الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          فصل ويجب في العسل العشر ، سواء أخذه من موات أم من ملكه ، قال في الرعاية وغيرها : أو ملك غيره ، قال في رواية صالح : العسل في أرض الخراج أو العشر حيث كان فيه العشر ، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي في القديم ، ولو من أرض خراجية ( هـ ) لعدم اجتماع العشر والخراج عنده ، ومذهب ( م هـ ش ) لا شيء فيه ، احتج الأصحاب رحمهم الله بخبر أبي سيارة المتعي ، رواه أحمد وابن ماجه ، رواه عنه سليمان بن موسى الأشدق ولم يدركه مع أنه وإن كان ثقة عند أهل الحديث كما قاله الترمذي فإن عنده مناكير كما قاله البخاري وغيره ، وبخبر عمرو بن شعيب عن أبيه [ عن ] جده قال : { جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نخله ، وكان سأله أن يحمي له واديا يقال له سلبة ، [ ص: 449 ] فحمى له ذلك الوادي } ، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كتب إليه سفيان بن وهب يسأله عن ذلك ، فكتب إليه : إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نخله فاحم له سلبه ، وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء . رواه أبو داود والنسائي وغيرهما ، وعمرو عن أبيه عن جده فيه كلام كثير للمحدثين .

                                                                                                          وقال أحمد : ربما احتججنا به .

                                                                                                          وقال أيضا : له مناكير ، يكتب حديثه يعتبر به ، أما أن يكون حجة فلا ، ورواه عنه عمرو بن الحارث المصري ، وهو إمام .

                                                                                                          وقال أحمد : رأيت له مناكير ، . ولأبي داود هذا المعنى بإسنادين آخرين إلى عمرو ، وفيهما مقال ، وفيهما : { من كل عشر قرب قربة } ، ثم يتوجه منه عدم الوجوب وأن الأداء لأجل الحمى صلحا أو عوضا لمصلحة المسلمين ; لأن عمر رضي الله عنه أمر بالحمى إن أدى العشر ، ولم يأمر بأخذ العشر مطلقا ، ولو أخذ العشر مطلقا لكان دفعه مع الحمى أصلح لهلال ، ولم يمتنع منه ، وأنه علم أنه إنما يؤخذ منه لأجل الحمى ، والله تعالى أعلم ، وأما أحمد رضي الله عنه فإنما احتج بقول عمر رضي الله عنه ، قيل لأحمد : إنهم تطوعوا به ، قال : لا ، بل أخذ منهم ، وهذا منه يدل على أنه لا حجة عنده في خبر مرفوع في ذلك ، لضعف إسناده أو دلالته ، أو لهما ، وكذا قال البخاري والترمذي وابن المنذر وغيرهم : إنه لا يصح في ذلك شيء ، وقول عمر في هذا لا بد من بيان صحته وصحة دلالته ، ثم قد بينا أنه لم يأمر بأخذ العشر مطلقا ، فيتعارض قولاه ، ثم المسألة ليست إجماعا في الصحابة ، [ ص: 450 ] ولا حجة مع اختلافهم ، ثم في الاحتجاج بقول الصحابي روايتان ، أشهرهما يحتج به ، ومن تأمل هذا وغيره ظهر له ضعف المسألة ، وأنه يتوجه لأحمد رواية أخرى : لا زكاة فيه ، بناء على قول الصحابي ، وسبق قول القاضي في التمر يأخذه من المباح يزكيه في قياس قول أحمد في العسل ، فقد سوي بينهما عند أحمد ، فدل أن على القول الآخر لا زكاة في العسل من المباح عند أحمد ، كرواية عن أبي يوسف ، وقد اعترف صاحب المحرر كما سبق أنه القياس ، لولا الأثر .

                                                                                                          فيقال : قد تبين الكلام في الأثر ، ثم إذا تساويا في المعنى تساويا في الحكم ، وترك القياس ، كما تعدى في العرايا إلى بقية الثمار وغير ذلك ، على الخلاف فيه ، ولهذا قال ابن عقيل وغيره : فما ينزل من السماء على الشجر ، كالمن والترنجبين والشيرخشك وشبهها ، ومنه اللاذن وهو طل وندى ينزل على نبت تأكله المعزى ، فتتعلق تلك الرطوبة بها فيؤخذ فيه العشر ، كالعسل ، قال بعضهم : وهو ظاهر كلام أحمد ، وقيل : لا عشر فيه ، لعدم النص ، وهو ظاهر كلام جماعة ، وجزم به في المغني والمحرر فيما يخرج من البحر ( م 19 ) والله أعلم ، قال صاحب [ ص: 451 ] المحرر : إن قصة هلال المذكورة ترد هذا ; لأنه عليه السلام أخذه من عسل في واد مباح ; لأن الإقطاع إنما يكون في المباح ، فيقال : الفرق إنما هو في العسل بين أخذه من أرض مملوكة أو مباحة ، وأما إن كان النحل مملوكا ، كقصة هلال ، فالعسل نماؤه تابع له ، فلا فرق بين أن يجنى من أرض مملوكة أو مباحة ، أو من شيء يوضع عنده . ولا زكاة في قليله ( هـ ) ويعتبر فيه نصاب قدره عشرة أفراق ، نص عليه ، رواه الجوزجاني عن [ ص: 452 ] عمر . وسبق قول في نصاب الزيت خمسة أفراق ، فيتوجه منه تخريج ; لأنه أعلى ما يقدر به فيه ، فاعتبر خمسة أمثاله كالوسق ، والفرق ، بفتح الراء ، وقيل : وبسكونها ، ستة عشر رطلا عراقية ، وهو مكيال معروف بالمدينة ، ذكره ابن قتيبة وثعلب والجوهري وغيرهم ، ويدل على ذلك خبر كعب بن عجرة في الفدية ، وحمل كلام عمر في المتعارف ببلده أولى ، قال أحمد في رواية أبي داود : قال الزهري : في عشرة أفراق فرق ، والفرق ستة عشر رطلا ، وهذا ظاهر الأحكام السلطانية ، واختاره صاحب المحرر وغيره ، وفي الخلاف : الفرق ستة وثلاثون رطلا عراقية .

                                                                                                          وقال ابن حامد : هو ستون رطلا عراقية وأما الفرق بسكون الراء فمكيال ضخم من مكاييل أهل العراق ، قاله الخليل ، قال ابن قتيبة وغيره : يسع مائة وعشرين رطلا ، قال صاحب المحرر : لا قائل به هنا ، وذكره بعضهم قولا ، وحكى قول : مائة ، قال ابن تميم : وعن أحمد نحوه ، وقيل : نصابه ألف رطل عراقية ، وقدمه في الكافي ، نقل أبو داود من عشر قرب قربة .

                                                                                                          [ ص: 450 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 450 ] مسألة 19 ) قول المصنف بعد أن تكلم على حكم العسل وأنه هل تجب فيه الزكاة أم لا ، ومال إلى عدم وجوبها فيه ، قال : وقد اعترف صاحب المحرر أنه القياس ، لولا الأثر ، فيقال : قد تبين الكلام في الأثر ، ثم إذا تساويا في المعنى تساويا في الحكم وترك القياس يعني بكلامه هذا لأجل تخريج قول آخر بعدم الوجوب في العسل قال كما تعدى في العرايا إلى بقية الثمار وغير ذلك ، على الخلاف فيه ، ولهذا قال ابن عقيل وغيره : فما ينزل من السماء على الشجر كالمن والترنجبين والشيرخشك وشبهها ومنه اللاذن ، وهو طل وندى ينزل على نبت تأكله [ ص: 451 ] المعزى ، فتتعلق تلك الرطوبة بها ، فيؤخذ منه العشر ، كالعسل ، قال بعضهم : وهو ظاهر كلام أحمد ، وقيل : لا عشر فيه ، لعدم النص ، وهو ظاهر كلام جماعة ، وجزم به في المغني والمحرر فيما يخرج من البحر ، انتهى كلام المصنف ، واعلم أنه ليس في كلامه على المن والترنجبين والشيرخشك تقديم حكم على آخر ، مع حكايته الخلاف ، فهو في حكم الخلاف المطلق في كلام المصنف ، إذا علمت ذلك فالصحيح مع القولين عدم الوجوب ، قدمه ابن تميم وصاحب الفائق ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، وجزم به في المغني ، والمجد في شرحه ، والشارح ، وغيرهم ، في مسألة عدم الوجوب فيما يخرج من البحر ، وهو ظاهر ما مال إليه المصنف في العسل ، والله أعلم .

                                                                                                          والقول الآخر تجب فيه ، كالعسل ، اختاره ابن عقيل وغيره ، قال بعض الأصحاب : وهو ظاهر كلام الإمام أحمد ، وجزم به ابن عقيل في تذكرته ، وصاحب المنور ، ومنتخب الآدمي ، وغيرهم ، واقتصر في المستوعب على كلام ابن عقيل ، وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين .

                                                                                                          وقال في الرعاية الكبرى : فيه وجهان ، أشهرهما الوجوب ، وقيل : عدمه ، انتهى . وأطلقهما في تجريد العناية ، فهذه تسع عشرة مسألة قد صحح معظمها ، فلله الحمد .




                                                                                                          الخدمات العلمية