الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 127 ] ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وستمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها وصلت سرية من جهة جنكزخان غير الأولتين إلى الري ، وكانت قد عمرت قليلا ، فقتلوا أهلها أيضا ، ثم ساروا إلى ساوه ، ثم إلى قم وقاشان ، ولم تكونا طرقتا إلا هذه المرة ، ففعلوا بها مثل ما تقدم من القتل والسبي ، ثم ساروا إلى همذان ، فقتلوا أيضا وسبوا ، ثم ساروا خلف الخوارزمية إلى أذربيجان ، فكبسوهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، فهربوا منهم إلى تبريز ، فلحقوهم وكتبوا إلى ابن البهلوان : إن كنت مصالحا لنا ، فابعث لنا بالخوارزمية ، وإلا فأنت مثلهم . فقتل منهم خلقا ، وأرسل برءوسهم إليهم ، مع تحف وهدايا كثيرة ، هذا كله وإنما كانت هذه السرية ثلاثة آلاف ، والخوارزمية وأصحاب البهلوان أضعاف أضعافهم ، ولكن الله تعالى ألقى عليهم الخذلان والفشل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ملك غياث الدين بن خوارزم شاه بلاد فارس مع ما في يده من [ ص: 128 ] مملكة أصفهان وهمذان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها استعاد الملك الأشرف مدينة خلاط من أخيه شهاب الدين غازي ، وكان قد جعلها إليه مع جميع بلاد أرمينية وميافارقين وحاني وجبل جور ، وجعله ولي عهده من بعده ، فلما عصى عليه وتشعب دماغه بما كتب إليه المعظم من تحسينه له مخالفته ، فركب إليه وحاصره بخلاط ، فسلمت إليه ، وامتنع أخوه في القلعة ، فلما كان الليل نزل إلى أخيه معتذرا ، فقبل عذره ولم يعاقبه ، بل أقره على ميافارقين وحدها ، وكان صاحب إربل والمعظم متفقين مع الشهاب غازي على الأشرف ، فكتب الكامل إلى المعظم يتهدده ، لئن ساعد على الأشرف ليأخذن بلاده . وكان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل مع الأشرف ، فركب إليه صاحب إربل ، فحاصره بسبب قلة جنده; لأنه أرسلهم إلى الأشرف حين نازل خلاط ، فلما انفصلت الأمور على ما ذكرنا ندم صاحب إربل والمعظم بدمشق أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها أرسل المعظم ولده الناصر داود إلى صاحب إربل تقوية على مخالفة الأشرف ، وأرسل صوفيا من السميساطية يقال له : الملق إلى جلال الدين بن خوارزم شاه - وكان قد أخذ أذربيجان في هذه السنة ، وقوي جأشه - يتفق معه [ ص: 129 ] على أخيه الأشرف ، فوعده النصر والرفادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قدم الملك مسعود أقسيس ملك اليمن على أبيه الكامل بالديار المصرية ، ومعه شيء كثير من الهدايا والتحف ، من ذلك مائتا خادم وثلاثة أفيلة هائلة ، وأحمال عود وند ومسك وعنبر ، وخرج أبوه الكامل لتلقيه ، ومن نية أقسيس أن ينزع الشام من يد عمه المعظم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كمل عمارة دار الحديث الكاملية بمصر ، وولي مشيختها الحافظ أبو الخطاب بن دحية الكلبي ، وكان مكثارا ، كثير الفنون ، وعنده فوائد وعجائب ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية