الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو طلق إحدى امرأتيه ثلاثا فمات ولا تعرف : اعتدتا أربعة أشهر وعشرا ، تكمل كل واحدة منهما فيها ثلاث حيض " . قال الماوردي : وصورتها : في رجل طلق إحدى زوجتيه ثم مات فطلاقه على ضربين : معين ، ومبهم ، فإن كان طلاقه معينا لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن يبين قبل موته أو لا يبين ، فإن بين المطلقة منهما قبل موته فقد زال حكم الإشكال وأجري على المطلقة حكمها في الطلاق والعدة ، وأجري على المتوفى عنها حكمها في الميراث والعدة ، وإن لم يبين وكان عند الورثة بيان عمل على بيانهم ، وإن لم يكن عند الورثة بيان فقد أشكلت المطلقة من المتوفى عنها زوجها فلا يخلو حالهما من أن تتفق أحوالها أو تختلف ، فإن اتفقت أحوالهما فلا يخلو من أن يكون قد دخل بها أو لم يدخل فإن لم يدخل بها فالمطلقة منهما لا عدة عليها ، والمتوفى عنها عليها العدة ، وإذا أشكلتا اعتدت كل واحدة منهما استظهارا للمتوفى عنها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، ولا يلزم أن يكون فيها حيض لتنقضي عدة المتوفى عنها ولا يضر اعتداد المطلقة في حكم الاستظهار مع حدوث الإشكال ، وإن كان قد دخل بها ، فعلى كل واحدة منهما العدة يقينا لكنهما يختلفان فيهما ، فعلى المطلقة عدة الطلاق وعلى المتوفى عنها عدة الوفاة ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حالهما مع اتفاقهما من ثلاثة أقسام : إما أن يكونا من ذوات الحمل ، أو من ذوات الأقراء ، أو من ذوات الشهور ، فإن كانتا من ذوات الحمل فقد اتفقا في عدة الطلاق ، وعدة الوفاة ؛ لأن عدة كل واحد منهما وضع الحمل فأيتهما وضعت حملها انقضت عدتها ، وإن كانتا من ذوات الأقراء لم يخل حال الطلاق من أحد أمرين : إما أن يكون بائنا أو رجعيا ، فإن كان رجعيا فلا يخلو موت الزوج من أن يكون قبل انقضاء العدة أو بعدها ، فإن كان موته قبل انقضاء العدة فكل واحدة منهما زوجة تعتد عدة الوفاة ، ويحكم لها بالميراث ؛ لأن الرجعية زوجة ما لم تنقض عدتها فعلى هذا تعتد كل واحدة منهما بأربعة أشهر وعشر اعتدادا يشتركان في وجوبه ولا يلزم أن يكون فيهما حيض ، وإن مات بعد انقضاء العدة [ ص: 243 ] فالمطلقة منهما قد بانت بانقضاء العدة ، والمتوفى عنها هي الزوجة المعتدة ، ولكن إشكالهما قد أوجب أن تعتد كل واحدة منهما بأربعة أشهر وعشر ولا يلزم أن يكون فيها حيض وإن كان الطلاق بائنا فلا يخلو موت الزوج من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يموت عقيب الطلاق قبل مضي شيء من العدة فهي مسألة الكتاب ، وعدة المطلقة منها ثلاثة أقراء وعدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر ، وقد أشكلت فأوجب إشكالهما الاحتياط في عدتهما ، وذلك بأن تعتد كل واحدة بأقصى الأجلين من ثلاثة أقراء أو أربعة أشهر وعشر ، فإن مضت ثلاثة أقراء قبل أربعة أشهر وعشر مكثت تمام أربعة أشهر وعشر استكمالا لعدة الوفاة ، وإن مضت أربعة أشهر وعشر قبل ثلاثة أقراء مكثت تمام ثلاثة أقراء استكمالا لعدة الطلاق وهذا معنى قول الشافعي : " اعتدت كل واحدة منهما بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض " ، لأن الإشكال فيما يجب عليها من العدتين قد أوجب حملهما على أغلظ الأمرين احتياطا في العدة واستظهارا للعبادة كمن أشكلت عليه صلاة من صلاتين وجب أن يقضيهما عند الإشكال كذلك هاهنا الحال . الثانية : أن يموت الزوج بعد مضي العدة وبقاء بعضها ، كأنه مات وقد مضى من العدة قرء وبقي قرآن فعلى كل واحدة منهما أن تعتد بأربعة أشهر فيهما حيضتان ، فإن مضت أربعة أشهر وعشر قبل حيضتان مكثت حتى تستكمل حيضتين لتنقضي بالحيضتين عدة الطلاق وبأربعة أشهر وعشر عدة الوفاة . والحال الثالثة : أن يموت الزوج بعد انقضاء العدة فليس على المطلقة عدة وعلى المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر ، ولا يلزم أن يكون فيها حيض ؛ لأنها عدة وفاة محضة اختصت بإحداهما ، وإنما اشتركا في التزامهما بحكم الإشكال ، وإن كانت من ذوات الشهور فعدة المطلقة منهما ثلاثة أشهر ، وعدة المتوفى عنها أربعة أشهر فتعتد كل واحدة منهما عند الإشكال بأربعة أشهر على الأحوال كلها فهذا حكمهما مع اتفاق أحوالهما . فأما إن اختلفت أحوالهما فكانت إحداهما مدخولا بها والأخرى غير مدخول بها ، أو كانت إحداهما حاملا ، والأخرى حائلا ، أو كانت إحداهما من ذوات الأقراء ، والأخرى من ذوات الشهور ، فأجري على كل واحدة منهما حكمها الذي أجرته عليها لو شاركتها الأخرى في صفتها فتجري على المدخول بها حكمها كما لو كانت الأخرى مدخولا بها وتجري على غير المدخول بها حكمها لو كانت الأخرى غير مدخول بها ، وتجري على الحامل حكمها لو كانت الأخرى حاملا ، ويجري على الحائل حكمها لو كانت الأخرى حائلا ، ويجري على ذوات الأقراء حكمها لو كانت الأخرى ذات الأقراء ، وعلى ذات الشهور حكمها لو كانت الأخرى ذات شهور . [ ص: 244 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية