الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فضيلة الأذان .

قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم حساب ولا ينالهم فزع حتى يفرغ مما بين الناس رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله عز وجل وأم بقوم وهم به راضون ورجل ، أذن في مسجد ودعا إلى الله عز وجل ابتغاء وجه الله ورجل ابتلي بالرزق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة وقال صلى الله عليه وسلم : لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة .

التالي السابق


(فضيلة الأذان)

وإنما قدمها لتقدم الأذان مع الصلاة، وهو اسم من آذنه بكذا إذا أعلمه، ثم نقل إلى إعلام خاص في [ ص: 5 ] أوقات خاصة، (قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يوم القيامة على كثيب) ، هو الرمل المستطيل المحدودب، (من مسك أسود لا يهولهم) ، أي: لا يفزعهم (حساب) ، أي: المناقشة فيه، (ولا ينالهم فزع) ، أي: خوف: أولهم (رجل قرأ القرآن) ، أي: تعلمه؛ (ابتغاء وجه الله عز وجل) ، أي: لا للرياء والسمعة، ولا يتسلق به على حصول دنيا (وأم بقوم وهم به راضون، و) الثاني: (رجل أذن في مسجد ودعا إلى الله عز وجل ابتغاء وجه الله) ، أي: لا بعوض وأجرة، (و) الثالث: (رجل ابتلي بالرق في الدنيا فلم يشغله ذلك عن عمل الآخرة) ، بل قام بحق الحق وحق سيده، وجاهد نفسه على تحمل مشاق القيام بالحقين، ومن ثم كان له أجران واستوجب الأمان، وارتفع على الكثبان". قال العراقي: أخرجه الترمذي وحسنه من حديث ابن عمر مختصرا، وهو في الصغير للطبراني بنحو مما ذكره المؤلف، اهـ .

قلت: أما ما أخرجه الطبراني فهو من طريق فيه بحر بن كنيز السقاء، وهو ضعيف، بل متروك، من حديث ابن عمر بلفظ: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة لا يهولهم الفزع، ولا يفزعون حين يفزع الناس: رجل تعلم القرآن فقام به يطلب وجه الله وما عنده، ورجل نادى في كل يوم وليلة خمس صلوات يطلب وجه الله وما عنده، ومملوك لم يمنعه رق الدنيا من طاعة ربه".

وأما حديث الترمذي الذي أشار إليه، فلفظه: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة يغبطهم الأولون والآخرون: عبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل يؤم قوما وهم به راضون، ورجل نادى بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة". هكذا أخرجه في الأدب من حديث ابن عمر وقال: حسن غريب. وهكذا أخرجه الحاكم أيضا، وقال الصدر المناوي: في إسناد الترمذي أبو اليقظان عثمان بن عمير . قال الذهبي كان شيعيا، ضعفوه .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) ، رواه أبو مصعب الزبيدي عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، عن أبيه، أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو بادية، فأذنت بالصلاة فارفع صوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس، وقتيبة بن سعيد، فرقهم كلهم عن مالك، وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك .


(تنبيه) :

قال الحافظ في "تخريج أحاديث الأذكار" ما نصه: ذكر الغزالي في الوسيط، وتبعه الرافعي أن الخطاب الأول وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، واستنكر ذلك ابن الصلاح في مشكله، وقال: لا أصل لذلك في شيء من طرق الحديث، وإنما وقع ذلك من أبي سعيد للتابعي، وقد رواه الشافعي في الأم عن مالك على الصواب، واعتذر ابن الرفعة عن الغزالي بأنه فهم من قول أبي سعيد "سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي: جميع ما تقدم، فذكره بالمعنى، والعلم عند الله تعالى .




الخدمات العلمية