الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        القسم الثاني : إذا كانت العدتان لشخصين ، بأن كانت معتدة لزيد عن طلاق أو وفاة أو شبهة ، أو نكحها جاهلا ووطئها ، أو كانت المنكوحة معتدة عن وطء شبهة ، فطلقها زوجها ، فلا تداخل ، بل تعتد عن كل واحد عدة كاملة ، ثم قد لا يكون هناك حمل ، وقد يكون .

                                                                                                                                                                        الحال الأول : أن لا يكون ، فإن سبق الطلاق وطء الشبهة ، أتمت عدة [ ص: 386 ] الطلاق ، لتقدمها وقوتها . فإذا أتمتها ، استأنفت عدة الشبهة ، ثم إن لم يكن من الثاني إلا وطء شبهة ، ابتدأت عدته عقب عدة الطلاق ، فإن نكح الثاني ووطئ ، فزمن كونها فراشا له لا يحسب عن واحدة من العدتين . وبماذا تنقطع عدة الطلاق ؟ فيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى . ومتى تعود إليها ؟ وجهان ، أحدهما : من آخر وطء وقع في النكاح الثاني ، حكي عن القفال الشاشي . والثاني وهو الصحيح : من حين التفريق بينهما ، وللزوج الرجعة في عدته ، فإذا راجعها ، شرعت في عدة وطء الشبهة ، وليس للزوج الاستمتاع بها إلى أن تنقضي . وهل له تجديد نكاحها إن كان الطلاق بائنا ؟ وجهان ، أصحهما عند الأكثرين : نعم . ولو وطئت منكوحة بشبهة ، ثم طلقت وهي في عدة الشبهة ، فوجهان . أحدهما : تتم عدة الشبهة ، ثم تبتدئ عدة الطلاق مراعاة للسابق ، وأصحهما عند الأكثرين : تقدم عدة الطلاق ، لقوتها . فإن قدمنا عدة الشبهة ، فله الرجعة إذا اشتغلت بعد الطلاق . وهل له الرجعة قبل ذلك ؟ وجهان ، ولا يجوز تجديد نكاحها في عدة الشبهة إذا كان الطلاق بائنا ، لأنها في عدة الغير .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : تقدم عدة الطلاق ، شرعت فيها بنفس الطلاق ، فإذا تمت ، عادت إلى بقية عدة الشبهة ، وللزوج الرجعة إن كان الطلاق رجعيا . وهل له تجديد النكاح إن كان بائنا ؟ فيه الوجهان السابقان . ولو طرأ وطء شبهة في عدة وطء شبهة ، أتمت عدة الواطئ الأول بلا خلاف . ولو نكح امرأة نكاحا فاسدا ، ووطئها غيره بشبهة ، ثم فرق بينهما لظهور فساد النكاح ، قال البغوي : تقدم عدة الواطئ بشبهة بلا خلاف ، لأن عدته من وقت الوطء ، وعدة الناكح من التفريق ، ومعناه : أن عدة الواطئ سبق وجوبها ، وليس للفاسد قوة الصحيح ليترجح بها ، وقد تكون إحدى العدتين بالأقراء ، والأخرى بالأشهر ، بأن طلقها فمضى قرءان ، ثم نكحت فاسدا ودام فراشه حتى أيست ، ثم فرق [ ص: 387 ] بينهما ، فتكمل عدة الأول بشهر ، بدلا عن القرء الباقي ، ثم تعتد للفاسد بثلاثة أشهر .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يكون هناك حمل ، فيقدم عدة من الحمل منه سابقا كان أو متأخرا ، فإن كان الحمل للمطلق ، ثم وطئت بشبهة ، فإذا وضعت انقضت عدة الطلاق ، ثم تعتد بالأقراء للشبهة بعد طهرها من النفاس ، وللزوج رجعتها قبل الوضع . قال الروياني : لكن لا يراجعها في مدة اجتماع الواطئ بها ، لأنها حينئذ خارجة عن عدة الأول ، وفراش لغيره ، فلا تصح الرجعة في تلك الحالة . وهل له تجديد نكاحها قبل الوضع إن كان الطلاق بائنا ؟ فيه الوجهان السابقان ، ويجريان فيما لو وطئ امرأة بشبهة وأحبلها ، ثم وطئها آخر ، هل للأول أن ينكحها قبل الوضع ، وليس له أن ينكحها في عدة الثاني بحال ، وللثاني أن ينكحها في عدة نفسه ؟ .

                                                                                                                                                                        وإن كان الحمل من وطء الشبهة ، فإذا وضعت ، انقضت عدة الوطء وعادت إلى بقية عدة الطلاق ، وللزوج الرجعة في تلك البقية ، إن كان طلاقه رجعيا ، سواء في ذلك مدة النفاس وغيرها ، لأنها من جملة العدة ، كالحيض الذي يقع فيه الطلاق . وقيل : لا رجعة في مدة النفاس ، والصحيح الأول . وإذا ثبتت الرجعة ، فلو طلق ، لحقها الطلاق ، ولو مات أحدهما ، ورثه الآخر وانتقلت إلى عدة الوفاة بوفاة الزوج ، وهل له الرجعة قبل الوضع إن كان الطلاق رجعيا ، أو تجديد النكاح إن كان بائنا ؟ وجهان . أصحهما عند الشيخ أبي حامد : نعم ، لأنه لم تنقض عدته ، وكما في العدتين المختلفتين من شخص . وأصحهما عند الماوردي والبغوي : لا ، لأنها في عدة غيره . ثم قال البغوي : لو طلقها قبل الوضع ، لحقها الطلاق ولو مات أحدهما ، ورثه الآخر ، فإن مات الزوج ، انتقلت إلى عدة الوفاة ، حتى إذا وضعت ، تعتد عن الزوج عدة الوفاة وإن كان لا تصح رجعته ، لأنا نجعل زمان الرجعة كزمان صلب النكاح ، [ ص: 388 ] هذا لفظه ، وإذا راجعها وهي حامل من الأجنبي ، وجوزناه ، فليس له الوطء حتى تضع ، كما إذا وطئت منكوحة بشبهة ، فاشتغلت بالعدة ، وإن كانت حاملا منه ، وفي ذمتها عدة الشبهة ، فراجعها ، انقضت عدته في الحال ، وبقيت عدة الشبهة مؤخرة حتى تضع وتعود إلى أقرائها . وهل له وطؤها في الحال ؟ فيه وجهان . أحدهما : نعم ، لأنها زوجة ليست في عدة . والثاني : لا ، لأنها متعرضة للعدة ، ومال المتولي إلى ترجيح هذا ، ورجح بعضهم الأول .

                                                                                                                                                                        قلت : الراجح الجواز . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويجري الوجهان فيما لو وطئت المنكوحة في صلب النكاح بشبهة وهي حامل من الزوج . ولو كانت ترى الدم على الحمل ، وجعلناه حيضا ، فعن القاضي حسين : أن العدة الأخرى تنقضي بالأقراء ، كالعدتين من شخص ، وهذا ضعيف ، وضعفه الإمام والغزالي ، لأن فيه مصيرا إلى تداخل عدتي شخصين .

                                                                                                                                                                        وجميع ما ذكرنا ، فيما إذا علم أن الولد من هذا أو ذاك ، لانحصار الإمكان فيه ، فلو لم يمكن كونه من واحد منهما ، بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول وهو بائن أو رجعي على قول ، ولدون ستة أشهر من وطء الثاني ، فالولد منفي عنهما ، ولا تنقضي بوضعه عدة واحد منهما على الأصح ، بل إذا وضعته تممت عدة الأول ، ثم استأنفت عدة الثاني . وقيل : تعتد بوضعه من أحدهما لا بعينه ، لإمكان كونه من أحدهما بوطء شبهة ، ثم تعتد عن الآخر بثلاثة أقراء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ويتفرع على الوجهين فرعان . أحدهما : لو كانت ترى الدم والحالة هذه وجعلناه حيضا ، قال الروياني : إن قلنا : تنقضي عدة أحدهما بالوضع ، لم تعتد بأقرائها ، لئلا تتداخل عدة شخصين ، وإلا ففي الاحتساب بأقرائها وجهان : أصحهما : الاحتساب ، لأنها إذا لم تعتد بالحمل ، كانت كالحائل ، وبهذا قطع صاحب " الشامل " .

                                                                                                                                                                        [ ص: 389 ] الثاني : إن قلنا تنقضي بالوضع عدة أحدهما ، لم تصح رجعة الزوج في مدة الحمل ولا في الأقراء بعد الوضع ، للشك في أن عدته هذه أم هذه ؟ فلو راجع مرة في الحمل ، ومرة في الأقراء ، ففي صحة الرجعة وجهان سيأتي نظيرهما إن شاء الله تعالى . وإن قلنا : لا تنقضي ، أتمت بعد الوضع عدة الأول وهو الزوج ، وله الرجعة فيه . وهل له الرجعة قبله في مدة الحمل ؟ فيه الوجهان السابقان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية