الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أصغر من أخيه عبد الله بسنة . وأمهما أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية . وكان عبيد الله كريما جميلا وسيما ، يشبه أباه في الجمال . [ ص: 334 ] روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرا ثم يقول : " من سبق إلي فله كذا " . فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد استنابه علي بن أبي طالب في أيام خلافته على اليمن ، وحج بالناس في سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين ، فلما كان سنة ثمان وثلاثين اختلف هو ويزيد بن شجرة الرهاوي الذي قدم على الحج من جهة معاوية ، ثم اصطلحا على شيبة بن عثمان الحجبي ، فأقام للناس الحج عامئذ ، ثم لما صارت الشوكة لمعاوية تسلط على عبيد الله بسر بن أبي أرطاة ، فقتل له ولدين ، وجرت أمور باليمن قد ذكرنا بعضها . وكان يقدم هو وأخوه عبد الله المدينة فيوسعهم عبد الله علما ، ويوسعهم عبيد الله كرما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي أنه نزل في مسير له ، مع مولى له على خيمة رجل من الأعراب ، فلما رآه الأعرابي أعظمه وأجله ، ورأى حسنه وشكله ، فقال لامرأته : ويحك ! ماذا عندك لضيفنا هذا ؟ فقالت : ليس عندنا إلا هذه الشويهة التي حياة ابنتك من لبنها . فقال : إنه لا بد من ذبحها . فقالت : أتقتل ابنتك ؟ فقال : وإن . فأخذ الشفرة والشاة ، وجعل يذبحها ويسلخها ، وهو يقول مرتجزا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا جارتي لا توقظي البنيه [ ص: 335 ] إن توقظيها تنتحب عليه     وتنزع الشفرة من يديه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم هيأها طعاما ، فوضعها بين يدي عبيد الله ومولاه فعشاهما ، وكان عبيد الله قد سمع محاورته لامرأته في الشاة ، فلما أراد الارتحال قال لمولاه : ويلك ! ماذا معك من المال ؟ فقال : معي خمسمائة دينار فضلت من نفقتك . فقال : ادفعها إلى الأعرابي . فقال : سبحان الله ، تعطيه خمسمائة دينار ، وإنما ذبح لك شاة واحدة تساوي خمسة دراهم ؟ ! فقال : ويحك ! والله لهو أسخى منا وأجود ; لأنا إنما أعطيناه بعض ما نملك ، وجاد هو علينا بجميع ما يملك ، وآثرنا على مهجة نفسه وولده . فبلغ ذلك معاوية فقال : لله در عبيد الله ! من أي بيضة خرج ؟ ! ومن أي شيء درج ؟ !

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال خليفة بن خياط : توفي سنة ثمان وخمسين . وقال غيره : توفي في أيام يزيد بن معاوية . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : توفي في سنة سبع وثمانين . وكانت وفاته بالمدينة ، وقيل : باليمن . وله حديث واحد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أحمد : ثنا هشيم ، ثنا يحيى بن أبي إسحاق ، عن سليمان بن يسار ، [ ص: 336 ] عن عبيد الله بن عباس قال : جاءت الغميصاء - أو الرميصاء - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها ; تزعم أنه لا يصل إليها ، فما كان إلا يسيرا حتى جاء زوجها ، فزعم أنها كاذبة ، وأنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس لك ذلك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره " . وأخرجه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن هشيم به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية