الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

( ( فكن مطيعا واقف أهل الطاعة في الحوض والكوثر والشفاعة ) )



( ( فكن ) ) أيها الناظر لنظامي السامع لكلامي ( ( مطيعا ) ) لما جاءت به الأخبار ، وصحت بمقتضاه الآثار ، من صريح المنقول وصحيح المعقول ( ( واقف ) ) أمر من قفوته قفوا وقفوا تبعته كتقفيته واقتفيته ، أي : اتبع في اعتقادك واقصد في نهجك وارتيادك ( ( أهل الطاعة ) ) من فرقة أهل السنة والجماعة ، فإنها الفرقة الناجية والعصابة التي لكل فوز راجية ، والطاعة اسم من أطاعه يطيعه فهو مطيع ، وطاع له يطوع ويطيع ، فهو طائع ، أي : أذعن وانقاد ، والاسم الطاعة ، وقيل : طاع إذا انقاد ، وأطاع إذا تبع الأمر ولم يخالفه ( ( فيه ) ) اعتقاد إثبات ( ( الحوض ) ) الذي تقدم ذكره بالأحاديث الصحيحة ، والنصوص الصريحة ، وتقدم دعاء الصحابي على من كذب به أن الله لا يسقيه منه .

ومر في الأحاديث : أن من أحدث في هذا الدين لا يسقى منه ، وكفى بإنكار السنة الصحيحة الصريحة حدثا وبدعة ( ( و ) ) اقف أهل السنة والجماعة في إثبات ( ( الكوثر ) ) وهو فوعل من الكثرة ، والواو زائدة ، ومعناه الخير الكثير ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل ما الكوثر " ذاك نهر أعطانيه الله - عز وجل - يعني في الجنة ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر " قال عمر : - رضي الله عنه : إن هذه لناعمة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أكلتها أنعم منها " رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .

وفي صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، قال : وضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر " وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس أيضا - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه [ ص: 204 ] وسلم قال : " الكوثر نهر في الجنة ، وعدنيه ربي - عز وجل - " وفي الترمذي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأبيض من الثلج " قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

قال الإمام المحقق بن القيم في كتابه ( حادي الأرواح إلى منازل الأفراح ) عن مجاهد في قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : الخير الكثير ، قال : وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه : نهر في الجنة ، وقالت عائشة - رضي الله عنها : نهر في الجنة ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر . قال الإمام ابن القيم : وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر شبه الخرير الذي يسمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه . انتهى .

وجاء في التفسير أن الكوثر القرآن والنبوة ، والكوثر في غير هذا الرجل الكثير العطاء كما في النهاية .

( ( و ) ) اقف أهل الطاعة واتبع أهل السنة والجماعة في ( ( الشفاعة ) ) وهي لغة : الوسيلة والطلب ، وعرفا : سؤال الخير للغير ، كذا عرفها بعضهم ، والحق أنها مشتقة من الشفع الذي ضد الوتر ، فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له ، من شفع يشفع بفتح العين المهملة شفاعة ، فهو شافع وشفيع ، والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة ، والمشفع الذي تقبل شفاعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية