[ ص: 334 ] 2 ( الباب الخامس )
3 ( في بدل الوضوء ، والغسل ، وهو التيمم )
وهو
nindex.php?page=treesubj&link=32599_30231من خصائص هذه الأمة لطفا من الله تعالى بها ، وإحسانا إليها ، وليجمع لها في عبادتها بين التراب الذي هو مبدأ إيجادها ، والماء الذي هو سبب استمرار حياتها إشعارا بأن هذه العبادة سبب الحياة الأبدية ، والسعادة السرمدية جعلنا الله تعالى من أهلها من غير محنة .
nindex.php?page=treesubj&link=25282وهو في اللغة : من الأم بفتح الهمزة ، وهو القصد يقال : أمه ، وأممه ، وتأممه إذا قصده ، وأمه أيضا شجه في وسط رأسه .
ومن الأول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) أي لا تقصدوه ، ثم نقل
nindex.php?page=treesubj&link=25283في الشرع للفعل المخصوص .
وأوجبه لتحصيل مصالح أوقات الصلوات قبل فواتها ، ولولا ذلك لأمر عادم الماء بتأخير الصلاة حتى يجد الماء ، وهذا يدل على أن اهتمام الشرع بمصالح الأوقات أعظم من اهتمامه بمصالح الطهارة .
فإن قلت : فأي مصلحة في إيقاع الصلاة في وقتها دون ما قبله ، وبعده مع جزم العقل باستواء أفراد الأزمان .
قلت : اعتمد العلماء رضوان الله عليهم في ذلك على حرف واحد ، وهو : أنا استقرأنا عادة الله تعالى في شرعه ، فوجدناه جالبا للمصالح ، ودارئا للمفاسد ، وكذلك
[ ص: 335 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : إذا سمعت نداء الله تعالى ، فارفع رأسك ، فتجده إما يدعوك لخير ، أو ليصرفك عن شر .
فمن ذلك إيجاب الزكوات ، والنفقات لسد الخلات ، وأروش الجنايات جبرا للمتلفات ، وتحريم القتل والزنا والمسكر والسرقة والقذف صونا للنفوس والأنساب والعقول والأموال ، وإعراضا عن المفسدات ، وغير ذلك من المصالح الدنيويات ، والأخرويات ، ونحن نعلم بالضرورة أن الملك إذا كان من عادته إكرام العلماء ، وإهانة الجهلاء ، ثم رأيناه خصص شخصا بالإكرام ، ونحن لا نعرف حاله ، فإنه يغلب على ظننا أنه عالم على جريان العادة ، وكذلك ما تسميه الفقهاء بالتعبد معناه أنا لا نطلع على حكمته ، وإن كنا نعتقد أن له حكمة ، وليس معناه أنه لا حكمة له .
ولأجل هذه القاعدة أمر
مالك - رحمه الله - بإعادة الصلاة في الوقت لترك السنن ; لأن الإعادة حينئذ تحصل مصلحة الوقت والسنة ، ومجموعهما مهم بخلاف خارج الوقت لذهاب مصلحة الوقت ، ولا يلزم من الاهتمام بمجموع مصلحتين الاهتمام بإحداهما .
ثم يبحث الفقهاء في هذا الباب في أسبابه ، والذي يؤمر بالتيمم من هو ، والذي يتيمم به وصفة التيمم ، والمتيمم له ، ووقت التيمم ، والأحكام التابعة للتيمم ، فهذه فصول سبعة . ( الفصل الأول )
3 ( في
nindex.php?page=treesubj&link=313أسبابه ، وهي ستة )
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=320عدم الوجدان للماء ، وإنما يتحقق عند بذل الجهد في الطلب في حق من يمكنه استعماله ، ويدل على وجوب الطلب إلى حين الصلاة أن الوضوء واجب إجماعا فيجب طلب الماء ; لأن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به ، وهو مقدور للمكلف ، فهو واجب فيكون
nindex.php?page=treesubj&link=318طلب الماء واجبا حتى يتبين العجز فيتيمم حينئذ ، ولأن المفهوم من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فلم تجدوا ماء ) أي بعد الطلب قال صاحب
[ ص: 336 ] الطراز : الطلب الواجب على قدر الوسع ، والحالة الموجودة ، فقد روى
ابن القاسم في العتبية لا بأس بسؤال المسافر أصحابه الماء في موضع يكثر فيه أما موضع يعدم ، فلا ، وروى
أشهب إنما يطلبه ممن يليه ، ويرجوه ، فليس عليه أن يطلب أربعين رجلا ، وقال
عبد الملك ،
وأصبغ ،
وابن عبد الحكم : يطلب في الرفقة العظيمة ممن حوله ، فإن لم يفعل ، فقد أساء ، ولا يعيد ، وإن كانت الرفقة يسيرة ، ولم يطلبه أعاد في الوقت إلا أن يكون الرجل والرجلان ، وشبههما ، وهم متقاربون ، فليعد أبدا لكثرة الرجاء .
وقالوا : المرأة التي لا تخرج تؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ، ثم تخرج ، فتطلب .
إذا تقرر هذا ، ففي الجواهر أربع حالات :
إحداهما تحقق العدم حوله فيتيمم من غير طلب .
الثانية : أن يتوهمه حوله ، فليفحص فحصا لا مشقة فيه ، وهذا يختلف بحسب القوي ، والضعيف ، والرجل ، والمرأة .
الثالثة : أن يعتقد قربه فيلزمه السعي له ، وحد القرب عدم المشقة ، وفوات الرفقة ، وروي في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=12927محمد بن المواز : من شق عليه نصف الميل ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يعدل للميلين ، وإن كان آمنا ; لأن البعد يؤدي إلى خروج وقت الصلاة ، وقال في الكتاب : إذا غابت الشمس ، وقد خرج من قرية يريد قرية أخرى ، وهو غير مسافر إن طمع في الماء قبل مغيب الشفق مضى إليه ، وإلا تيمم . قال صاحب الطراز : هذا يقتضي أن وقت المغرب الاختياري إلى مغيب الشفق ، وهو مذهبه في الموطأ ، فإن التيمم لا يؤخر عن وقت الاختيار ، ولو جاز ذلك لجاز بعد الشفق ، فعلى القول بعدم امتداده لا يؤخر تيممه إلى الشفق .
قال
التونسي : ويتخرج فيها قول آخر بالتأخير إلى ما بعد الشفق لقوله : ( في الحضر ) بخلاف إن رفع الماء من البئر ، أو ذهب إلى النهر أنه لا يتيمم .
وكذلك خرجه
ابن حبيب أيضا قال : وهو عندي لا يصح لغلبة الماء في الحضر بخلاف الصحراء ما بين القريتين .
[ ص: 337 ] حجة المذهب قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فلم تجدوا ماء ) ، وهو يغلب على ظنه وجدانه ، وروى
مالك عن
نافع قال : أقبلت أنا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر من
الجرف حتى إذا كنا
بالمربد تيمم ، فمسح وجهه ، ويديه إلى المرفقين ، ثم صلى ،
والمربد من
المدينة على ميلين .
قال
القاضي في التنبيهات :
الجرف بضم الجيم والراء ،
والمربد بكسر الميم ، والباء بواحدة من تحتها ، ولأن التيمم إنما يشرع لتحصيل مصلحة الوقت .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يعدل الخارج من القرية إلى ميل ، وكذلك المسافر ؛ يريد لا يخرج عن مقصده ، وهو لا يخالف قول
مالك ، فإن قول
مالك محمول على الذي يكون ذلك قصده .
الرابعة : أن يكون الماء حاضرا لكن ليس له آلة توصل إليه ، فإنه يتيمم لأنه فاقد .
ولو وجده لكن إن اشتغل بالنزع خرج الوقت قال في الكتاب : يعالجه عند المغاربة ، وإن خرج الوقت ، ويتيمم عند العراقيين ، ولو كان بين يديه لكن لو استعمله خرج الوقت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس : يستعمله عند المغاربة لأنه واجد ، ويتيمم عند
القاضي أبي محمد ، وحكاه
الأبهري رواية .
قال
ابن يونس : ولا فرق عندي بين تشاغله باستعماله ، أو باستخراجه من البئر ، فإن المقصود الصلاة في الوقت قال : وكذلك قال
ابن القصار ،
nindex.php?page=showalam&ids=14960والقاضي عبد الوهاب ، وفرق
ابن القصار أيضا ، فقال : في الجمعة يتوضأ ، ولو خاف فواتها ; لأن الظهر هي الأصل ، ووقتها باق ، وسوى بينهما بعض الأصحاب بجامع الفريضة ، وقال بعضهم : يتيمم ، ويعيد الصلاة احتياطا .
قال
عبد الحق في النكت : والفرق بين النزع من البئر ، والاستعمال أن المستعمل واجد ، والنازح فاقد ، وإنما هو يتسبب ليجد .
[ ص: 338 ] فرعان :
الأول : لو
nindex.php?page=treesubj&link=25487_1997كان مع ثلاثة نفر قدر كفاية أحدهم ماء وأحدهم جنب ، والآخر محدث ، والثالث ميت . قال صاحب الطراز : قال
ابن القاسم : الحي أولى ، وييمم الميت إلا أن يكون الماء للميت ; لأن الحي يصلي بطهارته على الميت ، وغيرها من الصلوات ، والميت يصلى عليه بها فقط ، ولأن حالة طهارة الحي تعود على الميت ، وحال طهارة الميت لا تعود على الحي ، فإن كان الماء للميت ، واحتاج إليه الحي ليشربه أخذه ، ويقوم بثمنه للوارث ، وليس له دفع مثله إذا رجع إلى بلده ، وإن كان الماء بينهما ، فالحي أولى به ، وقال القاضي : الميت أولى به .
فعلى البحث الأول إذا كان مع رجل ما يغتسل به ، ووجد جنبا ، وميتا يكون الحي أولى بهبته من الميت خلافا ش في قوله : إن المقصود من طهارة الميت النظافة ، ولا تحصل إلا بالماء ، وطهارة الحي المقصود منها الإباحة ، والتيمم كاف في ذلك ، ولأنه آخر عهده من الدنيا بالطهارة ، والحي يتطهر بعد ذلك .
وجواب الأول أن المقصود بطهارة الميت الصلاة عليه ، والنظافة تبع ، ولهذا إذا لم يوجد الماء لا يصلى عليه حتى ييمم ، وكذلك الشهيد لما لم يصل عليه لم يغسل .
وعن الثاني أن هذه الصلاة آخر عهده من الصلوات فينبغي أن تكمل .
والجنب أولى من المحدث لعموم منع الجنابة ، ولأن الجنب مستعمل جملة الماء ، والمحدث يترك بعضه بلا انتفاع .
وعلى هذا لو
nindex.php?page=treesubj&link=25487اجتمع جنب ، وحائض هل تكون الحائض أولى لكونها تستفيد بالغسل أكثر من الجنب ، أو يستويان ؟ وهو الظاهر ; لأن الغسل واحد بخلاف الوضوء ، فإنه بعض الغسل للجنابة .
[ ص: 339 ] الثاني : قال في الكتاب : إذا كان معه ما يكفيه للوضوء ، وهو جنب تيمم ، ولا يتوضأ في أول تيممه ، ولا ثانيه ، ويغسل بذلك الماء النجاسة خلافا ش في أمره بالوضوء حتى يصير فاقدا للماء .
لنا : أنه بدل ، والبدل هو الذي شأنه أن يحل محل المبدل ، ولا يجمع بينهما ، والفرق بين صورة النزاع ، والمسح على الخف في كونه يجمع بين مسحه ، وغسل غيره أنه بدل عن غسل الرجلين لا عن المغسول ، وبينها ، وبين النجاسة أن الماء يطهر من الخبث كل موضع غسل به ، ولو قل بخلاف المحدث لا تحصل طهارته إلا بجملة الغسل .
والفرق بين الغسل للجنابة ، والتيمم للجنابة في كون الوضوء شرع مع الغسل دون التيمم أمران :
أحدهما أن الوضوء من جنس الغسل شرع بين يديه أهبة له كالمضمضة ، والاستنشاق قبل الوضوء ، والإقامة بين يدي الصلاة ، والصدقة بين يدي النجوى ، وهو ليس من جنس التيمم ، فلا يشرع تهيؤا له .
وثانيهما أن أعضاء الوضوء أشرف الجسد لكونها موضع التقرب إلى الله ، فكانت البداءة به أولى ، والتيمم شرع في عضوين منها ، فالوضوء يأتي عليهما ، وعلى غيرهما ، فلا معنى للبداية بالوضوء . السبب الثاني : في الجواهر :
nindex.php?page=treesubj&link=316الخوف من فوات النفس ، أو عضو ، أو منفعة ، أو زيادة مرض ، أو تأخر برء ، أو حدوث مرض يخاف معه ما ذكرناه ، وروى بعض البغداديين لا يتيمم لتوقع المرض ، أو لزيادته ، أو تأخر البرء ، أو مجرد الألم ، فلا يبيح التيمم لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وإن كنتم مرضى ) ، وما رواه
أبو داود nindex.php?page=hadith&LINKID=10348357عن [ ص: 340 ] nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ، ثم صليت بأصحابي الصبح ، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا عمرو صليت بأصحابك ، وأنت جنب ، فأخبرته الذي منعني من الاغتسال ، وقلت سمعت الله تعالى يقول : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) ، فضحك ، ولم يقل شيئا ، ولأن الفطر أبيح للمريض مع عدم الأذى ، فهاهنا أولى ، وخالفنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - في تأخير البرء ، وحجتنا عليه أنه ضرر عليه فيكون منفيا قياسا على توقع المرض ، ولقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وما جعل عليكم في الدين من حرج ) . قاعدة :
nindex.php?page=treesubj&link=20656المشاق قسمان :
أحدهما لا تنفك عنه العبادة كالوضوء ، والغسل في البرد ، والصوم في النهار الأطول ، والمخاطرة بالنفوس في الجهاد ، ونحو ذلك لا يوجب تخفيفا في العبادة لأنها قررت معه .
والقسم الثاني : تنفك العبادة عنه ، وهو ثلاثة أنواع :
نوع في المرتبة العليا : كالخوف على النفوس ، والأعضاء ، والمنافع ، فهذا يوجب التخفيف ; لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا ، والآخرة ، فلو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثالها .
ونوع في المرتبة الدنيا : كأذى وجع في أصبع ، فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة ، وخسة هذه المشقة .
النوع الثالث : مشقة بين هذين النوعين ، فما قرب من العليا أوجب التخفيف ، وما قرب من الدنيا لم يوجب ، وما توسط يختلف فيه لتجاذب الطرفين له ، فعلى هذه القاعدة تتخرج الفتاوى في مشاق العبادات .
تتميم : قال بعض العلماء : تختلف المشاق باختلاف رتب العبادات ، فما كان
[ ص: 341 ] في نظر الشرع أهم اشترط في إسقاطه أشد المشاق ، أو أعمها ، فإن العموم بكثرته يقوم مقام العظم كما سقط التطهر من الخبث في الصلاة التي هي أفضل العبادات بسبب التكرار كدم البراغيث ، وثوب المرضع ، وكما سقط الوضوء فيها بالتيمم لكثرة عدم الماء ، أو الحاجة إليه ، أو العجز عن استعماله ، وما لم تعظم رتبته في نظر الشرع تؤثر فيه المشاق الخفيفة .
وجميع بحث هذه القاعدة يطرد في أبواب الفقه ، فكما وجدت المشاق في الوضوء على ثلاثة أقسام : متفق على اعتباره ، ومتفق على عدم اعتباره ، ومختلف فيه ، كذلك نجد في الصوم ، والحج ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتوقان الجائع للطعام عند حضور الصلاة ، والتأذي بالرياح الباردة في الليلة الظلماء ، والمشي في الوحل ، وغضب الحكام ، وجوعهم المانع من استيفاء النظر ، وغير ذلك ، وكذلك الغرر ، والجهالة في البيع ثلاثة أقسام . سؤال : ما
nindex.php?page=treesubj&link=20656ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها ؟ فإنا إذا سألنا الفقهاء يقولون : ذلك يرجع إلى العرف فيحيلون على غيرهم ، ويقولون : لا نحد ذلك ، فلم يبق بعد الفقهاء إلا العوام ، والعوام لا يصح تقليدهم في الدين ؟
جوابه : هذا السؤال له وقع عند المحققين إن كان سهلا في بادي الرأي ، ونحن نقول : ما لم يرد الشرع بتحديده يتعين تقريبه بقواعد الشرع ; لأن التقريب خير من التعطيل لما اعتبره الشرع ، فنقول : على الفقيه أن يفحص عن أدنى مشاق تلك العبادة المعينة فيحققه بنص ، أو إجماع ، أو استدلال ، ثم ما ورد عليه بعد ذلك من المشاق مثل تلك المشقة ، أو أعلى جعله مسقطا ، وإن كان أدنى لم يجعله . مثاله : التأذي بالقمل في الحج مبيح للحلق بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة ، فأي مرض آذى مثله ، أو أعلى منه أباح ، وإلا فلا ، والسفر مبيح الفطر بالنص فيعتبر به غيره من المشاق .
سؤال آخر : ما لا ضابط له ، ولا تحديد وقع في الشرع على قسمين : قسم اقتصر فيه على أقل ما تصدق عليه تلك الحقيقة كمن باع عبدا ، واشترط أنه
[ ص: 342 ] كاتب ، يكفي في هذا الشرط مسمى الكتابة ، ولا يحتاج إلى المهارة فيها في الوفاء بالشرط ، وكذلك شروط السلم في سائر الأوصاف ، وأنواع الحرف يقتصر على مسماها دون مرتبة معينة منها .
والقسم الآخر : ما وقع مسقطا للعبادات لم يكتف الشرع في إسقاطها بمسمى تلك المشاق بل لكل عبادة مرتبة معينة من مشاقها المؤثرة في إسقاطها ، فما الفرق بين العبادات ، والمعاملات ؟
جوابه : العبادات مشتملة على مصالح المعاد ، ومواهب ذي الجلال ، وسعادة الأبد السرمدية ، فلا يليق تفويتها بمسمى المشقة مع يسارة احتمالها ، ولذلك كان ترك الرخص في كثير من العبادات أولى ، ولأن تعاطي العبادة مع المشقة أبلغ في إظهار الطاعة ، وأبلغ في التقرب ، ولذلك قال عليه السلام : (
أفضل العبادة أحمزها ) أي أشقها ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348358أجرك على قدر نصبك .
وأما المعاملات ، فتحصل مصالحها التي بذلت الأعواض فيها بمسمى حقائق الشروط بل التزام غير ذلك يؤدي إلى كثرة الخصام ، ونشر الفساد ، وإظهار العناد . فروع ثلاثة :
الأول : قال صاحب الطراز : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=316تيمم المريض من الجنابة ، ثم أحدث حدث الوضوء ، وهو قادر عليه لم يتوضأ ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=26764الجنابة تسقط حكم الحدث الأصغر ، ويتيمم لكل صلاة للجنابة .
الثاني : قال : إذا قدر المريض على الوضوء ، والصلاة قائما ، فحضرت الصلاة ، وهو في عرقه ، فخاف إن فعل ذلك انقطع عرقه ، ودام عليه المرض قال
مطرف ،
وعبد الملك ،
وأصبغ : يتيمم ، ويصلي إيماء للقبلة ، وإن خرج الوقت قبل زوال عرقه لم يعد ، وهذا موافق للمذهب لأنه تأخير البرء .
[ ص: 343 ] الثالث : قال : إذا عظمت بطنه حتى لا يتمكن من تناول الماء ، أو أدركه الميد في البحر حتى لا يملك نفسه يتيمم لأنه وسعه . السبب الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=23578_319الجراح المانعة من استعمال الماء قال في الكتاب : قيل
لابن القاسم : إذا عمته الجراح ؟ قال : يتيمم ، قيل : فأكثره جريح قال : يغسل الصحيح ، ويمسح الجريح ، قيل له : لم يبق إلا يد ، أو رجل صحيحة قال : لا أحفظ عن
مالك فيها شيئا ، وأرى أن يتيمم ، وقال
ابن الجلاب : من
nindex.php?page=treesubj&link=319كانت به جراح في أكثر جسده ، وهو جنب ، أو في أكثر أعضاء وضوئه ، وهو محدث يتيمم . قال صاحب الطراز : إن كان مراده أن الأكثر متفرق في الجسد منع مس السالم ، فهو موافق لقول
ابن القاسم ، وإلا ، فهو مخالف لمذهب الكتاب ، وموافق
لأبي حنيفة ، فإن أصحاب الرأي يقولون : إن كان أقله مجروحا جمع بين الماء ، والتيمم ، أو سالما كفاه التيمم ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا يكفي فيما صح إلا الغسل ، وإن قل ، وإذا مسح ، وغسل يتيمم أيضا بناء على أصله فيمن وجد بعض كفايته من الماء ، فإنه يستعمله ؛ لما في
أبي داود عن
جابر رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348359خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا حجر ، فشجه في رأسه ، فقال لأصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا لا نجد لك رخصة ، وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ، فمات ، فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ ! إنما شفاء العي السؤال ؛ إنما كان يكفيه أن يتيمم ، ويعصر ، أو يعصب على جرحه خرقة ، ثم يمسح عليها ، ويغسل سائر جسده . يريد أن إحدى هاتين الحالتين تجزئه على حسب حال المجروح ، ولا معنى للتيمم مع الغسل ; لأن البدل ، والمبدل منه لا يجتمعان .
فرع : قال
عبد الحق في النكت عن بعض الأصحاب : إذا لم يبق منه إلا يد ، أو رجل ، فغسل الصحيح ، ومسح الجراح لم يجزه ؛ لأنه لم يأت بالغسل ، ولا ببدله الذي هو التيمم ، ولو تحمل المشقة ، وغسل الجميع أجزأه ; لأن التيمم حقه ، فإذا أسقطه سقط كمن صلى قائما مع مبيح الجلوس . السبب الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=27153غلاء الماء إن كان لا يجد الماء إلا بثمن ، وهو قليل الدراهم يتيمم ، أو كثيرها اشتراه ما لم يكثر الثمن فيتيمم . أما الشراء فقياسا على الرفع من
[ ص: 344 ] البئر ، والطلب في الفلوات بجامع المشقة ، وأما إذا كثر الثمن ، فلا يشتريه ؛ لما فيه من المضرة ، وليس في الكثير حد قال في المختصر : ليس عليه أن يشتريه بأضعاف ثمنه إلا بثمنه ، أو شبهه ، وقال في المجموعة : ليس عليه شراء القربة بعشرة دراهم ، قال
ابن الجلاب : يحتمل أن يحد بالثلث ، واعتبر أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مطلق الزيادة .
فرع : في الجواهر : لو وهب له الماء لزمه قبوله عند القرويين لعدم المنة في مثل هذا ، ولا يلزمه عند
القاضي أبي بكر ، وقيل : إنما يلزمه قبول ثمن الماء ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس : يلزمه الماء قولا واحدا بخلاف الثمن . السبب الخامس :
nindex.php?page=treesubj&link=27364خوف العطش على نفسه : قاله في الكتاب ، وفي التفريع ، وإن خافه على غيره ، وكذلك قاله ش ح قال صاحب الكتاب : يكفي ضرر العطش من غير تلف كالجبيرة ، ولا فرق بين خوف العطش الآن ، أو في المستقبل . السبب السادس : في الجواهر : الخوف على النفس ، أو المال من السارق ، أو السبع ، وقيل : الخوف على المال لا يبيح .
[ ص: 334 ] 2 ( الْبَابُ الْخَامِسُ )
3 ( فِي بَدَلِ الْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ )
وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=32599_30231مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهَا ، وَلِيَجْمَعَ لَهَا فِي عِبَادَتِهَا بَيْنَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ إِيجَادِهَا ، وَالْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ اسْتِمْرَارِ حَيَاتِهَا إِشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ ، وَالسَّعَادَةِ السَّرْمَدِيَّةِ جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِهَا مِنْ غَيْرِ مِحْنَةٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=25282وَهُوَ فِي اللُّغَةِ : مِنَ الْأَمِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، وَهُوَ الْقَصْدُ يُقَالُ : أَمَّهُ ، وَأَمَمَهُ ، وَتَأَمَّمَهُ إِذَا قَصَدَهُ ، وَأَمَّهُ أَيْضًا شَجَّهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ .
وَمِنَ الْأَوَّلِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) أَيْ لَا تَقْصِدُوهُ ، ثُمَّ نُقِلَ
nindex.php?page=treesubj&link=25283فِي الشَّرْعِ لِلْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ .
وَأَوْجَبَهُ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ فَوَاتِهَا ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُمِرَ عَادِمُ الْمَاءِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اهْتِمَامَ الشَّرْعِ بِمَصَالِحِ الْأَوْقَاتِ أَعْظَمُ مِنَ اهْتِمَامِهِ بِمَصَالِحِ الطَّهَارَةِ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَأَيُّ مَصْلَحَةٍ فِي إِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا دُونَ مَا قَبْلَهُ ، وَبَعْدَهُ مَعَ جَزْمِ الْعَقْلِ بِاسْتِوَاءِ أَفْرَادِ الْأَزْمَانِ .
قُلْتُ : اعْتَمَدَ الْعُلَمَاءُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ : أَنَّا اسْتَقْرَأْنَا عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي شَرْعِهِ ، فَوَجَدْنَاهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ ، وَدَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ ، وَكَذَلِكَ
[ ص: 335 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : إِذَا سَمِعْتَ نِدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَتَجِدُهُ إِمَّا يَدْعُوكَ لِخَيْرٍ ، أَوْ لِيَصْرِفَكَ عَنْ شَرٍّ .
فَمِنْ ذَلِكَ إِيجَابُ الزَّكَوَاتِ ، وَالنَّفَقَاتِ لِسَدِّ الْخَلَّاتِ ، وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ جَبْرًا لِلْمُتْلَفَاتِ ، وَتَحْرِيمُ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالْمُسْكِرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ ، وَإِعْرَاضًا عَنِ الْمُفْسِدَاتِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّاتِ ، وَالْأُخْرَوِيَّاتِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ إِكْرَامُ الْعُلَمَاءِ ، وَإِهَانَةُ الْجُهَلَاءِ ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ خَصَّصَ شَخْصًا بِالْإِكْرَامِ ، وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ حَالَهُ ، فَإِنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ عَالِمٌ عَلَى جَرَيَانِ الْعَادَةِ ، وَكَذَلِكَ مَا تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ بِالتَّعَبُّدِ مَعْنَاهُ أَنَا لَا نَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ ، وَإِنْ كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ حِكْمَةً ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حِكْمَةَ لَهُ .
وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَمَرَ
مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِتَرْكِ السُّنَنِ ; لِأَنَّ الْإِعَادَةَ حِينَئِذٍ تُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَقْتِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَجْمُوعُهُمَا مُهِمٌّ بِخِلَافِ خَارِجِ الْوَقْتِ لِذَهَابِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِمَجْمُوعِ مَصْلَحَتَيْنِ الِاهْتِمَامُ بِإِحْدَاهُمَا .
ثُمَّ يَبْحَثُ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي أَسْبَابِهِ ، وَالَّذِي يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ مَنْ هُوَ ، وَالَّذِي يُتَيَمَّمُ بِهِ وَصِفَةِ التَّيَمُّمِ ، وَالْمُتَيَمَّمِ لَهُ ، وَوَقْتِ التَّيَمُّمِ ، وَالْأَحْكَامِ التَّابِعَةِ لِلتَّيَمُّمِ ، فَهَذِهِ فُصُولٌ سَبْعَةٌ . ( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ )
3 ( فِي
nindex.php?page=treesubj&link=313أَسْبَابِهِ ، وَهِيَ سِتَّةٌ )
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=320عَدَمُ الْوِجْدَانِ لِلْمَاءِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي الطَّلَبِ فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ ، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الطَّلَبِ إِلَى حِينِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا فَيَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ ; لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إِلَّا بِهِ ، وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ ، فَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=318طَلَبُ الْمَاءِ وَاجِبًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْعَجْزُ فَيَتَيَمَّمُ حِينَئِذٍ ، وَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) أَيْ بَعْدَ الطَّلَبِ قَالَ صَاحِبُ
[ ص: 336 ] الطَّرَّازِ : الطَّلَبُ الْوَاجِبُ عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ ، وَالْحَالَةِ الْمَوْجُودَةِ ، فَقَدْ رَوَى
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِسُؤَالِ الْمُسَافِرِ أَصْحَابَهُ الْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ يَكْثُرُ فِيهِ أَمَّا مَوْضِعٌ يُعْدَمُ ، فَلَا ، وَرَوَى
أَشْهَبُ إِنَّمَا يَطْلُبُهُ مِمَّنْ يَلِيهِ ، وَيَرْجُوهُ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا ، وَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ ،
وَأَصْبَغُ ،
وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : يَطْلُبُ فِي الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ مِمَّنْ حَوْلَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَقَدْ أَسَاءَ ، وَلَا يُعِيدُ ، وَإِنْ كَانَتِ الرُّفْقَةُ يَسِيرَةً ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ ، وَشِبْهُهُمَا ، وَهُمْ مُتَقَارِبُونَ ، فَلْيُعِدْ أَبَدًا لِكَثْرَةِ الرَّجَاءِ .
وَقَالُوا : الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا تَخْرُجُ تُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ ، ثُمَّ تَخْرُجُ ، فَتَطْلُبُ .
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ، فَفِي الْجَوَاهِرِ أَرْبَعُ حَالَاتٍ :
إِحْدَاهُمَا تَحَقُّقُ الْعَدَمِ حَوْلَهُ فَيَتَيَمَّمُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ .
الثَّانِيَةُ : أَنْ يَتَوَهَّمَهُ حَوْلَهُ ، فَلْيَفْحَصْ فَحْصًا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقَوِيِّ ، وَالضَّعِيفِ ، وَالرَّجُلِ ، وَالْمَرْأَةِ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَعْتَقِدَ قُرْبَهُ فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ لَهُ ، وَحَدُّ الْقُرْبِ عَدَمُ الْمَشَقَّةِ ، وَفَوَاتِ الرُّفْقَةِ ، وَرُوِيَ فِي كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12927مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ : مَنْ شَقَّ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمِيلِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونُ : لَا يَعْدِلُ لِلْمِيلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ آمِنًا ; لِأَنَّ الْبُعْدَ يُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ، وَقَالَ فِي الْكِتَابِ : إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ يُرِيدُ قَرْيَةً أُخْرَى ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ إِنْ طَمِعَ فِي الْمَاءِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ مَضَى إِلَيْهِ ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ . قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ الِاخْتِيَارِيَّ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ ، وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي الْمُوَطَّأِ ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُؤَخِّرُ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَعْدَ الشَّفَقِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ امْتِدَادِهِ لَا يُؤَخِّرُ تَيَمُّمَهُ إِلَى الشَّفَقِ .
قَالَ
التُّونِسِيُّ : وَيَتَخَرَّجُ فِيهَا قَوْلٌ آخَرُ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى مَا بَعْدَ الشَّفَقِ لِقَوْلِهِ : ( فِي الْحَضَرِ ) بِخِلَافِ إِنْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ ، أَوْ ذَهَبَ إِلَى النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ .
وَكَذَلِكَ خَرَّجَهُ
ابْنُ حَبِيبٍ أَيْضًا قَالَ : وَهُوَ عِنْدِي لَا يَصِحُّ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ .
[ ص: 337 ] حُجَّةُ الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) ، وَهُوَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وِجْدَانُهُ ، وَرَوَى
مَالِكٌ عَنْ
نَافِعٍ قَالَ : أَقْبَلْتُ أَنَا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ
الْجُرُفِ حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ، ثُمَّ صَلَّى ،
وَالْمِرْبَدُ مِنَ
الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلَيْنِ .
قَالَ
الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ :
الْجُرُفُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ ،
وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ مِنْ تَحْتِهَا ، وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ إِنَّمَا يُشْرَعُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونُ : لَا يَعْدِلُ الْخَارِجُ مِنَ الْقَرْيَةِ إِلَى مِيلٍ ، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ ؛ يُرِيدُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَقْصِدِهِ ، وَهُوَ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ
مَالِكٍ ، فَإِنَّ قَوْلَ
مَالِكٍ مَحْمُولٌ عَلَى الَّذِي يَكُونُ ذَلِكَ قَصْدُهُ .
الرَّابِعَةُ : أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ حَاضِرًا لَكِنْ لَيْسَ لَهُ آلَةٌ تُوصِلُ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ .
وَلَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ إِنِ اشْتَغَلَ بِالنَّزْعِ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ فِي الْكِتَابِ : يُعَالِجُهُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ، وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَكِنْ لَوِ اسْتَعْمَلَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13256ابْنُ شَاسٍ : يَسْتَعْمِلُهُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ ، وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ
الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ ، وَحَكَاهُ
الْأَبْهَرِيُّ رِوَايَةً .
قَالَ
ابْنُ يُونُسَ : وَلَا فَرْقَ عِنْدِي بَيْنَ تَشَاغُلِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ ، أَوْ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنَ الْبِئْرِ ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ قَالَ : وَكَذَلِكَ قَالَ
ابْنُ الْقَصَّارِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14960وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ، وَفَرَّقَ
ابْنُ الْقَصَّارِ أَيْضًا ، فَقَالَ : فِي الْجُمُعَةِ يَتَوَضَّأُ ، وَلَوْ خَافَ فَوَاتَهَا ; لِأَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأَصْلُ ، وَوَقْتُهَا بَاقٍ ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِجَامِعِ الْفَرِيضَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَتَيَمَّمُ ، وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا .
قَالَ
عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ : وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّزْعِ مِنَ الْبِئْرِ ، وَالِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَاجِدٌ ، وَالنَّازِحَ فَاقِدٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ يَتَسَبَّبُ لِيَجِدَ .
[ ص: 338 ] فَرْعَانِ :
الْأَوَّلُ : لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=25487_1997كَانَ مَعَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ قَدْرُ كِفَايَةِ أَحَدِهِمْ مَاءً وَأَحَدُهُمْ جُنُبٌ ، وَالْآخَرُ مُحْدِثٌ ، وَالثَّالِثُ مَيِّتٌ . قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : الْحَيُّ أَوْلَى ، وَيُيَمَّمُ الْمَيِّتُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْحَيَّ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ ، وَالْمَيِّتِ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِهَا فَقَطْ ، وَلِأَنَّ حَالَةَ طَهَارَةِ الْحَيِّ تَعُودُ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَحَالَ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ لَا تَعُودُ عَلَى الْحَيِّ ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ ، وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ الْحَيُّ لِيَشْرَبَهُ أَخَذَهُ ، وَيُقَوَّمُ بِثَمَنِهِ لِلْوَارِثِ ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُ مِثْلِهِ إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَيْنَهُمَا ، فَالْحَيُّ أَوْلَى بِهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي : الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ .
فَعَلَى الْبَحْثِ الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ مَعَ رَجُلٍ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ ، وَوَجَدَ جُنُبًا ، وَمَيِّتًا يَكُونُ الْحَيُّ أَوْلَى بِهِبَتِهِ مِنَ الْمَيِّتِ خِلَافًا ش فِي قَوْلِهِ : إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ طَهَارَةِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ ، وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْمَاءِ ، وَطَهَارَةُ الْحَيِّ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْإِبَاحَةُ ، وَالتَّيَمُّمُ كَافٍ فِي ذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ آخِرُ عَهْدِهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالطَّهَارَةِ ، وَالْحَيُّ يَتَطَهَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، وَالنَّظَافَةُ تَبَعٌ ، وَلِهَذَا إِذَا لَمْ يُوجَدِ الْمَاءُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ حَتَّى يُيَمَّمَ ، وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ لَمَّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يُغَسَّلْ .
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ آخِرُ عَهْدِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكْمُلَ .
وَالْجُنُبُ أَوْلَى مِنَ الْمُحْدِثِ لِعُمُومِ مَنْعِ الْجَنَابَةِ ، وَلِأَنَّ الْجُنُبَ مُسْتَعْمِلٌ جُمْلَةَ الْمَاءِ ، وَالْمُحْدِثَ يَتْرُكُ بَعْضَهُ بِلَا انْتِفَاعٍ .
وَعَلَى هَذَا لَوِ
nindex.php?page=treesubj&link=25487اجْتَمَعَ جُنُبٌ ، وَحَائِضٌ هَلْ تَكُونُ الْحَائِضُ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَسْتَفِيدُ بِالْغُسْلِ أَكْثَرَ مِنَ الْجُنُبِ ، أَوْ يَسْتَوِيَانِ ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ ; لِأَنَّ الْغُسْلَ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ ، فَإِنَّهُ بَعْضُ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ .
[ ص: 339 ] الثَّانِي : قَالَ فِي الْكِتَابِ : إِذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ ، وَهُوَ جُنُبٌ تَيَمَّمَ ، وَلَا يَتَوَضَّأُ فِي أَوَّلِ تَيَمُّمِهِ ، وَلَا ثَانِيهِ ، وَيَغْسِلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ النَّجَاسَةَ خِلَافًا ش فِي أَمْرِهِ بِالْوُضُوءِ حَتَّى يَصِيرَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ .
لَنَا : أَنَّهُ بَدَلٌ ، وَالْبَدَلُ هُوَ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَحِلَّ مَحَلَّ الْمُبْدَلِ ، وَلَا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي كَوْنِهِ يَجْمَعُ بَيْنَ مَسْحِهِ ، وَغَسْلِ غَيْرِهِ أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا عَنِ الْمَغْسُولِ ، وَبَيْنَهَا ، وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْمَاءَ يُطَهِّرُ مِنَ الْخَبَثِ كُلَّ مَوْضِعٍ غُسِلَ بِهِ ، وَلَوْ قَلَّ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ لَا تَحْصُلُ طَهَارَتُهُ إِلَّا بِجُمْلَةِ الْغُسْلِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ ، وَالتَّيَمُّمِ لِلْجَنَابَةِ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ شُرِّعَ مَعَ الْغُسْلِ دُونَ التَّيَمُّمِ أَمْرَانِ :
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ جِنْسِ الْغُسْلِ شُرِّعَ بَيْنَ يَدَيْهِ أُهْبَةً لَهُ كَالْمَضْمَضَةِ ، وَالِاسْتِنْشَاقِ قَبْلَ الْوُضُوءِ ، وَالْإِقَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الصَّلَاةِ ، وَالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التَّيَمُّمِ ، فَلَا يُشْرَعُ تَهَيُّؤًا لَهُ .
وَثَانِيهِمَا أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَشْرَفُ الْجَسَدِ لِكَوْنِهَا مَوْضِعَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ ، فَكَانَتِ الْبَدَاءَةُ بِهِ أَوْلَى ، وَالتَّيَمُّمُ شُرِعَ فِي عُضْوَيْنِ مِنْهَا ، فَالْوُضُوءُ يَأْتِي عَلَيْهِمَا ، وَعَلَى غَيْرِهِمَا ، فَلَا مَعْنَى لِلْبِدَايَةِ بِالْوُضُوءِ . السَّبَبُ الثَّانِي : فِي الْجَوَاهِرِ :
nindex.php?page=treesubj&link=316الْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ النَّفْسِ ، أَوْ عُضْوٍ ، أَوْ مَنْفَعَةٍ ، أَوْ زِيَادَةِ مَرَضٍ ، أَوْ تَأَخُّرِ بُرْءٍ ، أَوْ حُدُوثِ مَرَضٍ يُخَافُ مَعَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَرَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ لَا يَتَيَمَّمُ لِتَوَقُّعِ الْمَرَضِ ، أَوْ لِزِيَادَتِهِ ، أَوْ تَأَخُّرِ الْبُرْءِ ، أَوْ مُجَرَّدِ الْأَلَمِ ، فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى ) ، وَمَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10348357عَنْ [ ص: 340 ] nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ ، فَتَيَمَّمْتُ ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ : يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ ، وَأَنْتَ جُنُبٌ ، فَأَخْبَرْتُهُ الَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ ، وَقُلْتُ سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) ، فَضَحِكَ ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَ أُبِيحَ لِلْمَرِيضِ مَعَ عَدَمِ الْأَذَى ، فَهَاهُنَا أَوْلَى ، وَخَالَفَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَأْخِيرِ الْبُرْءِ ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا قِيَاسًا عَلَى تَوَقُّعِ الْمَرَضِ ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) . قَاعِدَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=20656الْمَشَاقُّ قِسْمَانِ :
أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادَةُ كَالْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ ، وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الْأَطْوَلِ ، وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنُّفُوسِ فِي الْجِهَادِ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخْفِيفًا فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهَا قُرِّرَتْ مَعَهُ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهُ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ :
نَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا : كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ ، وَالْأَعْضَاءِ ، وَالْمَنَافِعِ ، فَهَذَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ ; لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ ، فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ لِثَوَابِهَا لَذَهَبَ أَمْثَالُهَا .
وَنَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا : كَأَذَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ ، فَتَحْصِيلُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ ، وَخِسَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ .
النَّوْعُ الثَّالِثُ : مَشَقَّةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ ، فَمَا قَرُبَ مِنَ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ ، وَمَا قَرُبَ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْ ، وَمَا تَوَسَّطَ يُخْتَلَفُ فِيهِ لِتَجَاذُبِ الطَّرَفَيْنِ لَهُ ، فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ .
تَتْمِيمٌ : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : تَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافٍ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ ، فَمَا كَانَ
[ ص: 341 ] فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَهَمَّ اشْتُرِطَ فِي إِسْقَاطِهِ أَشَدُّ الْمَشَاقِّ ، أَوْ أَعَمُّهَا ، فَإِنَّ الْعُمُومَ بِكَثْرَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِظَمِ كَمَا سَقَطَ التَّطَهُّرُ مِنَ الْخَبَثِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ ، وَثَوْبِ الْمُرْضِعِ ، وَكَمَا سَقَطَ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ ، أَوِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، أَوِ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ ، وَمَا لَمْ تَعْظُمْ رُتْبَتُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ تُؤْثَرُ فِيهِ الْمَشَاقُّ الْخَفِيفَةُ .
وَجَمِيعُ بَحْثِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَطَّرِدُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ ، فَكَمَا وُجِدَتِ الْمَشَاقُّ فِي الْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : مُتَّفَقٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ ، وَمُتَّفَقٍ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ ، وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ ، كَذَلِكَ نَجِدُ فِي الصَّوْمِ ، وَالْحَجِّ ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ ، وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ، وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ ، وَغَضَبِ الْحُكَّامِ ، وَجُوعِهِمُ الْمَانِعِ مِنِ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ . سُؤَالٌ : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=20656ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤْثَرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا ؟ فَإِنَّا إِذَا سَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ : ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ فَيُحِيلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَيَقُولُونَ : لَا نَحُدُّ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الْعَوَامُّ ، وَالْعَوَامُّ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُمْ فِي الدِّينِ ؟
جَوَابُهُ : هَذَا السُّؤَالُ لَهُ وَقْعٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ إِنْ كَانَ سَهْلًا فِي بَادِي الرَّأْيِ ، وَنَحْنُ نَقُولُ : مَا لَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدِهِ يَتَعَيَّنُ تَقْرِيبُهُ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ التَّقْرِيبَ خَيْرٌ مِنَ التَّعْطِيلِ لِمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ ، فَنَقُولُ : عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ ، أَوْ إِجْمَاعٍ ، أَوِ اسْتِدْلَالٍ ، ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاقِّ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ ، أَوْ أَعْلَى جَعَلَهُ مَسْقَطًا ، وَإِنْ كَانَ أَدْنَى لَمْ يَجْعَلْهُ . مِثَالُهُ : التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=167كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلَهُ ، أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَالسَّفَرُ مُبِيحٌ الْفِطْرَ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْمَشَاقِّ .
سُؤَالٌ آخَرُ : مَا لَا ضَابِطَ لَهُ ، وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ اقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى أَقَلِّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا ، وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ
[ ص: 342 ] كَاتِبٌ ، يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا فِي الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ ، وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ ، وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا .
وَالْقِسْمُ الْآخَرُ : مَا وَقَعَ مُسْقِطًا لِلْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إِسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مَرْتَبَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤْثَرَةِ فِي إِسْقَاطِهَا ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ ، وَالْمُعَامَلَاتِ ؟
جَوَابُهُ : الْعِبَادَاتُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْمَعَادِ ، وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ ، وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ السَّرْمَدِيَّةِ ، فَلَا يَلِيقُ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا ، وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ الرُّخَصِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلَغُ فِي إِظْهَارِ الطَّاعَةِ ، وَأَبْلَغُ فِي التَّقَرُّبِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحَمَزُهَا ) أَيْ أَشَقُّهَا ، وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348358أَجْرُكَ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكَ .
وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ ، فَتَحْصُلُ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتِ الْأَعْوَاضُ فِيهَا بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشُّرُوطِ بَلِ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ ، وَنَشْرِ الْفَسَادِ ، وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ . فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=316تَيَمَّمَ الْمَرِيضُ مِنَ الْجَنَابَةِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثَ الْوُضُوءِ ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26764الْجَنَابَةَ تُسْقِطُ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ، وَيَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِلْجَنَابَةِ .
الثَّانِي : قَالَ : إِذَا قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى الْوُضُوءِ ، وَالصَّلَاةِ قَائِمًا ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ ، وَهُوَ فِي عَرَقِهِ ، فَخَافَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ عَرَقُهُ ، وَدَامَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ قَالَ
مُطَرِّفٌ ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ ،
وَأَصْبَغُ : يَتَيَمَّمُ ، وَيُصَلِّي إِيمَاءً لِلْقِبْلَةِ ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ زَوَالِ عَرَقِهِ لَمْ يُعِدْ ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ تَأْخِيرُ الْبُرْءِ .
[ ص: 343 ] الثَّالِثُ : قَالَ : إِذَا عَظُمَتْ بَطْنُهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَاءِ ، أَوْ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ فِي الْبَحْرِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ وُسْعُهُ . السَّبَبُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=23578_319الْجِرَاحُ الْمَانِعَةُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ قَالَ فِي الْكِتَابِ : قِيلَ
لِابْنِ الْقَاسِمِ : إِذَا عَمَّتْهُ الْجِرَاحُ ؟ قَالَ : يَتَيَمَّمُ ، قِيلَ : فَأَكْثَرُهُ جَرِيحٌ قَالَ : يَغْسِلُ الصَّحِيحَ ، وَيَمْسَحُ الْجَرِيحَ ، قِيلَ لَهُ : لَمْ يَبْقَ إِلَّا يَدٌ ، أَوْ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ قَالَ : لَا أَحْفَظُ عَنْ
مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا ، وَأَرَى أَنْ يَتَيَمَّمَ ، وَقَالَ
ابْنُ الْجَلَّابِ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=319كَانَتْ بِهِ جِرَاحٌ فِي أَكْثَرِ جَسَدِهِ ، وَهُوَ جُنُبٌ ، أَوْ فِي أَكْثَرِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ ، وَهُوَ مُحْدِثٌ يَتَيَمَّمُ . قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ : إِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّ الْأَكْثَرَ مُتَفَرِّقٌ فِي الْجَسَدِ مَنَعَ مَسَّ السَّالِمِ ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِلَّا ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْكِتَابِ ، وَمُوَافِقٌ
لِأَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ يَقُولُونَ : إِنْ كَانَ أَقَلُّهُ مَجْرُوحًا جَمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ ، وَالتَّيَمُّمِ ، أَوْ سَالِمًا كَفَاهُ التَّيَمُّمُ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ لَا يَكْفِي فِيمَا صَحَّ إِلَّا الْغُسْلُ ، وَإِنْ قَلَّ ، وَإِذَا مَسَحَ ، وَغَسَلَ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ كِفَايَتِهِ مِنَ الْمَاءِ ، فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ ؛ لِمَا فِي
أَبِي دَاوُدَ عَنْ
جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348359خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ ؟ فَقَالُوا لَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً ، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ ، فَاغْتَسَلَ ، فَمَاتَ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا ؟ ! إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ؛ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ ، وَيَعْصِرَ ، أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا ، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ . يُرِيدُ أَنَّ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ تُجْزِئُهُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَجْرُوحِ ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّيَمُّمِ مَعَ الْغَسْلِ ; لِأَنَّ الْبَدَلَ ، وَالْمُبْدَلَ مِنْهُ لَا يَجْتَمِعَانِ .
فَرْعٌ : قَالَ
عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ : إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا يَدٌ ، أَوْ رِجْلٌ ، فَغَسَلَ الصَّحِيحَ ، وَمَسَحَ الْجِرَاحَ لَمْ يُجْزِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْغَسْلِ ، وَلَا بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ التَّيَمُّمُ ، وَلَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ ، وَغَسَلَ الْجَمِيعَ أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّ التَّيَمُّمَ حَقُّهُ ، فَإِذَا أَسْقَطَهُ سَقَطَ كَمَنْ صَلَّى قَائِمًا مَعَ مُبِيحِ الْجُلُوسِ . السَّبَبُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=27153غَلَاءُ الْمَاءِ إِنْ كَانَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إِلَّا بِثَمَنٍ ، وَهُوَ قَلِيلُ الدَّرَاهِمِ يَتَيَمَّمُ ، أَوْ كَثِيرُهَا اشْتَرَاهُ مَا لَمْ يَكْثُرِ الثَّمَنُ فَيَتَيَمَّمُ . أَمَّا الشِّرَاءُ فَقِيَاسًا عَلَى الرَّفْعِ مِنَ
[ ص: 344 ] الْبِئْرِ ، وَالطَّلَبِ فِي الْفَلَوَاتِ بِجَامِعِ الْمَشَقَّةِ ، وَأَمَّا إِذَا كَثُرَ الثَّمَنُ ، فَلَا يَشْتَرِيهِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ ، وَلَيْسَ فِي الْكَثِيرِ حَدٌّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ : لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ إِلَّا بِثَمَنِهِ ، أَوْ شِبْهِهِ ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ : لَيْسَ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْقِرْبَةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، قَالَ
ابْنُ الْجَلَّابِ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَدَّ بِالثُّلُثِ ، وَاعْتَبَرَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ .
فَرْعٌ : فِي الْجَوَاهِرِ : لَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ عِنْدَ الْقَرَوِيِّينَ لِعَدَمِ الْمِنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا ، وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ
الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ، وَقِيلَ : إِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِ الْمَاءِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13256ابْنُ شَاسٍ : يَلْزَمُهُ الْمَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الثَّمَنِ . السَّبَبُ الْخَامِسُ :
nindex.php?page=treesubj&link=27364خَوْفُ الْعَطَشِ عَلَى نَفْسِهِ : قَالَهُ فِي الْكِتَابِ ، وَفِي التَّفْرِيعِ ، وَإِنْ خَافَهُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ ش ح قَالَ صَاحِبُ الْكِتَابِ : يَكْفِي ضَرَرُ الْعَطَشِ مِنْ غَيْرِ تَلَفٍ كَالْجَبِيرَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ خَوْفِ الْعَطَشِ الْآنَ ، أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . السَّبَبُ السَّادِسُ : فِي الْجَوَاهِرِ : الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ ، أَوِ الْمَالِ مِنَ السَّارِقِ ، أَوِ السَّبُعِ ، وَقِيلَ : الْخَوْفُ عَلَى الْمَالِ لَا يُبِيحُ .