الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الأمانة فهي الطهارة باطنا عن الفسق والكبائر والإصرار على الصغائر فالمترشح للإمامة ينبغي أن يحترز عن ذلك بجهده فإنه كالوفد ، والشفيع للقوم فينبغي أن يكون خير القوم .

التالي السابق


(وأما الأمانة) المذكورة (فهي الطهارة باطنا عن الفسوق) ، وهو الخروج عن إحاطة العلم ، والطبع ، والعقل ، والفاسق أعم من الكافر ، وأراد بالفسوق هنا الخروج عن الطاعة بارتكاب الذنب ، وإن قل ؛ ولذلك قال : (والكبائر) ، فعطفه عليه ، وفي جمع الجوامع : الكبيرة اسم لكل معصية تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ، ورقة الديانة ، أو كل ما توعد عليه بخصوصه في الكتاب ، أو السنة (والإصرار على الصغائر) ، أي : الإكباب عليها من غير توبة ؛ فهي في حكم الكبائر ، ولفظ القوت : فأول ما عليه من الشروط أن يكون مجتنبا للفسوق ، وهي الكبائر ، غير مصر على الصغائر (فالمترشح للإمامة ينبغي أن يحترز عن ذلك جهده) ، وطاقته ، وقد تقدمت الإشارة إلى كراهة الصلاة خلف الفاسق ، وفي حكمه صاحب الكبائر ، والمبتدع الذي لم يكفر ببدعته ، والمصر ، وإنما صحت خلف هؤلاء لما رواه الشيخان أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج ، قال الإمام الشافعي : وكفى به فاسقا ، وهكذا ذكر أصحابنا بأن إمامة الفاسق جائزة مع الكراهة ، وثبت أن أنس بن مالك أيضا كان يصلي خلف الحجاج ، إلا أنهم خصوا بها الجمعة لا غير ، ويروى عن الحسن البصري ، قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بخبيثاتها ، وجئنا بأبي محمد - يعني الحجاج - لغلبناهم ، ثم إنه إذا صلى خلف هؤلاء يكون محرزا لثواب الجماعة ، لكن لا ينال ثواب من يصلي خلف تقي صالح ، محترز عن الأوصاف الذميمة (فإنه) ، أي : الإمام (كالوفد ، والشفيع للقوم) عند المستشفع إليه (فينبغي أن يكون خير القوم) ، فالشفيع إذا كان كاملا ، صاحب خير ، ودين ، وورع فإنه ممن تقبل وفادته ، وشفاعته .



(فصل)

ومشايخنا أهل الكشف يجيزون إمامة الفاسق من غير كراهة ، ولم يفرقوا بين الفاسق المقطوع بفسقه ، وبين المظنون فسقه ، وبين المتأول ، وبين غيره ، وقالوا : المؤمن ليس بفاسق أصلا ؛ إذ لا يقاوم الإيمان شيء مع وجوده في محل العاصي ، فإن الفاسق عندهم من خرج عن أصله الذي خلق له ، وهو أن يعبد الله ، فإن العبد لا يمكن له أن يخرج عن أصله الحقيقي ، وهو كونه عبدا ، فإنه لا بد أن يكون عبدا لله ، أو عبدا لهواه ، فما برح من الرق ، فلم يبق خروجه إلا عن الإضافة التي أمر أن ينضاف إليها ، فتجوز إمامته ؛ لأن الموفق من عباد الله يأتم بهذا الفاسق ، فإنه يراه قائما بعبوديته في حق هواه الذي فيه شقاؤه ، فيتعلم منه استيفاء حق العبودية التي أمره الله أن يكون بها عبدا له ، فيقول أنا أولى بهذه الصفة في حق الله من هذا العبد في حق هواه ، فلما رأينا أولياء الله كأنس ، وابن عمر يأتمون به ، وينفعهم ذلك عند الله ، ويكون هذا الاقتداء سببا لنجاتهم صحت إمامته من غير كراهة ، فكل من آمن بالله ، وقال بتوحيد الله في ألوهيته ، فالله أجل أن يسمي هذا فاسقا حقيقة مطلقا ، وإن سمي لغة بخروجه عن أمر معين ، وإن قل ، والمعاصي لا تؤثر في الإمامة ما دام لا يسمى كافرا . وأما الفسق المظنون فبعيد عن المؤمن إساءة الظن ، بحيث أن يعتقد فسوق زيد بالظن لا يقع في ذلك مؤمن مرضي الإيمان عند الله ، وهذا كله في الأحوال الظاهرة ، وأما الباطنة فذلك إلى الله ، أو من أعلمه الله . والله أعلم .




الخدمات العلمية