف والزهد الذي اشتغلت     به جوارح أقوام من الناس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعج على دير داريا فإن به الره     بان ما بين قسيس وشماس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واشرب معتقة من كف كافرة     تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم استمع رنة الأوتار من رشأ     مهفهف طرفه أمضى من الماس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      غني بشعر امرئ في الناس مشتهر     مدون عندهم في صدر قرطاس
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لولا نسيم بذكراكم يروحني     لكنت محترقا من حر أنفاسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال السمعاني : لعله قد تاب من هذا كله ، قال ابن الجوزي : وهذا غير مرضي ; أن يذكر جرح الأئمة له ، ثم يعتذر عن ذلك باحتمال توبته ، وذكر ابن الجوزي أنه لما احتضر جعل يردد هذا البيت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما كنتم تعرفون الجفا     فممن ترى قد تعلمتم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم كانت وفاته بالجانب الغربي من بغداد في ربيع الأول منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو بكر الشاشي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب المستظهري محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أحد أئمة الشافعية في زمانه ، ولد في المحرم سنة سبع [ ص: 224 ] وعشرين وأربعمائة ، وسمع الحديث على أبي يعلى بن الفراء وأبي بكر الخطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي وتفقه عليه وعلى غيره ، وقرأ " الشامل " على مصنفه ابن الصباغ ، واختصره في كتابه الذي جمعه للمستظهر بالله وسماه " حلية العلماء بمعرفة مذاهب الفقهاء " ويعرف بالمستظهري ، وقد درس بالنظامية ببغداد ثم عزل عنها ، وكان ينشد :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تعلم يا فتى والعود غض     وطينك لين والطبع قابل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فحسبك يا فتى شرفا وفخرا     سكوت الحاضرين وأنت قائل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي سحر يوم السبت السادس عشر من شوال من هذه السنة ، ودفن إلى جانب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي بباب أبرز .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المؤتمن بن أحمد بن علي بن الحسين بن عبيد الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو نصر الساجي المقدسي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع الحديث الكثير ، وخرج ، وكان ثقة ، صحيح النقل ، حسن الخط ، مشكور السيرة ، لطيف النفس ، اشتغل في الفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي مدة ، ورحل إلى أصبهان وغيرها ، وهو معدود من جملة الحفاظ لا سيما للمتون ، وقد تكلم فيه محمد بن طاهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : وهو أحق منه بذلك ، وأين الثريا من الثرى؟ توفي المؤتمن يوم السبت ثامن عشر صفر من هذه السنة ، ودفن بباب حرب ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية