الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الرابع : الصيغة ، فلا يصح الوقف إلا بلفظ ، لأنه تمليك للعين والمنفعة ، أو المنفعة ، فأشبه سائر التمليكات ، لأن العتق مع قوته وسرايته لا يصح إلا بلفظ ، فهذا أولى . فلو بني على هيئة المساجد ، أو على غير هيئتها ، وأذن في الصلاة فيه ، لم يصر مسجدا ، وكذا لو أذن في الدفن في ملكه ، لم يصر مقبرة سواء صلى في ذاك ودفن في ذا ، أم لا .

                                                                                                                                                                        وألفاظ الوقف على مراتب :

                                                                                                                                                                        إحداها : قوله : وقفت كذا ، أو حبست ، أو سبلت ، أو أرضي موقوفة ، أو محبسة ، أو مسبلة ، فكل لفظ من هذا صريح ، هذا هو الصحيح الذي قطع [ ص: 323 ] به الجمهور . وفي وجه : كل هذا كناية ، وفي وجه : الوقف صريح ، والباقي كناية ، وفي وجه : التسبيل كناية والباقي صريح .

                                                                                                                                                                        الثانية : قوله : حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها ، أو داري محرمة ، أو مؤبدة ، كناية على المذهب ، لأنها لا تستعمل إلا مؤكدة للأولى .

                                                                                                                                                                        الثالثة : تصدقت بهذه البقعة ، ليس بصريح ، فإن زاد معه شيئا ، فالزيادة لفظ ، أو نية ، فأما اللفظ ، ففيه أوجه . أصحها : إن قرن به بعض الألفاظ السابقة ، بأن قال : صدقة محرمة ، أو محبسة ، أو موقوفة ، أو قرن به حكم الوقف ، فقال : صدقة لا تباع ، ولا توهب ، التحق بالصريح ، لانصرافه بهذا عن التمليك المحض .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يكفي قوله : صدقة محرمة ، أو مؤبدة ، بل لا بد من التقييد بأنها لا تباع ، ولا توهب ، ويشبه أن لا يعتبر هذا القائل في قوله : صدقة موقوفة مثل هذا التقييد .

                                                                                                                                                                        والثالث : لا يكون صريحا بلفظ ما ، لأنه صريح في التمليك المحض . وأما النية ، فإن أضاف إلى جهة عامة بأن قال : تصدقت به على المساكين ونوى الوقف ، فوجهان : أحدهما : أن النية لا تلتحق باللفظ في الصرف عن صريح الصدقة إلى غيره . وأصحهما : تلتحق فيصير وقفا .

                                                                                                                                                                        وإن أضاف إلى معين ، فقال : تصدقت عليك ، أو قاله لجماعة معينين ، لم يكن وقفا على الصحيح ، بل ينفذ فيما هو صريح فيه ، وهو التمليك المحض ، كذا قاله الإمام .

                                                                                                                                                                        ولك أن تقول : تجريد لفظ الصدقة عن القرائن اللفظية يمكن تصويره في الجهات العامة ، ولا يمكن في معينين إذا لم نجوز الوقف المنقطع ، فإنه يحتاج إلى بيان المصارف بعد المعينين ، وحينئذ فالمأتي به لا يحتمله غير الوقف ، كما أن قوله : تصدقت به صدقة محرمة ، أو موقوفة ، لا يحتمل غير الوقف . [ ص: 324 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو قال : جعلت هذا المكان مسجدا ، صار مسجدا على الأصح ، لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه . وقطع الأستاذ أبو طاهر والمتولي ، والبغوي ، بأنه لا يصير مسجدا ، لأنه لم يوجد شيء من ألفاظ الوقف .

                                                                                                                                                                        قال الأستاذ : فإن قال : جعلته مسجدا لله تعالى ، صار مسجدا .

                                                                                                                                                                        وحكى الإمام خلافا للأصحاب في استعمال لفظ الوقف فيما يضاهي التجريد ، كقوله : وقفت هذه البقعة على صلاة المصلين ، وهو يريد جعلها مسجدا ، والأصح صحته .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية