الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان والمشاهير :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن عنين الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدمت ترجمته في سنة ثلاثين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن دحية ، أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن فرح [ ص: 224 ] بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن بدر بن أحمد بن دحية بن خليفة الكلبي المغربي السبتي ، كان قاضيها ثم صار إلى مصر ، الحافظ شيخ الديار المصرية في الحديث ، وهو أول من باشر مشيخة دار الحديث الكاملية بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال السبط : وقد كان كابن عنين في ثلب المسلمين والوقيعة فيهم ، ويتزيد في كلامه ، فترك الناس الرواية عنه وكذبوه ، وقد كان الكامل مقبلا عليه ، فلما انكشف له حاله أخذ منه دار الحديث وأهانه ، وتوفي في ربيع الأول بالقاهرة ، ودفن بقرافة مصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : وللشيخ السخاوي فيه أبيات حسنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال القاضي ابن خلكان بعد سياق نسبه كما تقدم ، وذكر أنه كتبه من خطه ، قال : وذكر أن أمه أمة الرحمن بنت أبي عبد الله بن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فلهذا كان يكتب بخطه : ذو النسبين; بين دحية والحسين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : وكان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء ، متقنا لعلم الحديث وما يتعلق به ، عارفا بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها ، اشتغل ببلاد المغرب ، ثم رحل إلى الشام ، ثم إلى العراق ، واجتاز بإربل سنة أربع وستمائة ، [ ص: 225 ] فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي ، فعمل له كتاب " التنوير في مولد السراج المنير " ، وقرأه عليه بنفسه ، فأجازه بألف دينار . وقال : وقد سمعناه على الملك المعظم في ستة مجالس في سنة خمس وعشرين وستمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد وقفت على هذا الكتاب ، وكتبت منه أشياء حسنة مفيدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خلكان : وكان مولده في سنة أربع وأربعين وخمسمائة . وقيل : ست أو سبع وأربعين وخمسمائة ، وتوفي في هذه السنة ، وكان أخوه أبو عمرو عثمان قد باشر بعده دار الحديث الكاملية بمصر ، وتوفي بعده بسنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد تكلم الناس فيه بأنواع من الكلام ، ونسبه بعضهم إلى وضع حديث في قصر صلاة المغرب ، وكنت أود أن أقف على إسناده لنعلم كيف رجاله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أجمع العلماء - كما ذكره ابن المنذر وغيره - على أن المغرب لا يقصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد وقفت على جزء جمعه المحدث المتقن المفيد أبو قاسم محمد بن الحافظ أبي الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي العطاردي في ترجمة شيخه أبي الخطاب بن دحية هذا ، جمع فيه أقوال الناس في ثلبه والكلام في مرباه ومنشئه واشتغاله وطلبه ، وذكر بعضهم أنه ولي القضاء بسبتة . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 226 ] وذكر طعن الناس في ادعائه نسبه إلى دحية الكلبي ، وأنه انقطع نسله من بعد ثلاثمائة ، وأنشد لابن عنين فيه - قائل البيتين الشهيرين وهما - قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دحية لم يعقب فكم تفتري إليه بالبهتان والإفك     ما صح عند الناس شيء سوى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنك من كلب بلا شك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإن من أقبح ما رأيته في هذا الجزء ما ذكره عن شيخه الحافظ المؤرخ ابن النجار ، عن الحافظ علي بن المفضل أنه قال : اجتمعت أنا وابن دحية في مجلس السلطان ، فسألني السلطان عن حديث فأجبته فيه ، فقال لي : من رواه؟ فلم يحضرني إسناده فانفصلنا ، فاجتمع بي ابن دحية وقال لي : يا فقيه ، لما سألك السلطان عن إسناد ذاك الحديث ، لم لم تذكر له أي إسناد شئت؟ فإنه ومن حضر مجلسه لا يعلمون هل هو صحيح أم لا فعظمت في أعينهم . فعلمت أنه يتهاون بأمور الدين ، جريء على الكذب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال : وحدثني الفقيه تقي الدين عبيد بن محمد بن عباس الإسعردي ، عن شيخنا الفقيه الإمام العالم أوحد الأنام مفتي المسلمين بهاء الدين أبي الحسن علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم اللخمي ، يعني ابن الجميزي; أنه قال : كان السلطان الملك الكامل قد خرج إلى الشام ، فخرج أبو الخطاب عمر بن دحية معه ، وولد الشيخ معين الدين بن شيخ الشيوخ ، فحضرت صلاة [ ص: 227 ] المغرب ، فقدم السلطان ابن دحية فصلى بهم المغرب ، فلما أن فرغ من الصلاة ، قال ابن شيخ الشيوخ : ما أعلم أحدا من الأئمة يجوز قصر صلاة المغرب في السفر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال ابن دحية : كيف لا وقد أخبرنا فلان عن فلان . وسرد إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصر المغرب في السفر . فلم يجب ابن شيخ الشيوخ ومكث على حاله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : هذا وضع فاحش مخالف لما أجمع عليه العلماء ، كما ذكره ابن المنذر وغيره ، ومثل هذا الإسناد لا يحفظ; لأن سامعه لم يضبطه ، وواضعه لا يقدر على إعادته ثانيا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحاجري الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صاحب الديوان المشهور ، وهو عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين بن طاشتكين الإربلي ، شاعر مطبق ، ترجمه ابن خلكان ، وذكر أشياء من شعره كثيرة ، وذكر أنه كان صاحبهم ، وأنه كتب إلى أخيه ضياء الدين عيسى يستوحش منه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الله يعلم ما أبقى سوى رمق     مني فراقك يا من قربه الأمل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فابعث كتابك واستودعه تعزية     فربما مت شوقا قبل ما يصل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر له في الخال رحمه الله تعالى :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومهفهف من شعره وجبينه     أمسى الورى في ظلمة وضياء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تنكروا الخال الذي في خده     كل الشقيق بنقطة سوداء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية