الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ ص: 186 ] ذكر الروم

                                                                                      وقال أبو إسحاق الفزاري ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس ، لأنهم أهل كتاب ، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم ، لأنهم أهل أوثان ، فذكر ذلك المسلمون لأبي بكر ، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أما إنهم سيظهرون " ، فذكر أبو بكر لهم ذلك ، فقالوا : اجعل بيننا وبينكم أجلا ، فجعل بينهم أجل خمس سنين فلم يظهروا ، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ألا جعلته - أراه قال - دون العشرة " ، قال : فظهرت الروم بعد ذلك . فذلك قوله تعالى : ( غلبت الروم ( 2 ) ) ( في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) ) ( في بضع سنين ( 4 ) ) [ الروم ] .

                                                                                      قال سفيان الثوري : وسمعت أنهم ظهروا يوم بدر .

                                                                                      وقال الحسين بن الحسن بن عطية العوفي : حدثني أبي ، عن جدي ، عن ابن عباس : ( الم ( 1 ) ) ( غلبت الروم ( 2 ) ) [ الروم ] قال : قد مضى ذلك وغلبتهم فارس ، ثم غلبتهم الروم بعد ذلك ، ولقي نبي الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب ، والتقت الروم وفارس ، فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين ، ونصر الروم على مشركي العجم ، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ، ونصر أهل الكتاب .

                                                                                      قال عطية : فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك ، فقال : التقينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ومشركو العرب ، والتقت الروم وفارس ، فنصرنا الله [ ص: 187 ] على المشركين ، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس ، ففرحنا بنصرنا ونصرهم .

                                                                                      وقال الليث : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : لما نزلت هاتان الآيتان يعني أول الروم ناحب أبو بكر بعض المشركين يعني راهن قبل أن يحرم القمار على شيء ، إن لم تغلب فارس في سبع سنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم فعلت ، فكل ما دون العشر بضع " ، فكان ظهور فارس على الروم في سبع سنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم فعلت ، فكان ظهور فارس على الروم في تسع سنين ، ثم أظهر الله الروم عليهم زمن الحديبية ، ففرح بذلك المسلمون .

                                                                                      وقال ابن أبي عروبة ، عن قتادة ) في أدنى الأرض ( 3 ) ) [ الروم ] قال : غلبهم أهل فارس على أدنى الشام ، قال : فصدق المسلمون ربهم ، وعرفوا أن الروم سيظهرون بعد ، فاقتمروا هم والمشركون على خمس قلائص ، وأجلوا بينهم خمس سنين ، فولي قمار المسلمين أبو بكر ، وولي قمار المشركين أبي بن خلف ، وذلك قبل أن ينهى عن القمار ، فجاء الأجل ، ولم تظهر الروم ، فسأل المشركون قمارهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا أجلا دون العشر ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر " فزايدوهم ومادوهم في الأجل ففعلوا ، فأظهر الله الروم عند رأس السبع من قمارهم الأول ، وكان ذلك مرجعهم من الحديبية ، وفرح المسلمون بذلك .

                                                                                      [ ص: 188 ] وقال الوليد بن مسلم : حدثنا أسيد الكلابي ، أنه سمع العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه ، قال : رأيت غلبة فارس الروم ، ثم رأيت غلبة الروم فارس ، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم ، وظهورهم على الشام والعراق ، كل ذلك في خمس عشرة سنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية