الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثالث : المشبه به أصل الظهار ، تشبيه الزوجة بظهر الأم ، ولو شبهها بجدة من جهة الأب أو الأم ، فهو ظهار قطعا ، هكذا قطع به الجمهور .

                                                                                                                                                                        وقيل : فيه خلاف كالتشبيه بالبنت . وأما غير الأم والجدة من المحارم ، فقسمان . أحدهما : محرمات بالنسب ، كالبنات ، والأخوات ، والعمات ، والخالات ، وبنات الأخت . فإذا شبه زوجته بظهر واحدة منهن ، فقولان ، الجديد وأحد قولي القديم : أنه ظهار ، والثاني : لا ، للعدول عن المعهود .

                                                                                                                                                                        القسم الثاني : المحرمات بالسبب ، وهن ضربان ، محرمات بالرضاع ، ومحرمات بالمصاهرة ، وفيهن خلاف مشتمل على أقوال ، وطرق ، وأوجه ، والمذهب منها عند الأصحاب : أن التشبيه بمن لم تزل منهن محرمة عليه ظهار ، وبما كانت حلالا له ثم حرمت ، ليس بظهار ، وإذا اختصرت الخلاف في الجميع ، جاء سبعة أقوال وأوجه . أحدها : اقتصار الظهار على التشبيه بالأم . والثاني : إلحاق الجدات [ ص: 265 ] بها فقط . والثالث : إلحاق محارم النسب . والرابع : إلحاق محارم الرضاع أيضا إذا لم يعهدن محللات . الخامس : إلحاقهن بحذف هذا الشرط . والسادس : إلحاق محارم المصاهرة بالشرط المذكور . السابع : إلحاقهن بحذف الشرط .

                                                                                                                                                                        والمذهب : إلحاق كل من لم تزل محرمة من الجميع فقط . ولو شبه بمن لا تحرم مؤبدا كأجنبية ، ومطلقة ، ومعتدة ، ومجوسية ، ومرتدة ، وأخت امرأته ، فليس بظهار قطعا ، سواء طرأ ما يؤيد التحريم ، بأن نكح بنت الأجنبية ، أو وطئ أمها وطئا محرما ، أم لم يطرأ . ولو شبه بملاعنته ، فليس بظهار ، لأن تحريمها ليس للمحرمية والوصلة ، ولو شبهها بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو قالت : أنت علي كظهر ابني ، أو أبي ، أو غلامي ، فليس بظهار .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قالت لزوجها : أنت علي كظهر أمي ، أو أنا عليك كظهر أمك ، فلا يلزم به شيء ، بل يختص بالرجال [ كالطلاق ]

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        تعليق الظهار صحيح ، فإذا قال : إن دخلت الدار ، وإذا جاء رأس الشهر ، فأنت علي كظهر أمي ، فوجدت الصفة ، صار مظاهرا منها . ولو قال : إن ظاهرت من حفصة ، فعمرة علي كظهر أمي وهما في نكاحه ، ثم ظاهر من حفصة صار مظاهرا منهما جميعا . ولو قال : إن ظاهرت من إحداكما ، أو أيكما ظاهرت منها ، فالأخرى علي كظهر أمي ، ثم ظاهر من إحداهما ، صار مظاهرا من الأخرى أيضا . ولو قال : إن ظاهرت من فلانة ، فأنت علي كظهر أمي ، وكانت فلانة أجنبية ، فخاطبها بلفظ الظهار ، لم يصر مظاهرا من زوجته ، لأن الظهار من الأجنبية لا ينعقد ، إلا أن يريد التلفظ بلفظ الظهار ، فيصير بالتلفظ مظاهرا من زوجته . ولو نكح فلانة ثم ظاهر منها ، صار مظاهرا من زوجته [ ص: 266 ] الأولى . ولو قال : إن ظاهرت من فلانة الأجنبية ، فأنت علي كظهر أمي ، فإن خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها ، فحكمه ما سبق . فإن نكحها ثم ظاهر منها ، فهل يصير مظاهرا من الزوجة الأولى ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، ويكون لفظ الأجنبية تعريفا لا شرطا ، كما لو قال : لا أدخل دار زيد هذه ، فباعها ، ثم دخلها ، حنث ، ولو قال : إن ظاهرت من فلانة أجنبية ، أو وهي أجنبية ، فأنت علي كظهر أمي ، فسواء خاطبها بلفظ الظهار قبل أن ينكحها ، أو نكحها ، وظاهر منها ، لا يصير مظاهرا من المعلق ظهارها ، لأنه شرط المظاهرة منها وهي أجنبية ، ولم يوجد الشرط ، وهو كقوله : إن بعت الخمر ، فأنت طالق ، أو كظهر أمي ، فأتى بلفظ البيع ، لا يقع الطلاق ولا الظهار ، تنزيلا للفظ العقود على الصحة . وعند المزني ، ينزل في مثل هذا على صورة العقد ، ومن الأصحاب من وافقه ، فصحح الظهار هنا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : إن دخلت الدار ، فأنت علي كظهر أمي ، فدخلت الدار وهو مجنون ، أو ناس ، فعن ابن القطان : أن في حصول العود ولزوم الكفارة قولين . قال ابن كج : وعندي أنها تلزم بلا خلاف ، كما لو علق طلاقها بالدخول ، فدخلت وهو مجنون ، وإنما يؤثر النسيان والإكراه ، في فعل المحلوف على فعله ، وهذا هو الصواب .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        سبق أن كل واحد من لفظي الطلاق والظهار ، لا يجوز أن يجعل كناية عن الآخر ، وأن قوله لزوجته : أنت علي حرام ، يصح كناية عن الطلاق والظهار . فإذا قال : أنت طالق كظهر أمي ، فله أحوال . أحدها : أن لا ينوي شيئا ، فتطلق ، ولا يصح الظهار .

                                                                                                                                                                        [ ص: 267 ] الثاني : أن يقصد بكل كلامه الطلاق وحده وأكده بلفظ الظهار ، فيقع الطلاق ولا ظهار .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن يقصد بالجمع الظهار ، فتطلق ، ولا ظهار على الصحيح ، لأن لفظ الطلاق ليس بظهار ، والباقي ليس بصريح في الظهار ، لعدم استقلاله ، ولم ينو به الظهار ، وإنما نواه بالمجموع . الرابع : أن يقصد الطلاق والظهار ، فينظر ، إن قصدهما بمجموع كلامه ، حصل الطلاق ولا يحصل الظهار على الصحيح . وقيل : يحصل لإقراره به ، وإن قصد الطلاق بقوله : أنت طالق ، والظهار بقوله : كظهر أمي ، طلقت ، فإن كانت تبين بالطلاق ، لم يصح الظهار ، وإلا فيصح الظهار مع الطلاق ، وقيل : لا يصح ، وهو ضعيف . وإن قال : أردت بقولي : " أنت طالق " الظهار ، وبقولي : كظهر أمي الطلاق ، وقع الطلاق وحده . وإن قال : أنت علي كظهر أمي طالق ، قال ابن كج : إن أراد الظهار والطلاق ، حصلا ، ولا يكون عائدا ، لأنه عقب الظهار بالطلاق ، فإن راجع ، كان عائدا ، وإن لم يرد شيئا ، صح الظهار . وفي وقوع الطلاق وجهان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت علي حرام كظهر أمي ، فإن نوى بكلامه الطلاق فقط ، فهو طلاق على الأظهر الأشهر ، وفي قول : ظهار ، وقيل : طلاق قطعا ، وقيل : طلاق وظهار ، حكاه ابن كج . وإن نوى بكلامه الظهار ، فظهار ، وإن نوى الطلاق والظهار جميعا ، نظر ، إن أرادهما بمجموع الكلام ، أو بقوله : أنت علي حرام ، لم يثبتا معا ، وأيهما يثبت ؟ فيه أوجه .

                                                                                                                                                                        أحدها : الطلاق ، والثاني : الظهار ، والثالث وبه قال ابن الحداد والجمهور : يخير فيثبت ما اختاره منهما ، وإن أراد بقوله : " أنت علي حرام " الطلاق ، وبقوله : " كظهر أمي " الظهار ، وقع الطلاق وحصل الظهار إن كان الطلاق رجعيا على الصحيح ، وإن كان بائنا ، فلا . وإن أراد بقوله : " أنت علي حرام الظهار " ، وبقوله : " كظهر [ ص: 268 ] أمي الطلاق " ، حصل الظهار قطعا ، ولا يقع الطلاق على الصحيح ، وإن قال : أردت بقولي : " أنت علي حرام " تحريم ذاتها الذي مقتضاه كفارة يمين ، قبل منه على الأصح ، وقيل : لا يقبل ويكون مظاهرا ، لأنه وصف التحريم بما يقتضي الكفارة العظمى ، فلا يقبل رده إلى الصغرى ، فعلى الأول ، إن لم ينو بقوله : " كظهر أمي " الظهار ، لم يلزمه شيء سوى كفارة اليمين ، ويكون قوله : كظهر أمي تأكيدا للتحريم ، وإن نوى الظهار ، لزمه كفارة اليمين ، وكان مظاهرا . وأما إذا أطلق ولم ينو شيئا يحتمله كلامه ، فلا طلاق لعدم الصريح والنية ، وفي كونه ظهارا وجهان . المنصوص في الأم أنه ظهار .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت علي كظهر أمي حرام ، كان مظاهرا ، قاله المتولي : فإن لم ينو بقوله : " حرام " شيئا ، كان تأكيدا ، وإن نوى تحريم عينها ، فكذلك ، ويدخل مقتضى التحريم وهو الكفارة الصغرى ، في مقتضى الظهار وهو الكفارة العظمى ، وإن نوى به الطلاق ، فقد عقب الظهار بالطلاق ، فلا عود .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت مثل أمي ونوى الطلاق ، كان طلاقا ، وكذا قوله : كروح أمي وعينها ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية