الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                السادس : في متعلقه بالواجب الموسع ، وهو أن يكون زمان الفعل يسع أكثر منه ، وقد لا يكون محدودا بل مغيا بالعمر ، وقد يكون محدودا كأوقات الصلوات ، وهذا يعزى للشافعية منعه بناء على تعلق الوجوب بأول الوقت ، والواقع بعد ذلك [ ص: 82 ] قضاء يسد مسد الأداء ، وللحنفية منعه بناء على تعلق الوجوب بآخر الوقت ، والواقع قبله نافلة تسد مسد الواجب ، وللكرخي منعه بناء على أن الواقع من الفعل موقوف ، فإن كان الفاعل في آخر الوقت من المكلفين ، فالواقع فرض ، وإلا فهو نفل ، ومذهبنا جوازه . والخطاب عندنا متعلق بالقدر المشترك بين أجزاء الزمان الكائنة بين الحدين ، فلا حرج في أول الوقت لوجود المشترك ، ولم يأثم بالتأخير لبقاء المشترك في آخره ، وأثم إذا فوت جملة الوقت لتعطيل المشترك الذي هو متعلق الوجوب ، فلا ترد علينا مخالفة قاعدة البتة بخلاف غيرنا ، وكذلك الواجب المخير ، قالت المعتزلة : الوجوب متعلق بجملة الخصال ، وعندنا وعند أهل السنة أنه متعلق بواحد لا بعينه ، ويحكى عن المعتزلة أيضا أنه متعلق بواحد معين عند الله تعالى ، وهو ما علم أن المكلف سيوقعه ، وهم ينقلون أيضا هذا المذهب عنا ، والمخير عندنا كالموسع ، والوجوب فيه متعلق بمفهوم أحد الخصال الذي هو قدر مشترك بينها ، وخصوصياتها متعلق التخيير ، فما هو واجب لا تخيير فيه ، وما هو مخير فيه لا وجوب فيه ، فلا جرم يجزيه كل معين منها لتضمنه للقدر المشترك ، وفاعل الأخص فاعل الأعم ، ولا يأثم بترك بعضها إذا فعل البعض لأنه تارك للخصوص المباح فاعل للمشترك الواجب ، ويأثم بترك الجميع لتعطيل المشترك بينها ، وكذلك فرض الكفاية المقصود بالطلب لغة إنما هو إحدى الطوائف التي هي قدر مشترك بينها غير أن الخطاب يتعلق بالجميع أول الأمر لتعذر خطاب المجهول ، فلا جرم سقط الوجوب بفعل طائفة معينة من الطوائف لوجود المشترك فيها ، ولا تأثم طائفة معينة إذا غلب على الظن فعل غيرها لتحقق الفعل من المشترك بينها ظنا ، ويأثم الجميع إذا تواطئوا على الترك لتحقق تعطيل المشترك بينها .

                                                                                                                إذا تقرر تعلق الخطاب في الأبواب الثلاثة بالقدر المشترك ، فالفرق بينها أن المشترك في الموسع هو الواجب فيه ، وفي الكفاية الواجب عليه ، وفي الخير الواجب نفسه .

                                                                                                                [ ص: 83 ] فائدة : : لا يشترط في فرض الكفاية تحقق الفعل بل ظنه ، فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه ، وإذا غلب على ظن تلك الطائفة أن هذه فعلت سقط عنها ، وإذا غلب على ظن الطائفتين فعل كل واحدة منهما سقط عنهما .

                                                                                                                سؤال : إذا تقرر الوجوب على جملة الطوائف في فرض الكفاية ، فكيف يسقط عمن لم يفعل بفعل غيره مع أن الفعل البدني كصلاة الجنازة مثلا أن الجهاد لا يجزي فيه أحد عن أحد ، وكيف يساوي الشرع بين من فعل ، ومن لم يفعل .

                                                                                                                جوابه : أن الفاعل ساوى غير الفاعل في سقوط التكليف ، واختلف السبب ، فسبب سقوطها عن الفاعل فعله ، وعن غير الفاعل تعذر تحصيل تلك المصلحة التي لأجلها وجب الفعل ، فلا جرم انتفى الوجوب لتعذر حكمته .

                                                                                                                قاعدة

                                                                                                                الفعل على قسمين منه ما تتكرر مصلحته بتكرره كالصلوات الخمس ، فإن مصلحتها الخضوع لذي الجلال ، وهو متكرر بتكرر الصلاة ، ومنه ما لا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق ، فإن الغريق إذا شيل من البحر ، فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا تحصل مصلحته ، وكذلك إطعام الجوعان ، وإكساء العريان وقتل الكفار ، فالقسم الأول جعله الشرع على الأعيان تكثيرا لمصلحة ، والقسم الثاني على الكفاية لعدم الفائدة في الأعيان .

                                                                                                                فوائد ثلاث

                                                                                                                الأولى : الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالأذان ، والإقامة ، والتسليم ، والتشميت ، وما يفعل بالأموات من المندوبات ، فهذه على الكفاية ، وعلى الأعيان كالوتر ، والفجر ، وصيام الأيام الفاضلة ، وصلاة العيدين ، والطواف في غير النسك ، والصدقات .

                                                                                                                [ ص: 84 ] الثانية : نقل صاحب الطراز وغيره على أن اللاحق من المجاهدين ، ومن كان سقط الفرض عنه يقع فعله فرضا بعد ما لم يكن واجبا عليه ، وطرده غيره من العلماء في سائر فروض الكفاية كمن يلتحق بمجهز الأموات من الأحياء ، أو بالساعين في تحصيل العلم من العلماء ، فإن ذلك الطالب للعلم يقع فعله واجبا معللا لذلك بأن مصلحة الوجوب لم تتحقق بعد ، ولم تقع إلا بفعل الجميع ، فوجب أن يكون فعل الجميع واجبا ، ويختلف ثوابهم بحسب مساعيهم .

                                                                                                                الثالثة : الأشياء المأمور بها على الترتيب ، أو على البدل قد يحرم الجمع بينها كالمباح والميتة من المرتبات ، وتزويج المرأة من أحد الكفأين من المشروع على سبيل البدل ، وقد يباح كالوضوء والتيمم من المرتبات ، والسترة بالثوبين من باب البدل ، وقد تستجب كخصال الكفارة في الظهار من المرتبات ، وخصال كفارة الحنث مما شرع على البدل .

                                                                                                                فرع : اختار القاضي عبد الوهاب أن الأمر المعلق على الاسم يقتضي الاقتصار على أوله ، والزائد على ذلك إما مندوب أو ساقط .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية