الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال ابن إسحاق : فحدثني أبي ، عن رجال ، عن أبي داود المازني ، قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه بالسيف ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قتله غيري .

                                                                                      وعن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر .

                                                                                      وأما أبو جهل بن هشام فاحتمى في مثل الحرجة وهو الشجر الملتف ، وبقي أصحابه يقولون : أبو الحكم لا يوصل إليه . قال معاذ بن عمرو بن الجموح : فلما سمعتها جعلته من شأني ، فصمدت نحوه ، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه . فوالله ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها . فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي ، فتعلقت بجلدة من جنبي ، فلما آذتني وضعت عليها قدمي ، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها . قال : ثم عاش بعد ذلك إلى زمن عثمان .

                                                                                      ثم مر بأبي جهل معوذ بن عفراء ، فضربه حتى أثبته ، وتركه وبه رمق ، وقاتل معوذ حتى قتل ، وقتل أخوه عوف قبله . واسم أبيهما : الحارث بن رفاعة بن الحارث الزرقي .

                                                                                      [ ص: 311 ] ثم مر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماسه ، وقال فيما بلغنا : إن خفي عليكم في القتلى فانظروا إلى أثر جرح في ركبته ، فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة لعبد الله بن جدعان ، ونحن غلامان ; وكنت أشف منه بيسير ، فدفعته ، فوقع على ركبته فجحش فيها . قال ابن مسعود : فوجدته بآخر رمق ، فوضعت رجلي على عنقه . وقد كان ضبث بي مرة بمكة ، فآذاني ولكزني . فقلت له : هل أخزاك الله يا عدو الله ؟ قال : وبماذا أخزاني ، وهل فوق رجل قتلتموه ؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قلت : لله ولرسوله ، ثم قال : لقد ارتقيت ، يا رويعي الغنم مرتقى صعبا . قال : فاحتززت رأسه وجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، هذا رأس عدو الله أبي جهل . قال : آلله الذي لا إله غيره ؟ قلت : نعم . وألقيت رأسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                      ثم أمر بالقتلى أن يطرحوا في قليب هناك . فطرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف ، فإنه انتفخ في درعه فملأها ، فذهبوا ليخرجوه فتزايل ، فأقروه به ، وألقوا عليه التراب فغيبوه .

                                                                                      فلما ألقوا في القليب ، وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا " . فقالوا : يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا ؟ فقال : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا " .

                                                                                      [ ص: 312 ] وفي رواية : فناداهم في جوف الليل : يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أمية بن خلف ، ويا أبا جهل بن هشام . فعدد من كان في القليب .

                                                                                      زاد ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : يا أهل القليب ، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ; كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس .

                                                                                      وعن أنس : لما سحب عتبة بن ربيعة إلى القليب نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه أبي حذيفة ابنه ، فإذا هو كئيب متغير . فقال : لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء ؟ قال : لا والله ما شككت في أبي ولا في مصرعه ، ولكني كنت أعرف منه رأيا وحلما ، فكنت أرجو أن يسلم ، فلما رأيت ما أصابه وما مات عليه أحزنني ذلك . فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا .

                                                                                      وكان الحارث بن ربيعة بن الأسود ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج قد أسلموا ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم حبسهم آباؤهم وعشائرهم ، وفتنوهم عن الدين فافتتنوا نعوذ بالله من فتنة الدين ثم ساروا مع قومهم يوم بدر ، فقتلوا جميعا . وفيهم نزلت ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( 97 ) ) [ النساء ] الآية .

                                                                                      وعن عبادة بن الصامت ، قال : فينا أهل بدر نزلت الأنفال حين تنازعنا في الغنيمة وساءت فيها أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسوله ، فقسمه بين المسلمين على السواء .

                                                                                      ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة ، وزيد بن حارثة ، بشيرين إلى [ ص: 313 ] المدينة . قال أسامة : أتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبرها ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان .

                                                                                      ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الأسارى ; فيهم : عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث . فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل ، فلما أتى الروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بالفتح ، فقال لهم سلمة بن سلامة : ما الذي تهنئونا به ؟ فوالله إن لقينا إلا عجائز ضلعا كالبدن المعقلة فنحرناها . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أي ابن أخي ، أولئك الملأ . يعني الأشراف والرؤساء .

                                                                                      ثم قتل النضر بن الحارث العبدري بالصفراء ، وقتل بعرق الظبية عقبة بن أبي معيط ، فقال عقبة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله : فمن للصبية يا محمد ؟ قال : النار . فقتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، وقيل : علي .

                                                                                      وقال حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن الشعبي ، قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة قال : أتقتلني يا محمد من بين قريش ؟ قال : نعم ، أتدرون ما صنع هذا بي ؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها ، فما رفع حتى ظننت أن عيني ستندران ، وجاء مرة أخرى بسلي شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد ، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية