ثم قال : فصل :
nindex.php?page=treesubj&link=29572والاختلاف في التفسير على نوعين : منه ما مستنده النقل فقط ، ومنه ما يعلم بغير ذلك .
والمنقول إما عن المعصوم أو غيره . ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره . ومنه ما لا يمكن ذلك . وهذا القسم الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامته مما لا فائدة فيه ، ولا حاجة بنا إلى معرفته ، وذلك كاختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف واسمه ، وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ، وفي قدر سفينة
نوح وخشبها ، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر ، ونحو ذلك . فهذه الأمور طريق العلم بها النقل ، فما كان منه منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ، وما لا بأن نقل عن أهل الكتب
ككعب ووهب ، وقف عن تصديقه وتكذيبه لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979861إذا حدثكم أهل [ ص: 440 ] الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم
وكذا ما نقل عن بعض التابعين . وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب ، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض ، وما نقل في ذلك عن الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما ينقل عن التابعين ، لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو من بعض من سمعه منه أقوى ، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين . ومع جزم الصحابي بما يقوله ، كيف يقال : إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم .
وأما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه : فهذا موجود كثيرا ولله الحمد ، وإن قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ثلاثة ليس لها أصل : التفسير ، والملاحم ، والمغازي ، وذلك لأن الغالب عليها المراسيل .
[ ص: 441 ] وأما ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفا ، لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين ، مثل تفسير
عبد الرزاق ، nindex.php?page=showalam&ids=14906والفريابي ، nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع ، nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ، وإسحاق وأمثالهم .
أحدهما : قوم اعتقدوا معاني ، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها .
والثاني : قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان من الناطقين بلغة العرب ، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به .
nindex.php?page=treesubj&link=28968فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه ، من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان .
والآخرون : راعوا مجرد اللفظ ، وما يجوز أن يراد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام ، ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة ، كما يغلط في ذلك الذين قبلهم ، كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون ، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق .
nindex.php?page=treesubj&link=28968والأولون صنفان : تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به ، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به ، وفي كلا الأمرين قد يكونوا ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا ، فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول ، وقد يكون حقا فيكون خطؤهم في الدليل لا في المدلول .
[ ص: 442 ] فالذين أخطئوا فيهما مثل طوائف من أهل البدع اعتقدوا مذاهب باطلة ، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على رأيهم ، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين ، لا في رأيهم ولا في تفسيرهم ، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم ، مثل تفسير
عبد الرحمن بن كيسان الأصم ، والجبائي ، وعبد الجبار ، والرماني ، nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري ، وأمثالهم .
ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة ، يدس البدع في كلامه ، وأكثر الناس لا يعلمون كصاحب الكشاف ونحوه ، حتى إنه يروج على خلق كثير من أهل السنة كثير من تفاسيرهم الباطلة .
وتفسير
ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة ، وأسلم من البدعة ، ولو ذكر كلام السلف المأثور عنهم على وجهه لكان أحسن ، فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ، وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا ، ثم إنه يدع ما ينقله عن السلف ، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين ، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به
المعتزلة أصولهم ، وإن كانوا أقرب إلى السنة من
المعتزلة ، لكن ينبغي أن يعطى كل ذي حق حقه ، فإن الصحابة والتابعين والأئمة إذا كان لهم في الآية تفسير ، وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر لأجل مذهب اعتقدوه ، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين ، صار مشاركا للمعتزلة وغيرهم من أهل البدع في مثل هذا .
وفي الجملة : من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك ، بل مبتدعا; لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه ، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله .
وأما الذين أخطئوا في الدليل لا في المدلول : فمثل كثير من
الصوفية والوعاظ والفقهاء يفسرون القرآن بمعان صحيحة في نفسها ، لكن القرآن لا يدل عليها ، مثل كثير مما ذكره
السلمي في الحقائق ، فإن كان فيما ذكروه معان باطلة دخل في القسم الأول . انتهى كلام
ابن تيمية ملخصا ، وهو نفيس جدا .
وقال
الزركشي في البرهان :
[ ص: 443 ] nindex.php?page=treesubj&link=28960للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة : أمهاتها أربعة :
الأول : النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو الطراز المعلم ، لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع ، فإنه كثير; ولهذا قال
أحمد : ثلاث كتب لا أصل لها : المغازي والملاحم والتفسير .
قال المحققون من أصحابه : مراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة ، وإلا فقد صح في ذلك كثير ، كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام ، والحساب اليسير بالعرض ، والقوة بالرمي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ الأنفال : 60 ] . قلت : الذي صح في ذلك قليل جدا ، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة ، وسأسردها كلها آخر الكتاب إن شاء الله تعالى .
الثاني : الأخذ بقول الصحابي : فإن تفسيره عندهم بمنزلة المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قاله
الحاكم في مستدركه .
وقال
أبو الخطاب من الحنابلة : يحتمل أن لا يرجع إليه إذا قلنا إن قوله ليس بحجة والصواب الأول لأنه من باب الرواية لا الرأي .
[ ص: 444 ] قلت : ما قاله
الحاكم نازعه فيه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وغيره من المتأخرين بأن ذلك مخصوص بما فيه سبب النزول أو نحوه مما لا مدخل للرأي فيه . ثم رأيت
الحاكم نفسه صرح به في علوم الحديث فقال : ومن الموقوفات تفسير الصحابة .
وأما من يقول : إن تفسير الصحابة مسند فإنما يقول فيما فيه سبب النزول ، فقد خصص هنا وعمم في المستدرك ، فاعتمد الأول . والله أعلم .
ثم قال
الزركشي : وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن
أحمد ، واختار
ابن عقيل المنع ، وحكوه عن
شعبة ، لكن عمل المفسرين على خلافه ، فقد حكوا في كتبهم أقوالهم; لأن غالبها تلقوها من الصحابة ، وربما يحكى عنهم عبارات مختلفة الألفاظ ، فيظن من لا فهم عنده أن ذلك اختلاف محقق ، فيحكيه أقوالا ، وليس كذلك بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى من الآية ، لكونه أظهر عنده ، أو أليق بحال السائل ، وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره ، والآخر بمقصوده وثمرته ، والكل يئول إلى معنى واحد غالبا ، فإن لم يمكن الجمع فالمتأخر من القولين عن الشخص الواحد مقدم إن استويا في الصحة عنه ، وإلا فالصحيح المقدم .
الثالث : الأخذ بمطلق اللغة : فإن القرآن نزل بلسان عربي; وهذا قد ذكره جماعة ، ونص عليه
أحمد في مواضع; لكن نقل
الفضل بن زياد عنه أنه سئل عن القرآن ، يمثل له الرجل ببيت من الشعر ؟ فقال : ما يعجبني فقيل ظاهره المنع .
ولهذا قال بعضهم في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=28962تفسير القرآن بمقتضى اللغة روايتان عن
أحمد .
وقيل : الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب ، ولا يوجد غالبا إلا في الشعر ونحوه ، ويكون المتبادر خلافها .
وروى
البيهقي في الشعب عن
مالك قال : لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا .
[ ص: 445 ] الرابع : التفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع : وهذا هو الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس حيث قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979862اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل والذي عناه
علي بقوله : إلا فهما يؤتاه الرجل في القرآن .
ومن هنا اختلف الصحابة في معنى الآية فأخذ كل برأيه على منتهى نظره .
ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم [ الإسراء : 36 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [ البقرة : 169 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] . فأضاف البيان إليه .
وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979863من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أخرجه
أبو داود [ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979864من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار أخرجه
أبو داود .
قال
البيهقي في الحديث الأول : هذا - إن صح - فإنما أراد - والله أعلم - الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه ، وأما الذي يسنده برهان فالقول به جائز .
وقال في المدخل : في هذا الحديث نظر وإن صح فإنما أراد به - والله أعلم - فقد أخطأ الطريق فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة ، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه ، وسبب نزوله وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة الذين شاهدوا تنزيله ، وأدوا إلينا من السنن ما يكون بيانا لكتاب الله تعالى ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ النحل : 44 ] . فما ورد بيانه من صاحب الشرع ففيه كفاية عن فكرة من بعده ، وما لم يرد عنه بيانه ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده ، ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد .
قال : وقد يكون المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه ، فيكون موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة .
وقال
الماوردي : قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره وامتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده ولو صحبها الشواهد ولم يعارض شواهدها نص صريح ، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83لعلمه الذين يستنبطونه منهم [ النساء : 83 ] . ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء بالاستنباط ، ولما فهم الأكثرون من كتاب الله شيئا ، وإن صح الحديث فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ، ولم يعرج على سوى لفظه وأصاب الحق ، فقد أخطأ الطريق ، وإصابته اتفاق إذ الغرض أنه مجرد رأي لا شاهد له .
وفي الحديث :
القرآن [ ص: 447 ] ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه أخرجه
أبو نعيم وغيره من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
فقوله : ذلول يحتمل معنيين : أحدهما أنه مطيع لحامليه تنطق به ألسنتهم .
والثاني : أنه موضح لمعانيه حتى لا تقصر عنه أفهام المجتهدين .
وقوله : ذو وجوه يحتمل معنيين : أحدهما أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها في التأويل .
والثاني أنه قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والتحليل والتحريم .
وقوله : فاحملوه على أحسن وجوهه يحتمل معنيين : أحدهما الحمل على أحسن معانيه .
والثاني : أحسن ما فيه من العزائم دون الرخص ، والعفو دون الانتقام ، وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى انتهى .
وقال
أبو الليث : النهي إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه [ آل عمران : 7 ] . لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق فلو لم يجب التفسير لم تكن الحجة بالغة فإذا كان كذلك لجاز لمن عرف لغات العرب وأسباب النزول أن يفسره . وأما من لم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على وجه التفسير ، ولو أنه يعلم التفسير وأراد أن يستخرج من الآية حكما أو دليل الحكم فلا بأس به . ولو قال : المراد من الآية كذا من غير أن يسمع فيه شيئا فلا يحل ، وهو الذي نهي عنه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري في الحديث الأول : حمله بعض أهل العلم على أن الرأي معني به الهوى . فمن قال في القرآن قولا يوافق هواه - فلم يأخذه عن أئمة السلف - وأصاب فقد
[ ص: 448 ] أخطأ لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه .
وقال في الحديث الثاني : له معنيان :
أحدهما : من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل - من الصحابة والتابعين - فهو متعرض لسخط الله تعالى .
والآخر وهو الأصح : من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده من النار .
وقال
البغوي والكواشي وغيرهما :
nindex.php?page=treesubj&link=28962_28956التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وبعدها تحتمله الآية ، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط . غير محظور على العلماء بالتفسير كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انفروا خفافا وثقالا [ التوبة : 41 ] . قيل : شبابا وشيوخا وقيل : أغنياء وفقراء وقيل : عزابا ومتأهلين وقيل : نشاطا وغير نشاط . وقيل : أصحاء ومرضى ، وكل ذلك سائغ والآية تحتمله .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28962_28956التأويل المخالف للآية والشرع فمحظور; لأنه تأويل الجاهلين مثل تأويل الروافض قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=19مرج البحرين يلتقيان [ الرحمن : 19 ] . أنهما
علي وفاطمة nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=22يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [ الرحمن : 22 ] . يعني :
الحسن والحسين .
وقال بعضهم : اختلف الناس في
nindex.php?page=treesubj&link=28959تفسير القرآن : هل يجوز لكل أحد الخوض فيه ؟
فقال قوم : لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن ، وإن كان عالما أديبا متسعا في معرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار ، وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
ومنهم من قال : يجوز تفسيره لمن كان جامعا
nindex.php?page=treesubj&link=28960للعلوم التي يحتاج المفسر إليها ، [ ص: 449 ] وهي خمسة عشر علما .
أحدها : اللغة لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع . قال
مجاهد : لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب . وتقدم قول الإمام
مالك في ذلك ، ولا يكفي في حقه معرفة اليسير منها فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد الآخر .
الثاني : النحو لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب فلا بد من اعتباره .
أخرج
أبو عبيد عن
الحسن أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته فقال : حسن فتعلمها ، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها فيهلك فيها .
الثالث : التصريف لأن به تعرف الأبنية والصيغ . قال
ابن فارس : ومن فاته علمه فاته المعظم لأن ( وجد ) مثلا كلمة مبهمة فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري :
nindex.php?page=treesubj&link=29575من بدع التفاسير قول من قال : إن الإمام في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=71يوم ندعوا كل أناس بإمامهم [ الإسراء : 71 ] . جمع ( أم ) وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم قال : وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف فإن أما لا تجمع على إمام .
الرابع : الاشتقاق لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف المعنى باختلافهما كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح .
الخامس والسادس والسابع : المعاني والبيان والبديع : لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى ، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها ، وبالثالث وجوه تحسين الكلام ، وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة وهي من أعظم أركان المفسر; لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز وإنما يدرك بهذه العلوم .
وقال
السكاكي : اعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها ، وكالملاحة ولا طريق إلى تحصيله لغير ذوي الفطر السليمة إلا التمرن على علمي المعاني والبيان .
[ ص: 450 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12450ابن أبي الحديد : اعلم أن معرفة الفصيح والأفصح ، والرشيق والأرشق من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق ، ولا يمكن إقامة الدلالة عليه ، وهو بمنزلة جاريتين : إحداهما بيضاء مشربة بحمرة ، دقيقة الشفتين ، نقية الثغر ، كحلاء العينين ، أسيلة الخد ، دقيقة الأنف ، معتدلة القامة ، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن ، لكنها أحلى في العيون والقلوب منها ، ولا يدرى سبب ذلك ، ولكنه يعرف بالذوق والمشاهدة ولا يمكن تعليله ، وهكذا الكلام . نعم يبقى الفرق بين الوصفين : أن حسن الوجوه وملاحتها ، وتفضيل بعضها على بعض يدركه كل من له عين صحيحة .
وأما الكلام فلا يدرك إلا بالذوق ، وليس كل من اشتغل بالنحو واللغة والفقه يكون من أهل الذوق وممن يصلح لانتقاد الكلام ، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان ، وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر ، وصارت لهم بذلك دراية وملكة تامة ، فإلى أولئك ينبغي أن يرجع في معرفة الكلام ، وفضل بعضه على بعض .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : من حق مفسر كتاب الله الباهر وكلامه المعجز أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه ، والبلاغة على كمالها ، وما وقع به التحدي سليما من القادح .
وقال غيره : معرفة هذه الصناعة بأوضاعها هي عمدة التفسير المطلع على عجائب كلام الله تعالى ، وهي قاعدة الفصاحة وواسطة عقد البلاغة .
الثامن : علم القراءات : لأنه به يعرف كيفية النطق بالقرآن ، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض .
التاسع : أصول الدين بما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما لا يجوز على الله تعالى ، فالأصولي يئول ذلك ، ويستدل على ما يستحيل وما يجب وما يجوز .
العاشر : أصول الفقه : إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط .
الحادي عشر : أسباب النزول والقصص : إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه .
الثاني عشر : الناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره .
الثالث عشر : الفقه .
[ ص: 451 ] الرابع عشر : الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم .
الخامس عشر : علم الموهبة : وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم ، وإليه الإشارة بحديث :
من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا : وعلوم القرآن وما يستنبطه منه بحر لا ساحل له .
قال : فهذه العلوم التي هي كالآلة للمفسر لا يكون مفسرا إلا بتحصيلها فمن فسر بدونها كان مفسرا بالرأي المنهي عنه ، وإذا فسر مع حصولها لم يكن مفسرا بالرأي المنهي عنه .
قال : والصحابة والتابعون كان عندهم علوم العربية بالطبع لا بالاكتساب ، واستفادوا العلوم الأخرى من النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : ولعلك تستشكل علم الموهبة وتقول : هذا شيء ليس في قدرة الإنسان ، وليس كما ظننت من الإشكال ، والطريق في تحصيله ارتكاب الأسباب الموجبة له من العمل والزهد .
قال في البرهان : اعلم أنه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي ، ولا يظهر له أسراره ، وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حب الدنيا ، أو وهو مصر على ذنب ، أو غير متحقق بالإيمان ، أو ضعيف التحقيق ، أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده علم ، أو راجع إلى معقوله ، وهذه كلها حجب وموانع بعضها آكد من بعض .
قلت : وفي هذا المعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق [ الأعراف : 14 ] . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة : يقول أنزع عنهم فهم القرآن . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره من طرق
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=treesubj&link=28966التفسير أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تعلمه العلماء ،
[ ص: 452 ] وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى .
ثم رواه مرفوعا بسند ضعيف بلفظ :
أنزل القرآن على أربعة أحرف : حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تفسره العرب ، وتفسير تفسره العلماء ، ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ، ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب قال
الزركشي في البرهان في قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هذا تقسيم صحيح .
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=29572الذي تعرفه العرب فهو الذي يرجع فيه إلى لسانهم ، وذلك اللغة والإعراب . فأما اللغة فعلى المفسر معرفة معانيها ومسميات أسمائها ، ولا يلزم ذلك القارئ ، ثم إن كان ما يتضمنه ألفاظها يوجب العمل دون العلم ، كفى فيه خبر الواحد والاثنين ، والاستشهاد بالبيت والبيتين . وإن كان يوجب العلم لم يكف ذلك بل لا بد أن يستفيض ذلك اللفظ ، وتكثر شواهده من الشعر .
وأما الإعراب فما كان اختلافه محيلا للمعنى وجب على المفسر والقارئ تعلمه ، ليتوصل المفسر إلى معرفة الحكم ، ويسلم القارئ من اللحن ، وإن لم يكن محيلا للمعنى وجب تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن ، ولا يجب على المفسر لوصوله إلى المقصود بدونه .
وأما ما لا يعذر أحد بجهله فهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد ، وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى ، فهذا القسم لا يلتبس تأويله ، إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد ، من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19فاعلم أنه لا إله إلا الله [ محمد : 19 ] . وأنه لا شريك له في الإلهية وإن لم يعلم أن ( لا ) موضوعة في اللغة للنفي و ( إلا ) للإثبات ، وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر ، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [ البقرة : 43 ] . ونحوه طلب إيجاب المأمور به ، وإن لم يعلم أن صيغة ( افعل ) للوجوب ، فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدعي الجهل بمعاني ألفاظه ، لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة .
وأما ما
nindex.php?page=treesubj&link=28962لا يعلمه إلا الله تعالى فهو ما يجري مجرى الغيوب نحو الآي المتضمنة
[ ص: 453 ] قيام الساعة وتفسير الروح ، والحروف المقطعة وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق ، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره ، ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف ، بنص من القرآن أو الحديث أو إجماع الأمة على تأويله .
وأما ما
nindex.php?page=treesubj&link=28956يعلمه العلماء ويرجع إلى اجتهادهم فهو الذي يغلب عليه إطلاق التأويل وذلك استنباط الأحكام ، وبيان المجمل وتخصيص العموم ، وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه ، وعليهم اعتماد الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي ، فإن كان أحد المعنيين أظهر وجب الحمل عليه ، إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي ، وإن استويا والاستعمال فيهما حقيقة لكن في أحدهما حقيقة لغوية أو عرفية وفي الآخر شرعية ، فالحمل على الشرعية أولى إلا أن يدل دليل على إرادة اللغوية كما في :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم [ التوبة : 103 ] .
ولو كان في أحدهما عرفية والآخر لغوية فالحمل على العرفية أولى ، وإن اتفقا في ذلك أيضا ، فإن تنافى اجتماعهما ، ولم يمكن إرادتهما باللفظ الواحد كالقرء للحيض والطهر اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه ، فما ظنه فهو مراد الله تعالى في حقه . وإن لم يظهر له شيء فهل يتخير في الحمل على أيهما شاء ، ويأخذ بالأغلظ حكما ، أو بالأخف ؟ أقوال . وإن لم يتنافيا وجب الحمل عليهما عند المحققين ، ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة ، إلا إن دل دليل على إرادة أحدهما . إذا عرف ذلك فينزل حديث :
nindex.php?page=treesubj&link=28964_24912nindex.php?page=hadith&LINKID=979867من تكلم في القرآن برأيه على قسمين من هذه الأربعة :
أحدهما تفسير اللفظ لاحتياج المفسر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب .
والثاني حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم ، والتبحر في العربية واللغة . ومن الأصول ما يدرك به حدود الأشياء ، وصيغ الأمر والنهي والخبر ، والمجمل والمبين ، والعموم والخصوص ، والمطلق والمقيد ، والمحكم والمتشابه ، والظاهر والمئول ، والحقيقة والمجاز ، والصريح والكناية . ومن الفروع ما يدرك به الاستنباط .
[ ص: 454 ] وهذا أقل ما يحتاج إليه ، ومع ذلك فهو على خطر فعليه أن يقول : يحتمل كذا ولا يجزم إلا في حكم اضطر إلى الفتوى به ، فأدى اجتهاده إليه فيجزم مع تجويز خلافه . انتهى .
وقال
ابن النقيب : جملة ما تحصل في معنى
nindex.php?page=treesubj&link=24912_28964حديث التفسير بالرأي خمسة أقوال .
أحدهما : التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير .
الثاني : تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله .
والثالث : التفسير المقرر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلا والتفسير تابعا ، فيرد إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيفا .
الرابع : التفسير بأن مراد الله كذا على القطع من غير دليل .
الخامس : التفسير بالاستحسان والهوى .
ثم قال : واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29568علوم القرآن ثلاثة أقسام .
الأول : علم لم يطلع الله عليه أحدا من خلقه ، وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه ، من معرفة كنه ذاته وغيوبه التي لا يعلمها إلا هو ، وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه بوجه من الوجوه إجماعا .
الثاني : ما أطلع الله عليه نبيه من أسرار الكتاب واختصه به وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا له صلى الله عليه وسلم أو لمن أذن له . قال : وأوائل السور من هذا القسم ، وقيل : من القسم الأول .
الثالث : علوم علمها الله نبيه مما أودع كتابه من المعاني الجلية والخفية وأمره بتعليمها ، وهذا ينقسم إلى قسمين :
منه
nindex.php?page=treesubj&link=28961ما لا يجوز الكلام فيه إلا بطريق السمع : وهو أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، والقراءات ، واللغات ، وقصص الأمم الماضية ، وأخبار ما هو كائن من الحوادث ، وأمور الحشر والمعاد .
ومنه ما يؤخذ بطريق النظر والاستدلال والاستنباط والاستخراج من الألفاظ : وهو قسمان :
قسم اختلفوا في جوازه : وهو تأويل الآيات المتشابهات في الصفات .
[ ص: 455 ] وقسم اتفقوا عليه : وهو استنباط الأحكام الأصلية والفرعية والإعرابية لأن مبناها على الأقيسة ، وكذلك فنون البلاغة وضروب المواعظ والحكم والإرشادات لا يمتنع استنباطها منه ، واستخراجها لمن له أهلية . انتهى ملخصا .
وقال
أبو حيان : ذهب بعض من عاصرناه إلى أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تركيبه بالإسناد إلى
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس وعكرمة وأضرابهم ، وأن فهم الآيات يتوقف على ذلك . قال : وليس كذلك .
وقال
الزركشي بعد حكاية ذلك : الحق أن علم التفسير منه ما يتوقف على النقل : كسبب النزول ، والنسخ ، وتعيين المبهم ، وتبيين المجمل ، ومنه ما لا يتوقف ويكفي في تحصيله الثقة على الوجه المعتبر . قال : وكأن السبب في اصطلاح كثير على التفرقة بين التفسير والتأويل التمييز بين المنقول والمستنبط ، ليحيل على الاعتماد في المنقول وعلى النظر في المستنبط .
قال : واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29569_29570_29571القرآن قسمان : قسم ورد تفسيره بالنقل وقسم لم يرد .
والأول إما أن يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو رءوس التابعين .
فالأول يبحث فيه عن صحة السند ، والثاني ينظر في تفسير الصحابي ، فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم ، أو بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه . وحينئذ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة : فإن أمكن الجمع فذاك ، وإن تعذر قدم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بذلك حيث قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979868اللهم علمه التأويل .
وقد رجح
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قول
زيد في الفرائض ، لحديث :
أفرضكم زيد وأما ما ورد عن التابعين : فحيث جاز الاعتماد فيما سبق فكذلك هنا ، وإلا وجب الاجتهاد .
[ ص: 456 ] وأما ما لم يرد فيه نقل فهو قليل ، وطريق التوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب ومدلولاتها ، واستعمالها بحسب السياق ، وهذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب المفردات فيذكر قيدا زائدا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ لأنه اقتضاه السياق . انتهى .
قلت : وقد جمعت كتابا مسندا فيه تفاسير النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ، فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف ، وقد تم ولله الحمد في أربع مجلدات وسميته : " ترجمان القرآن " ورأيت وأنا في أثناء تصنيفه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، في قصة طويلة تحتوي على بشارة حسنة .
ثُمَّ قَالَ : فَصْلٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=29572وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ عَلَى نَوْعَيْنِ : مِنْهُ مَا مُسْتَنَدُهُ النَّقْلُ فَقَطْ ، وَمِنْهُ مَا يُعْلَمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
وَالْمَنْقُولُ إِمَّا عَنِ الْمَعْصُومِ أَوْ غَيْرِهِ . وَمِنْهُ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ . وَمِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ . وَهَذَا الْقِسْمُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صَحِيحِهِ مِنْ ضَعِيفِهِ عَامَّتُهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي لَوْنِ كَلْبِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَاسْمِهِ ، وَفِي الْبَعْضِ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيلُ مِنَ الْبَقَرَةِ ، وَفِي قَدْرِ سَفِينَةِ
نُوحٍ وَخَشَبِهَا ، وَفِي اسْمِ الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذِهِ الْأُمُورُ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهَا النَّقْلُ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ مَنْقُولًا نَقْلًا صَحِيحًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلُ ، وَمَا لَا بِأَنْ نُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْكُتُبِ
كَكَعْبٍ وَوَهْبٍ ، وَقَفَ عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979861إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ [ ص: 440 ] الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ
وَكَذَا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ . وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَمَتَى اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ ، وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إِلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا يُنْقَلُ عَنِ التَّابِعِينَ ، لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى ، وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مَنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ . وَمَعَ جَزْمِ الصَّحَابِيِّ بِمَا يَقُولُهُ ، كَيْفَ يُقَالَ : إِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ .
وَأَمَّا الْقَسَمُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الصَّحِيحِ مِنْهُ : فَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ، وَإِنْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ : ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ : التَّفْسِيرُ ، وَالْمَلَاحِمُ ، وَالْمَغَازِي ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْمَرَاسِيلُ .
[ ص: 441 ] وَأَمَّا مَا يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ لَا بِالنَّقْلِ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا فِيهِ الْخَطَأُ مِنْ جِهَتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَ تَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعَيْهِمْ بِإِحْسَانٍ ، فَإِنَّ التَّفَاسِيرَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ صِرْفًا ، لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ ، مِثْلَ تَفْسِيرِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، nindex.php?page=showalam&ids=14906وَالْفِرْيَابِيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=17277وَوَكِيعٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16298وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ، وَإِسْحَاقَ وَأَمْثَالِهِمْ .
أَحَدِهِمَا : قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِي ، ثُمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا .
وَالثَّانِي : قَوْمٌ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ بِمُجَرَّدِ مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُرِيدَهُ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْمُتَكَلَّمِ بِالْقُرْآنِ وَالْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبِ بِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28968فَالْأَوَّلُونَ رَاعَوُا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ مِنَ الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ .
وَالْآخَرُونَ : رَاعَوْا مُجَرَّدَ اللَّفْظِ ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعَرَبِيُّ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكَلِّمِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ ، ثُمَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ ، كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلِينَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الْآخِرُونَ ، وَإِنْ كَانَ نَظَرُ الْأَوَّلِينَ إِلَى الْمَعْنَى أَسْبَقَ وَنَظَرُ الْآخَرِينَ إِلَى اللَّفْظِ أَسْبَقَ .
nindex.php?page=treesubj&link=28968وَالْأَوَّلُونَ صِنْفَانِ : تَارَةً يَسْلُبُونَ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ ، وَتَارَةً يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ ، وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ قَدْ يَكُونُوا مَا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْمَعْنَى بَاطِلًا ، فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ ، وَقَدْ يَكُونُ حَقًّا فَيَكُونُ خَطَؤُهُمْ فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ .
[ ص: 442 ] فَالَّذِينَ أَخْطَئُوا فِيهِمَا مِثْلَ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ اعْتَقَدُوا مَذَاهِبَ بَاطِلَةً ، وَعَمَدُوا إِلَى الْقُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى رَأْيِهِمْ ، وَلَيْسَ لَهُمْ سَلَفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، لَا فِي رَأْيِهِمْ وَلَا فِي تَفْسِيرِهِمْ ، وَقَدْ صَنَّفُوا تَفَاسِيرَ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِمْ ، مِثْلَ تَفْسِيرِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ ، وَالْجِبَائِيِّ ، وَعَبْدِ الْجَبَّارِ ، وَالرُّمَّانِيِّ ، nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيِّ ، وَأَمْثَالِهِمْ .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْعِبَارَةِ ، يَدُسُّ الْبِدَعَ فِي كَلَامِهِ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَنَحْوِهِ ، حَتَّى إِنَّهُ يَرُوجُ عَلَى خَلْقِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثِيرٌ مِنْ تَفَاسِيرِهِمُ الْبَاطِلَةِ .
وَتَفْسِيرُ
ابْنِ عَطِيَّةَ وَأَمْثَالِهِ أَتْبَعُ لِلسُّنَّةِ ، وَأَسْلَمُ مِنَ الْبِدْعَةِ ، وَلَوْ ذَكَرَ كَلَامَ السَّلَفِ الْمَأْثُورِ عَنْهُمْ عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَنْقُلُ مِنْ تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ التَّفَاسِيرِ وَأَعْظَمِهَا قَدْرًا ، ثُمَّ إِنَّهُ يَدَعُ مَا يَنْقُلُهُ عَنِ السَّلَفِ ، وَيَذْكُرُ مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِمْ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ قَرَّرُوا أُصُولَهُمْ بِطُرُقٍ مَنْ جِنْسِ مَا قَرَّرَتْ بِهِ
الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَهُمْ ، وَإِنْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى السُّنَّةِ مَنِ
الْمُعْتَزِلَةِ ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةَ إِذَا كَانَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ تَفْسِيرٌ ، وَجَاءَ قَوْمٌ فَسَّرُوا الْآيَةَ بِقَوْلٍ آخَرَ لِأَجْلِ مَذْهَبٍ اعْتَقَدُوهُ ، وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ مِنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، صَارَ مُشَارِكًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فِي مِثْلِ هَذَا .
وَفِي الْجُمْلَةِ : مَنْ عَدَلَ عَنْ مَذَاهِبِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَفْسِيرِهِمْ إِلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ ، بَلْ مُبْتَدِعًا; لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ ، كَمَا أَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ .
وَأَمَّا الَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي الدَّلِيلِ لَا فِي الْمَدْلُولِ : فَمِثْلُ كَثِيرٍ مِنَ
الصُّوفِيَّةِ وَالْوُعَّاظِ وَالْفُقَهَاءِ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِمَعَانٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِهَا ، لَكِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا ، مِثْلَ كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرَهُ
السُّلَمِيُّ فِي الْحَقَائِقِ ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مَعَانٍ بَاطِلَةٌ دَخَلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ . انْتَهَى كَلَامُ
ابْنِ تَيْمِيَةَ مُلَخَّصًا ، وَهُوَ نَفِيسٌ جِدًّا .
وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَانِ :
[ ص: 443 ] nindex.php?page=treesubj&link=28960لِلنَّاظِرِ فِي الْقُرْآنِ لِطَلَبِ التَّفْسِيرِ مَآخِذُ كَثِيرَةٌ : أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعَةٌ :
الْأَوَّلُ : النَّقْلُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الطِّرَازُ الْمُعَلِّمُ ، لَكِنْ يَجِبُ الْحَذِرُ مِنَ الضَّعِيفِ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعِ ، فَإِنَّهُ كَثِيرٌ; وَلِهَذَا قَالَ
أَحْمَدُ : ثَلَاثُ كُتُبٍ لَا أَصْلَ لَهَا : الْمَغَازِي وَالْمَلَاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ .
قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ : مُرَادُهُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَسَانِيدُ صِحَاحٌ مُتَّصِلَةٌ ، وَإِلَّا فَقَدَ صَحَّ فِي ذَلِكَ كَثِيرٌ ، كَتَفْسِيرِ الظُّلْمِ بِالشِّرْكِ فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ ، وَالْحِسَابِ الْيَسِيرِ بِالْعَرْضِ ، وَالْقُوَّةِ بِالرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [ الْأَنْفَالِ : 60 ] . قُلْتُ : الَّذِي صَحَّ فِي ذَلِكَ قَلِيلٌ جِدًّا ، بَلْ أَصْلُ الْمَرْفُوعِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ ، وَسَأَسْرُدُهَا كُلَّهَا آخِرَ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
الثَّانِي : الْأَخْذُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ : فَإِنَّ تَفْسِيرَهُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَهُ
الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ .
وَقَالَ
أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ : يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَيْهِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لَا الرَّأْيِ .
[ ص: 444 ] قُلْتُ : مَا قَالَهُ
الْحَاكِمُ نَازَعَهُ فِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا فِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ . ثُمَّ رَأَيْتُ
الْحَاكِمَ نَفْسَهُ صَرَّحَ بِهِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فَقَالَ : وَمِنَ الْمَوْقُوفَاتِ تَفْسِيرُ الصَّحَابَةِ .
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ : إِنَّ تَفْسِيرَ الصَّحَابَةِ مُسْنَدٌ فَإِنَّمَا يَقُولُ فِيمَا فِيهِ سَبَبُ النُّزُولِ ، فَقَدْ خَصَّصَ هُنَا وَعَمَّمَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، فَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ : وَفِي الرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ التَّابِعِيِّ رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَدَ ، وَاخْتَارَ
ابْنُ عُقَيْلٍ الْمَنْعَ ، وَحَكَوْهُ عَنْ
شُعْبَةَ ، لَكِنَّ عَمَلَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى خِلَافِهِ ، فَقَدْ حَكَوْا فِي كُتُبِهِمْ أَقْوَالَهُمْ; لِأَنَّ غَالِبَهَا تَلَقَّوْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَرُبَّمَا يُحْكَى عَنْهُمْ عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْفَاظِ ، فَيَظُنُّ مَنْ لَا فَهْمَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ مُحَقَّقٌ ، فَيَحْكِيهِ أَقْوَالًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَكَرَ مَعْنًى مِنَ الْآيَةِ ، لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ عِنْدَهُ ، أَوْ أَلْيَقَ بِحَالِ السَّائِلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ يُخْبِرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ وَنَظِيرِهِ ، وَالْآخَرُ بِمَقْصُودِهِ وَثَمَرَتِهِ ، وَالْكُلُّ يُئَوِّلُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ غَالِبًا ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ فَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنِ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مُقَدَّمٌ إِنِ اسْتَوَيَا فِي الصِّحَّةِ عَنْهُ ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ الْمُقَدَّمُ .
الثَّالِثُ : الْأَخْذُ بِمُطْلَقِ اللُّغَةِ : فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ; وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ
أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ; لَكِنْ نَقَلَ
الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ ، يُمَثِّلُ لَهُ الرَّجُلُ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ ؟ فَقَالَ : مَا يُعْجِبُنِي فَقِيلَ ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ .
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=28962تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ
أَحْمَدَ .
وَقِيلَ : الْكَرَاهَةُ تُحْمَلُ عَلَى صَرْفِ الْآيَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا إِلَى مَعَانٍ خَارِجَةٍ مُحْتَمَلَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْقَلِيلُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَلَا يُوجَدُ غَالِبًا إِلَّا فِي الشِّعْرِ وَنَحْوِهِ ، وَيَكُونُ الْمُتَبَادِرُ خِلَافَهَا .
وَرَوَى
الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ
مَالِكٍ قَالَ : لَا أَوُتَى بِرَجُلٍ غَيْرِ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ يُفَسِّرُ كِتَابَ اللَّهِ إِلَّا جَعَلْتُهُ نَكَالًا .
[ ص: 445 ] الرَّابِعُ : التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْعِ : وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979862اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ وَالَّذِي عَنَاهُ
عَلِيٌّ بِقَوْلِهِ : إِلَّا فَهْمًا يُؤْتَاهُ الرَّجُلُ فِي الْقُرْآنِ .
وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَأَخَذَ كُلٌّ بِرَأْيِهِ عَلَى مُنْتَهَى نَظَرِهِ .
وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [ الْإِسْرَاءِ : 36 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ : 169 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [ النَّحْلِ : 44 ] . فَأَضَافَ الْبَيَانَ إِلَيْهِ .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979863مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ [ ص: 446 ] nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979864مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ .
قَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ : هَذَا - إِنْ صَحَّ - فَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الرَّأْيَ الَّذِي يَغْلِبُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا الَّذِي يَسْنِدُهُ بُرْهَانٌ فَالْقَوْلُ بِهِ جَائِزٌ .
وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَسَبِيلُهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَفِي مَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَسَبَبِ نُزُولِهِ وَمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِهِ إِلَى أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا تَنْزِيلَهُ ، وَأَدَّوْا إِلَيْنَا مِنَ السُّنَنِ مَا يَكُونُ بَيَانًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ النَّحْلِ : 44 ] . فَمَا وَرَدَ بَيَانُهُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَفِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ فِكْرَةٍ مِنْ بَعْدِهِ ، وَمَا لَمْ يَرِدْ عَنْهُ بَيَانُهُ فَفِيهِ حِينَئِذٍ فِكْرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُ ، لِيَسْتَدِلُّوا بِمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ .
قَالَ : وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِأُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ ، فَيَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ إِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ .
وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : قَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَامْتَنَعَ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ صَحِبَهَا الشَّوَاهِدُ وَلَمْ يُعَارِضْ شَوَاهِدَهَا نَصٌّ صَرِيحٌ ، وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا تُعُبِّدْنَا بِمَعْرِفَتِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [ النِّسَاءِ : 83 ] . وَلَوْ صَحَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْلَمْ شَيْءٌ بِالِاسْتِنْبَاطِ ، وَلَمَا فَهِمَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا ، وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى سِوَى لَفْظِهِ وَأَصَابَ الْحَقَّ ، فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ ، وَإِصَابَتُهُ اتِّفَاقٌ إِذِ الْغَرَضُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ لَا شَاهِدَ لَهُ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
الْقُرْآنُ [ ص: 447 ] ذَلُولٌ ذُو وُجُوهٍ فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ أَخْرَجَهُ
أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
فَقَوْلُهُ : ذَلُولٌ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُطِيعٌ لِحَامِلِيهِ تَنْطِقُ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَعَانِيهِ حَتَّى لَا تُقَصِّرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ .
وَقَوْلُهُ : ذُو وُجُوهٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا فِي التَّأْوِيلِ .
وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ .
وَقَوْلُهُ : فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا الْحَمْلُ عَلَى أَحْسَنِ مَعَانِيهِ .
وَالثَّانِي : أَحْسَنُ مَا فِيهِ مِنَ الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ ، وَالْعَفْوِ دُونَ الِانْتِقَامِ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى .
وَقَالَ
أَبُو اللَّيْثِ : النَّهْيُ إِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا إِلَى جَمِيعِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [ آلِ عِمْرَانَ : 7 ] . لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فَلَوْ لَمْ يَجِبِ التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ أَنْ يُفَسِّرَهُ . وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ ، وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْسِيرَ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْآيَةَ حُكْمًا أَوْ دَلِيلُ الْحُكْمِ فَلَا بَأْسَ بِهِ . وَلَوْ قَالَ : الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ فِيهِ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ ، وَهُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ : حَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّأْيَ مَعْنِيٌّ بِهِ الْهَوَى . فَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يُوَافِقُ هَوَاهُ - فَلَمْ يَأْخُذْهُ عَنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ - وَأَصَابَ فَقَدَ
[ ص: 448 ] أَخْطَأَ لِحُكْمِهِ عَلَى الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَلَا يَقِفُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالنَّقْلِ فِيهِ .
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي : لَهُ مَعْنَيَانِ :
أَحَدُهُمَا : مَنْ قَالَ فِي مُشْكَلِ الْقُرْآنِ بِمَا لَا يَعْرِفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَوَائِلِ - مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِسُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالْآخَرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ : مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ .
وَقَالَ
الْبَغَوِيُّ وَالْكَوَاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=28962_28956التَّأْوِيلُ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ ، غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ . غَيْرُ مَحْظُورٍ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا [ التَّوْبَةِ : 41 ] . قِيلَ : شَبَابًا وَشُيُوخًا وَقِيلَ : أَغْنِيَاءُ وَفُقَرَاءُ وَقِيلَ : عُزَّابًا وَمُتَأَهِّلِينَ وَقِيلَ : نُشَّاطًا وَغَيْرَ نُشَّاطٍ . وَقِيلَ : أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُهُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28962_28956التَّأْوِيلُ الْمُخَالِفُ لِلْآيَةِ وَالشَّرْعِ فَمَحْظُورٌ; لِأَنَّهُ تَأْوِيلُ الْجَاهِلِينَ مِثْلَ تَأْوِيلِ الرَّوَافِضِ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=19مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [ الرَّحْمَنِ : 19 ] . أَنَّهُمَا
عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=22يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [ الرَّحْمَنِ : 22 ] . يَعْنِي :
الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28959تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ : هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ الْخَوْضُ فِيهِ ؟
فَقَالَ قَوْمٌ : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَاطَى تَفْسِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا مُتَّسِعًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ لِمَنْ كَانَ جَامِعًا
nindex.php?page=treesubj&link=28960لِلْعُلُومِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إِلَيْهَا ، [ ص: 449 ] وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ عِلْمًا .
أَحَدُهَا : اللُّغَةُ لِأَنَّ بِهَا يُعْرَفُ شَرْحُ مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ . قَالَ
مْجَاهِدٌ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِلُغَاتِ الْعَرَبِ . وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْإِمَامِ
مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ، وَلَا يَكْفِي فِي حَقِّهِ مَعْرِفَةُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمُرَادُ الْآخَرُ .
الثَّانِي : النَّحْوُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْإِعْرَابِ فَلَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِهِ .
أَخْرَجَ
أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَمِسُ بِهَا حَسَنَ الْمَنْطِقِ وَيُقِيمُ بِهَا قِرَاءَتَهُ فَقَالَ : حَسَنٌ فَتَعَلَّمْهَا ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْرَأُ الْآيَةَ فَيَعْيَا بِوَجْهِهَا فَيَهْلِكُ فِيهَا .
الثَّالِثُ : التَّصْرِيفُ لِأَنَّ بِهِ تُعْرَفُ الْأَبْنِيَةُ وَالصِّيَغُ . قَالَ
ابْنُ فَارِسٍ : وَمَنْ فَاتَهُ عِلْمُهُ فَاتَهُ الْمُعْظَمُ لِأَنَّ ( وَجَدَ ) مَثَلًا كَلِمَةٌ مُبْهَمَةٌ فَإِذَا صَرَّفْنَاهَا اتَّضَحَتْ بِمَصَادِرِهَا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=29575مِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْإِمَامَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=71يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [ الْإِسْرَاءِ : 71 ] . جَمْعُ ( أُمٍّ ) وَأَنَّ النَّاسَ يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ : وَهَذَا غَلَطٌ أَوْجَبَهُ جَهْلُهُ بِالتَّصْرِيفِ فَإِنَّ أُمًّا لَا تُجْمَعُ عَلَى إِمَامٍ .
الرَّابِعُ : الِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ مَادَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنَ السِّيَاحَةِ أَوِ الْمَسْحِ .
الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ : الْمَعَانِي وَالْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ : لِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِالْأَوَّلِ خَوَاصَّ تَرَاكِيبِ الْكَلَامِ مِنْ جِهَةِ إِفَادَتِهَا الْمَعْنَى ، وَبِالثَّانِي خَوَاصَّهَا مِنْ حَيْثُ اخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ وُضُوحِ الدَّلَالَةِ وَخَفَائِهَا ، وَبِالثَّالِثِ وُجُوهَ تَحْسِينِ الْكَلَامِ ، وَهَذِهِ الْعُلُومُ الثَّلَاثَةُ هِيَ عُلُومُ الْبَلَاغَةِ وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الْمُفَسِّرِ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاعَاةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْإِعْجَازُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُ بِهَذِهِ الْعُلُومِ .
وَقَالَ
السَّكَّاكِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ شَأْنَ الْإِعْجَازِ عَجِيبٌ يُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَاسْتِقَامَةِ الْوَزْنِ تُدْرَكُ وَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا ، وَكَالْمِلَاحَةِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى تَحْصِيلِهِ لِغَيْرِ ذَوِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ إِلَّا التَّمَرُّنُ عَلَى عِلْمَيِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ .
[ ص: 450 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12450ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ : اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْفَصِيحِ وَالْأَفْصَحِ ، وَالرَّشِيقِ وَالْأَرْشَقِ مِنَ الْكَلَامِ أَمْرٌ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالذَّوْقِ ، وَلَا يُمْكِنُ إِقَامَةُ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جَارِيَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ مُشْرَبَةٌ بِحُمْرَةٍ ، دَقِيقَةُ الشَّفَتَيْنِ ، نَقِيَّةُ الثَّغْرِ ، كَحْلَاءُ الْعَيْنَيْنِ ، أَسِيلَةُ الْخَدِّ ، دَقِيقَةُ الْأَنْفِ ، مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ ، وَالْأُخْرَى دُونَهَا فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْمَحَاسِنِ ، لَكِنَّهَا أَحْلَى فِي الْعُيُونِ وَالْقُلُوبِ مِنْهَا ، وَلَا يُدْرَى سَبَبُ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ يُعْرَفُ بِالذَّوْقِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ . نَعَمْ يَبْقَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ : أَنَّ حُسْنَ الْوُجُوهِ وَمَلَاحَتَهَا ، وَتَفْضِيلَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يُدْرِكُهُ كُلُّ مَنْ لَهُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ .
وَأَمَّا الْكَلَامُ فَلَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالذَّوْقِ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ اشْتَغَلَ بِالنَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالْفِقْهِ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الذَّوْقِ وَمِمَّنْ يَصْلُحُ لِانْتِقَادِ الْكَلَامِ ، وَإِنَّمَا أَهْلُ الذَّوْقِ هُمُ الَّذِينَ اشْتَغَلُوا بِعِلْمِ الْبَيَانِ ، وَرَاضَوْا أَنْفُسَهُمْ بِالرَّسَائِلِ وَالْخُطَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالشِّعْرِ ، وَصَارَتْ لَهُمْ بِذَلِكَ دِرَايَةٌ وَمَلَكَةٌ تَامَّةٌ ، فَإِلَى أُولَئِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ ، وَفَضْلِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مِنْ حَقِّ مُفَسِّرِ كِتَابِ اللَّهِ الْبَاهِرِ وَكَلَامِهِ الْمُعْجِزِ أَنْ يَتَعَاهَدَ بَقَاءَ النَّظْمِ عَلَى حُسْنِهِ ، وَالْبَلَاغَةِ عَلَى كَمَالِهَا ، وَمَا وَقَعَ بِهِ التَّحَدِّي سَلِيمًا مِنَ الْقَادِحِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : مَعْرِفَةُ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ بِأَوْضَاعِهَا هِيَ عُمْدَةُ التَّفْسِيرِ الْمُطَّلِعِ عَلَى عَجَائِبِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ قَاعِدَةُ الْفَصَاحَةِ وَوَاسِطَةُ عِقْدِ الْبَلَاغَةِ .
الثَّامِنُ : عِلْمُ الْقِرَاءَاتِ : لِأَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ النُّطْقِ بِالْقُرْآنِ ، وَبِالْقِرَاءَاتِ يَتَرَجَّحُ بَعْضُ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى بَعْضٍ .
التَّاسِعُ : أُصُولُ الدِّينِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ بِظَاهِرِهَا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَالْأُصُولِيُّ يُئَوِّلُ ذَلِكَ ، وَيَسْتَدِلُّ عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ وَمَا يَجِبُ وَمَا يَجُوزُ .
الْعَاشِرُ : أُصُولُ الْفِقْهِ : إِذْ بِهِ يُعْرَفُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالِاسْتِنْبَاطِ .
الْحَادِي عَشَرَ : أَسْبَابُ النُّزُولِ وَالْقَصَصِ : إِذْ بِسَبَبِ النُّزُولِ يُعْرَفُ مَعْنَى الْآيَةِ الْمُنَزَّلَةِ فِيهِ بِحَسَبِ مَا أُنْزِلَتْ فِيهِ .
الثَّانِي عَشَرَ : النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لِيُعْلَمَ الْمُحْكَمُ مِنْ غَيْرِهِ .
الثَّالِثَ عَشَرَ : الْفِقْهُ .
[ ص: 451 ] الرَّابِعَ عَشَرَ : الْأَحَادِيثُ الْمُبَيِّنَةُ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبْهَمِ .
الْخَامِسَ عَشَرَ : عِلْمُ الْمَوْهِبَةِ : وَهُوَ عِلْمٌ يُوَرِّثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيثِ :
مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا : وَعُلُومُ الْقُرْآنِ وَمَا يَسْتَنْبِطُهُ مِنْهُ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ .
قَالَ : فَهَذِهِ الْعُلُومُ الَّتِي هِيَ كَالْآلَةِ لِلْمُفَسِّرِ لَا يَكُونُ مُفَسِّرًا إِلَّا بِتَحْصِيلِهَا فَمَنْ فَسَّرَ بِدُونِهَا كَانَ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِذَا فَسَّرَ مَعَ حُصُولِهَا لَمْ يَكُنْ مُفَسِّرًا بِالرَّأْيِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .
قَالَ : وَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَانَ عِنْدَهُمْ عُلُومُ الْعَرَبِيَّةِ بِالطَّبْعِ لَا بِالِاكْتِسَابِ ، وَاسْتَفَادُوا الْعُلُومَ الْأُخْرَى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْتُ : وَلَعَلَّكَ تَسْتَشْكِلُ عِلْمَ الْمَوْهِبَةِ وَتَقُولُ : هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْإِنْسَانِ ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُ مِنَ الْإِشْكَالِ ، وَالطَّرِيقُ فِي تَحْصِيلِهِ ارْتِكَابُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ وَالزُّهْدِ .
قَالَ فِي البُّرْهَانِ : اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلنَّاظِرِ فَهْمُ مَعَانِي الْوَحْيِ ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ أَسْرَارُهُ ، وَفِي قَلْبِهِ بِدْعَةٌ أَوْ كِبْرٌ أَوْ هَوًى أَوْ حُبُّ الدُّنْيَا ، أَوْ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى ذَنْبٍ ، أَوْ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بِالْإِيمَانِ ، أَوْ ضَعِيفُ التَّحْقِيقِ ، أَوْ يَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِ مُفَسِّرٍ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ ، أَوْ رَاجَعٌ إِلَى مَعْقُولِهِ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا حُجُبٌ وَمَوَانِعُ بَعْضُهَا آكَدُ مِنْ بَعْضٍ .
قُلْتُ : وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [ الْأَعْرَافِ : 14 ] . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ : يَقُولُ أَنْزِعُ عَنْهُمْ فَهْمَ الْقُرْآنِ . أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28966التَّفْسِيرُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : وَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ مِنْ كَلَامِهَا ، وَتَفْسِيرٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ ، وَتَفْسِيرٌ تَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ ،
[ ص: 452 ] وَتَفْسِيرٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ رَوَاهُ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بِلَفْظِ :
أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ : حَلَالٌ وَحَرَامٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعَرَبُ ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ ، وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَاذِبٌ قَالَ
الزَّرْكَشِيُّ فِي البُّرْهَانِ فِي قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : هَذَا تَقْسِيمٌ صَحِيحٌ .
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29572الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فَهُوَ الَّذِي يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى لِسَانِهِمْ ، وَذَلِكَ اللُّغَةُ وَالْإِعْرَابُ . فَأَمَّا اللُّغَةُ فَعَلَى الْمُفَسِّرِ مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا وَمُسَمَّيَاتِ أَسْمَائِهَا ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَارِئَ ، ثُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَتَضَمَّنُهُ أَلْفَاظُهَا يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ ، كَفَى فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ ، وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ . وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَفِيضَ ذَلِكَ اللَّفْظُ ، وَتَكْثُرَ شَوَاهِدُهُ مِنَ الشِّعْرِ .
وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَمَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ عَلَى الْمُفَسِّرِ وَالْقَارِئِ تَعَلُّمُهُ ، لِيَتَوَصَّلَ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ ، وَيَسْلَمَ الْقَارِئُ مِنَ اللَّحْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ تَعَلُّمُهُ عَلَى الْقَارِئِ لِيَسْلَمَ مِنَ اللَّحْنِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ لِوُصُولِهِ إِلَى الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ .
وَأَمَّا مَا لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهْلِهِ فَهُوَ مَا تَتَبَادَرُ الْأَفْهَامُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِنَ النُّصُوصِ الْمُتَضَمِّنَةِ شَرَائِعَ الْأَحْكَامِ وَدَلَائِلَ التَّوْحِيدِ ، وَكُلُّ لَفْظٍ أَفَادَ مَعْنًى وَاحِدًا جَلِيًّا يُعْلَمُ أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَلْتَبِسُ تَأْوِيلُهُ ، إِذْ كَلُّ أَحَدٍ يُدْرِكُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ مُحَمَّدٍ : 19 ] . وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ( لَا ) مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِلنَّفْيِ وَ ( إِلَّا ) لِلْإِثْبَاتِ ، وَأَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْحَصْرُ ، وَيَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [ الْبَقَرَةِ : 43 ] . وَنَحْوَهُ طَلَبُ إِيجَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ ( افْعَلْ ) لِلْوُجُوبِ ، فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَسَمِ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ يَدَّعِي الْجَهْلَ بِمَعَانِي أَلْفَاظِهِ ، لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ .
وَأَمَّا مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28962لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْغُيُوبِ نَحْوَ الْآيِ الْمُتَضَمِّنَةِ
[ ص: 453 ] قِيَامَ السَّاعَةِ وَتَفْسِيرَ الرُّوحِ ، وَالْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ وَكُلَّ مُتَشَابِهٍ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ ، فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَلَا طَرِيقَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ ، بِنَصٍّ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ أَوْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى تَأْوِيلِهِ .
وَأَمَّا مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28956يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ وَيَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ فَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ ، وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ ، وَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ ، وَعَلَيْهِمُ اعْتِمَادَ الشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ دُونَ مُجَرَّدِ الرَّأْيِ ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ، إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْخَفِيُّ ، وَإِنِ اسْتَوَيَا وَالِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ لَكِنْ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَفِي الْآخَرِ شَرْعِيَّةٌ ، فَالْحَمْلُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا فِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [ التَّوْبَةِ : 103 ] .
وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا عُرْفِيَّةً وَالْآخَرِ لُغَوِيَّةً فَالْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيَّةِ أَوْلَى ، وَإِنِ اتَّفَقَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا ، فَإِنْ تَنَافَى اجْتِمَاعُهُمَا ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ اجْتَهَدَ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ ، فَمَا ظَنَّهُ فَهُوَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ . وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ ، وَيَأْخُذُ بِالْأَغْلَظِ حُكْمًا ، أَوْ بِالْأَخَفِّ ؟ أَقْوَالٌ . وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي الْإِعْجَازِ وَالْفَصَاحَةِ ، إِلَّا إِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِهِمَا . إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَيُنَزَّلُ حَدِيثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28964_24912nindex.php?page=hadith&LINKID=979867مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ :
أَحَدُهُمَا تَفْسِيرُ اللَّفْظِ لِاحْتِيَاجِ الْمُفَسِّرِ لَهُ إِلَى التَّبَحُّرِ فِي مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ .
وَالثَّانِي حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاحْتِيَاجِ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ ، وَالتَّبَحُّرُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ . وَمِنَ الْأُصُولِ مَا يُدْرَكُ بِهِ حُدُودُ الْأَشْيَاءِ ، وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ ، وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ ، وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ ، وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ ، وَالظَّاهِرُ وَالْمُئَوَّلُ ، وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ ، وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ . وَمِنَ الْفُرُوعِ مَا يُدْرَكُ بِهِ الِاسْتِنْبَاطُ .
[ ص: 454 ] وَهَذَا أَقَلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ : يَحْتَمِلُ كَذَا وَلَا يَجْزِمُ إِلَّا فِي حُكْمٍ اضْطُرَّ إِلَى الْفَتْوَى بِهِ ، فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ فَيَجْزِمُ مَعَ تَجْوِيزِ خِلَافِهِ . انْتَهَى .
وَقَالَ
ابْنُ النَّقِيبِ : جُمْلَةُ مَا تَحَصَّلَ فِي مَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=24912_28964حَدِيثِ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهُمَا : التَّفْسِيرُ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْعُلُومِ الَّتِي يَجُوزُ مَعَهَا التَّفْسِيرُ .
الثَّانِي : تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ .
وَالثَّالِثُ : التَّفْسِيرُ الْمُقَرِّرُ لِلْمَذْهَبِ الْفَاسِدِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَذْهَبُ أَصْلًا وَالتَّفْسِيرُ تَابِعًا ، فَيَرُدُّ إِلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا .
الرَّابِعُ : التَّفْسِيرُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ كَذَا عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ .
الْخَامِسُ : التَّفْسِيرُ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالْهَوَى .
ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568عُلُومَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ .
الْأَوَّلُ : عِلْمٌ لَمْ يُطْلِعِ اللَّهُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ ، وَهُوَ مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ مِنْ عُلُومِ أَسْرَارِ كِتَابِهِ ، مِنْ مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَاتِهِ وَغُيُوبِهِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْكَلَامُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِجْمَاعًا .
الثَّانِي : مَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَبِيَّهُ مِنْ أَسْرَارِ الْكِتَابِ وَاخْتَصَّهُ بِهِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَّا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ . قَالَ : وَأَوَائِلُ السُّوَرِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ ، وَقِيلَ : مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ .
الثَّالِثُ : عُلُومٌ عَلَّمَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ مِمَّا أَوْدَعَ كِتَابَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْجَلِيَّةِ وَالْخَفِيَّةِ وَأَمَرَهُ بِتَعْلِيمِهَا ، وَهَذَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ :
مِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28961مَا لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ إِلَّا بِطَرِيقِ السَّمْعِ : وَهُوَ أَسْبَابُ النُّزُولِ ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ ، وَالْقِرَاءَاتُ ، وَاللُّغَاتُ ، وَقِصَصُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ ، وَأَخْبَارُ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْحَوَادِثِ ، وَأُمُورُ الْحَشْرِ وَالْمَعَادِ .
وَمِنْهُ مَا يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِخْرَاجِ مِنَ الْأَلْفَاظِ : وَهُوَ قِسْمَانِ :
قِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ : وَهُوَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الصِّفَاتِ .
[ ص: 455 ] وَقِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ : وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ وَالْإِعْرَابِيَّةِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْأَقْيِسَةِ ، وَكَذَلِكَ فُنُونُ الْبَلَاغَةِ وَضُرُوبُ الْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمِ وَالْإِرْشَادَاتِ لَا يَمْتَنِعُ اسْتِنْبَاطُهَا مِنْهُ ، وَاسْتِخْرَاجُهَا لِمَنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ . انْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَقَالَ
أَبُو حَيَّانَ : ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ عَاصَرْنَاهُ إِلَى أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ مُضْطَرٌّ إِلَى النَّقْلِ فِي فَهْمِ مَعَانِي تَرْكِيبِهِ بِالْإِسْنَادِ إِلَى
مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَضْرَابِهِمْ ، وَأَنَّ فَهْمَ الْآيَاتِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ : وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ ذَلِكَ : الْحَقُّ أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْلِ : كَسَبَبِ النُّزُولِ ، وَالنَّسْخِ ، وَتَعْيِينِ الْمُبْهَمِ ، وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلِ ، وَمِنْهُ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وَيَكْفِي فِي تَحْصِيلِهِ الثِّقَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ . قَالَ : وَكَأَنَّ السَّبَبَ فِي اصْطِلَاحِ كَثِيرٍ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْمُسْتَنْبَطِ ، لِيُحِيلَ عَلَى الِاعْتِمَادِ فِي الْمَنْقُولِ وَعَلَى النَّظَرِ فِي الْمُسْتَنْبَطِ .
قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29569_29570_29571الْقُرْآنَ قِسْمَانِ : قَسَمٌ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِالنَّقْلِ وَقِسْمٌ لَمْ يَرِدْ .
وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابَةِ أَوْ رُءُوسِ التَّابِعِينَ .
فَالْأَوَّلُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ صِحَّةِ السَّنَدِ ، وَالثَّانِي يُنْظَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ ، فَإِنْ فَسَّرَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَهِمَ أَهْلُ اللِّسَانِ فَلَا شَكَّ فِي اعْتِمَادِهِمْ ، أَوْ بِمَا شَاهَدَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْقَرَائِنِ فَلَا شَكَّ فِيهِ . وَحِينَئِذٍ إِنْ تَعَارَضَتْ أَقْوَالُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ : فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَذَاكَ ، وَإِنَّ تَعَذَّرَ قُدِّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979868اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ .
وَقَدْ رَجَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ قَوْلَ
زَيْدٍ فِي الْفَرَائِضِ ، لِحَدِيثِ :
أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَمَّا مَا وَرَّدَ عَنِ التَّابِعِينَ : فَحَيْثُ جَازَ الِاعْتِمَادُ فِيمَا سَبَقَ فَكَذَلِكَ هُنَا ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاجْتِهَادُ .
[ ص: 456 ] وَأَمَّا مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ فَهُوَ قَلِيلٌ ، وَطَرِيقُ التَّوَصُّلِ إِلَى فَهْمِهِ النَّظَرُ إِلَى مُفْرَدَاتِ الْأَلْفَاظِ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ وَمَدْلُولَاتِهَا ، وَاسْتِعْمَالِهَا بِحَسَبِ السِّيَاقِ ، وَهَذَا يَعْتَنِي بِهِ الرَّاغِبُ كَثِيرًا فِي كِتَابِ الْمُفْرَدَاتِ فَيَذْكُرُ قَيْدًا زَائِدًا عَلَى أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ . انْتَهَى .
قُلْتُ : وَقَدْ جَمَعْتُ كِتَابًا مُسْنَدًا فِيهِ تَفَاسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ ، فِيهِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ مَا بَيْنَ مَرْفُوعٍ وَمَوْقُوفٍ ، وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي أَرْبَعِ مُجَلَّدَاتٍ وَسَمَّيْتُهُ : " تَرْجُمَانَ الْقُرْآنِ " وَرَأَيْتُ وَأَنَا فِي أَثْنَاءِ تَصْنِيفِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ ، فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ تَحْتَوِي عَلَى بِشَارَةٍ حَسَنَةٍ .