الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 83 ] ذكر إفاضته ، عليه الصلاة والسلام ، من عرفات إلى المشعر الحرام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال جابر في حديثه الطويل : فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ، وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص ، فأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : " أيها الناس ، السكينة السكينة " . كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا . رواه مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : باب السير إذا دفع من عرفة . حدثنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : سئل أسامة وأنا جالس : كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع ؟ قال : كان يسير العنق ، فإذا وجد فجوة نص . قال هشام : والنص فوق العنق ورواه الإمام أحمد [ ص: 584 ] وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسامة بن زيد به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا يعقوب ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسامة بن زيد قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة . قال : فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمع حطمة الناس خلفه قال : " رويدا أيها الناس ، عليكم السكينة ، إن البر ليس بالإيضاع " . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التحم عليه الناس أعنق ، وإذا وجد فرجة نص ، حتى أتى المزدلفة فنزل بها فجمع بين الصلاتين ; المغرب والعشاء الآخرة . ثم رواه الإمام أحمد من طريق محمد بن إسحاق ، حدثني إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن أسامة بن زيد ، فذكر مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا أبو كامل ، ثنا حماد ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن أسامة بن زيد قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وأنا رديفه ، فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها لتكاد تصيب قادمة الرحل ، [ ص: 585 ] ويقول : " يا أيها الناس ، عليكم السكينة والوقار ، فإن البر ليس في إيضاع الإبل " . وكذا رواه ، عن عفان ، عن حماد بن سلمة به ، ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به . ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن يزيد بن هارون ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، عن أسامة بنحوه . قال : وقال أسامة : فما زال يسير على هينته حتى أتى جمعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن الحجاج ، ثنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، ، عن شعبة ، عن ابن عباس ، عن أسامة بن زيد ، أنه أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حتى دخل الشعب ، ثم أهراق الماء وتوضأ ، ثم ركب ولم يصل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد ، ثنا همام ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن الشعبي ، عن أسامة ، أنه حدثه قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات ، فلم ترفع راحلته رجلها عادية حتى بلغ جمعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا سفيان ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن [ ص: 586 ] ابن عباس ، أخبرني أسامة بن زيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة ، فلما أتى الشعب نزل فبال ، ولم يقل : أهراق الماء . فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا ، فقلت : الصلاة . فقال : " الصلاة أمامك " . قال : ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب ، ثم حلوا رحالهم ، وأعنته ثم صلى العشاء . كذا رواه الإمام أحمد ، عن كريب ، عن ابن عباس ، عن أسامة بن زيد ، فذكره . ورواه النسائي ، عن الحسين بن حريث ، عن سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة ، كلاهما عن كريب ، عن ابن عباس ، عن أسامة . قال شيخنا أبو الحجاج المزي في " أطرافه " : والصحيح كريب عن أسامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا مالك ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب ، عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول : دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة ، فنزل الشعب فبال ، ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء ، فقلت له : الصلاة . فقال : " الصلاة أمامك " . فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ، ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت الصلاة فصلى - العشاء - ولم يصل بينهما . وهكذا رواه البخاري أيضا ، عن القعنبي ، ومسلم ، عن يحيى بن يحيى ، والنسائي عن قتيبة ، عن مالك ، عن موسى بن عقبة به . [ ص: 587 ] وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن موسى بن عقبة ، أيضا . ورواه مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة ومحمد بن عقبة ، عن كريب كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري أيضا : ثنا قتيبة ، ثنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن أبي حرملة ، عن كريب ، عن أسامة بن زيد أنه قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال ، ثم جاء فصببت عليه الوضوء ، فتوضأ وضوءا خفيفا . فقلت : الصلاة يا رسول الله . قال : " الصلاة أمامك " . فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أتى المزدلفة فصلى ، ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع . قال كريب : فأخبرني عبد الله بن عباس ، عن الفضل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة . ورواه مسلم ، عن قتيبة ويحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وعلي بن حجر ، أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا وكيع ، ثنا عمر بن ذر ، عن مجاهد ، عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة . قال : فقال الناس : سيخبرنا صاحبنا ما صنع . قال : فقال أسامة : لما دفع من عرفة فوقف ، كف رأس راحلته ، حتى [ ص: 588 ] أصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه ، يشير إلى الناس بيده : " السكينة السكينة السكينة " . حتى أتى جمعا ، ثم أردف الفضل بن عباس ، قال : فقال الناس : سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال الفضل : لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالأمس ، حتى أتى على وادي محسر ، فدفع فيه حتى استوت به الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا إبراهيم بن سويد ، حدثني عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، أخبرني سعيد بن جبير مولى والبة الكوفي ، حدثني ابن عباس ، أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا ، وضربا للإبل ، فأشار بسوطه إليهم ، وقال : " أيها الناس ، عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع " . تفرد به البخاري من هذا الوجه . وقد تقدم رواية الإمام أحمد ومسلم والنسائي هذا من طريق عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، عن أسامة بن زيد . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن عمر . ثنا المسعودي ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات أوضع الناس ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : " أيها الناس ، ليس البر بإيضاع الخيل ولا الركاب " . قال : فما رأيت من رافعة يديها عادية ، حتى نزل جمعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا حسين وأبو نعيم ، قالا : ثنا إسرائيل ، عن [ ص: 589 ] عبد العزيز بن رفيع قال : حدثني من سمع ابن عباس يقول : لم ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عرفات وجمع إلا ليهريق الماء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عبد الملك ، عن أنس بن سيرين قال : كنت مع ابن عمر بعرفات ، فلما كان حين راح رحت معه حتى أتى الإمام ، فصلى معه الأولى والعصر ، ثم وقف معه وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الإمام فأفضنا معه ، حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين ، فأناخ وأنخنا ، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي ، فقال غلامه الذي يمسك راحلته : إنه ليس يريد الصلاة ، ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته ، فهو يحب أن يقضي حاجته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا موسى ، ثنا جويرية ، عن نافع قال : كان عبد الله بن عمر يجمع بين المغرب والعشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيدخل فينتفض ، ويتوضأ ولا يصلي حتى يجيء جمعا . تفرد به البخاري ، رحمه الله ، من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا آدم ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري عن سالم بن [ ص: 590 ] عبد الله ، عن ابن عمر قال : جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع ، كل واحدة منهما بإقامة ، ولم يسبح بينهما ، ولا على إثر واحدة منهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال مسلم : حدثني حرملة ، حدثني ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع ، ليس بينهما سجدة ، فصلى المغرب ثلاث ركعات ، وصلى العشاء ركعتين ، فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى مسلم من حديث شعبة ، عن الحكم وسلمة بن كهيل ، عن سعيد بن جبير ، أنه صلى المغرب بجمع والعشاء بإقامة واحدة ، ثم حدث عن ابن عمر أنه صلى مثل ذلك . وحدث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك . ثم رواه من طريق الثوري ، عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا عبد الله بن نمير ثنا [ ص: 591 ] إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق قال : قال سعيد بن جبير أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعا فصلى بنا المغرب والعشاء بإقامة واحدة ، ثم انصرف فقال : هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا خالد بن مخلد ، ثنا سليمان بن بلال ، حدثني يحيى بن سعيد ، حدثني عدي بن ثابت ، حدثني عبد الله بن يزيد الخطمي ، حدثني أبو أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة . ورواه البخاري أيضا في المغازي ، عن القعنبي ، عن مالك ، ومسلم من حديث سليمان بن بلال والليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عدي بن ثابت به . ورواه النسائي أيضا ، عن الفلاس ، عن يحيى القطان ، عن شعبة ، عن عدي بن ثابت به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال البخاري : باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما . حدثنا عمرو بن خالد ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا أبو إسحاق ، سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول : حج عبد الله ، فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك ، فأمر رجلا فأذن وأقام ، ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ، ثم دعا بعشائه فتعشى ، ثم أمر رجلا فأذن وأقام - قال عمرو : لا أعلم الشك إلا من زهير - ثم صلى العشاء ركعتين ، فلما طلع الفجر قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم . قال عبد الله : هما صلاتان تحولان عن وقتهما ; صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة ، والفجر حين يبزغ [ ص: 592 ] الفجر . قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله . وهذا اللفظ ، وهو قوله : والفجر حين يبزغ الفجر . أبين وأظهر من الحديث الآخر الذي رواه البخاري ، عن حفص بن عمر بن غياث ، عن أبيه ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين ; جمع بين المغرب والعشاء ، وصلى الفجر قبل ميقاتها . ورواه مسلم من حديث أبي معاوية وجرير ، عن الأعمش به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال جابر في حديثه : ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح بأذان وإقامة . وقد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : ثنا هشيم ، ثنا ابن أبي خالد وزكريا ، عن الشعبي ، أخبرني عروة بن مضرس قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجمع ، فقلت : يا رسول الله ، جئتك من جبلي طيء ، أتعبت نفسي وأنصبت راحلتي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال : " من شهد معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الفجر - بجمع ، ووقف معنا حتى نفيض منه ، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه وقضى تفثه " . وقد رواه الإمام أحمد أيضا ، وأهل السنن الأربعة من طرق عن الشعبي ، عن عروة بن [ ص: 593 ] مضرس ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية