الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 467 ] فصل يحرم على الرجل لبس الذهب ( و ) والفضة ( و ) كما سبق في اللباس من ستر العورة ، وسبق فيه حكم المنسوخ بذلك والمموه به ، وما يتعلق به ، ويسير ذلك تبعا ، كزر الذهب والطرز ومسمار خاتم وفصه ، ونحو ذلك . ويسيره في الآنية ، وللشافعي قول قديم : لا يحرم استعمال آنية ذلك ، والخرقي أطلق الكراهة ، ومراده التحريم عند الأكثر ، وجزم الشيخ أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا .

                                                                                                          وفي جامع القاضي والوسيلة : ظاهره كراهة التنزيه ، قال الأصحاب رحمهم الله : وتحريم الآنية أشد من اللباس ، لتحريمها على الرجال والنساء ، ولم أجدهم احتجوا على تحريم لباس الفضة على الرجال ، ولا أعرف التحريم نصا عن أحمد ، وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال ، إلا ما دل الشرع على تحريمه .

                                                                                                          وقال أيضا : لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه ، فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه ، وما هو أولى منه بالإباحة ، وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه ، ويؤيده قوله تعالى { خلق لكم ما في الأرض جميعا } والتحريم يحتاج إلى دليل ، والأصل عدمه ، ودليل التحريم أن الصحابة رضي الله عنهم نقلوا عنه عليه الصلاة والسلام استعمال يسير الفضة ، في أخبار مشهورة ، ليكون [ ص: 468 ] ذلك حجة في اختصاصه بالإباحة ، ولو كانت الفضة مباحة لم يكن ، في نقلهم استعمال اليسير من ذلك كبير فائدة ، ويقال : قولكم " كبير فائدة " دليل على أن فيه فائدة سوى المطلوب ، فنقلوه لأجلها ، ولا يقال للأمرين ; لأنا نمنع ذلك ولا دليل عليه [ وهذا ] كما نقلوا أجناس آنيته وملابسه وغير ذلك ، وإنما كان قول أنس : { انكسر قدح النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة } حجة في إباحة اليسير في الآنية ، لعموم دليل التحريم .

                                                                                                          ولأنه { صلى الله عليه وسلم سئل عن الخاتم من أي شيء أتخذه ؟ قال من ورق ولا تتمه مثقالا } إسناده ضعيف ، رواه الخمسة من حديث بريدة ، قال أحمد : حديث منكر ، ثم أين التحريم فيه ؟ ولأنه { عليه الصلاة والسلام رخص للنساء في الفضة ، ونهاهن عن الذهب } ، في أخبار رواها أحمد وغيره ، وبعضها إسناده حسن ، ولو كانت إباحتها عامة لما خصهن بالذكر ، ولعم ، لعموم الفائدة ، بل ولصرح بذكر الرجال ، لإزالة اللبس وإيضاح الحق .

                                                                                                          ويقال إنما خصهن ; لأنهن السبب ; لأنه نهاهن عن الذهب وأباح لهن الفضة ، فلا حجة إذا ، بل يقال : إباحتها لهن إباحة للرجال ; لأن الأصل التساوي . في الأحكام إلا ما خصه الدليل . [ ص: 469 ] ولأنه يحرم استعمال الإناء منها فحرم لبسها ، كالذهب ، وهذا ; لأن تسوية الشارع بينهما في تحريم الإناء دليل على التسوية في غيره ، ويقال : تحريم الذهب آكد بلا شك ، فيمتنع الإلحاق ، وتسوية الشارع بينهما في التحريم المؤكد وهو الآنية لا يدل على التسوية في غيره ، والله أعلم .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية