الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 367 ] إسلام إياس بن معاذ

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن لبيد ، قال : لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ، ومعه فتية من بني عبد الأشهل ، فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم ، فجلس إليهم ، فقال : " هل لكم في خير مما جئتم له ؟ " . قال : فقالوا : وما ذاك ؟ قال : " أنا رسول الله إلى العباد ، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ، ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب " . ثم ذكر لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن . قال : فقال إياس بن معاذ ، وكان غلاما حدثا : يا قوم ، هذا والله خير مما جئتم له . فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من تراب البطحاء ، فضرب بها وجه إياس بن معاذ ، وقال : دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا . قال : فصمت إياس ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ، وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج . قال : ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك . قال محمود [ ص: 368 ] بن لبيد : فأخبرني من حضرني من قومه أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ، ويكبره ، ويحمده ، ويسبحه حتى مات ، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلما ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كان يوم بعاث ، وبعاث موضع بالمدينة ، كانت فيه وقعة عظيمة قتل فيها خلق من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم ، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البخاري في " صحيحه " عن عبيد بن إسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد افترق ملؤهم وقتلت سراتهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو زرعة الرازي في كتابه " دلائل النبوة " : باب إسلام رافع بن مالك ، ومعاذ بن عفراء ، ثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد [ ص: 369 ] بن هانئ الشجري ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني عبيد بن يحيى ، عن معاذ بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه ، عن جده ، أنه خرج هو وابن خالته معاذ ابن عفراء ، حتى قدما مكة ، فلما هبطا من الثنية ، رأيا رجلا تحت شجرة . قال : وهذا قبل خروج الستة من الأنصار . قال : فلما رأيناه كلمناه ، قلنا : نأتي هذا الرجل نستودعه راحلتينا حتى نطوف بالبيت . فجئنا فسلمنا عليه تسليم أهل الجاهلية ، فرد علينا تسليم أهل الإسلام ، وقد سمعت بالنبي . قال : فأنكرنا . فقلنا : من أنت ؟ قال : " انزلوا " . فنزلوا فقلنا : أين هذا الرجل الذي يدعي ما يدعي ، ويقول ما يقول ؟ قال : " أنا هو " . قلنا : فاعرض علينا الإسلام . فعرض ، وقال : " من خلق السماوات والأرض والجبال ؟ " قلنا : خلقهن الله . قال : " من خلقكم ؟ " قلنا : الله . قال : " فمن عمل هذه الأصنام التي تعبدون ؟ " قلنا : نحن . قال : " الخالق أحق بالعبادة أو المخلوق ؟ " قلنا : الخالق . قال : " فأنتم أحق أن تعبدكم ، وأنتم عملتموها ، والله أحق أن [ ص: 370 ] تعبدوه من شيء عملتموه ، وأنا أدعو إلى عبادة الله ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وصلة الرحم ، وترك العدوان ، وإن غضب الناس " . فقالا : والله لو كان هذا الذي تدعو إليه باطلا ، لكان من معالي الأمور ، ومحاسن الأخلاق ، فأمسك راحلتينا حتى نأتي البيت . فجلس عنده معاذ ابن عفراء . قال رافع : وجئت البيت فطفت ، وأخرجت سبعة قداح ، وجعلت له منها قدحا ، فاستقبلت البيت ، فقلت : اللهم إن كان ما يدعو إليه محمد حقا فأخرج قدحه . سبع مرات ، فضربت بها سبع مرات ، فصحت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . فاجتمع الناس علي ، وقالوا : مجنون ، رجل صبأ . فقلت : بل رجل مؤمن . ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ، فلما رآني معاذ ابن عفراء ، قال : لقد جئت بوجه ما ذهبت به ، رافع . فجئت وآمنت ، وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " يوسف " و " اقرأ باسم ربك الذي خلق " ، ثم خرجنا راجعين إلى المدينة ، فلما كنا بالعقيق ، قال معاذ : إني لم أطرق ليلا قط ، فبت بنا حتى نصبح . فقلت : أبيت ومعي ما معي من الخير؟! ما كنت لأفعل . وكان رافع إذا خرج سفرا ثم قدم عرض قومه إسناد وسياق حسن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية