الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، أن الزبير قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمرات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب ، وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا ، وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب لوائهم ، حتى ما يدنو [ ص: 404 ] منه أحد من القوم .

                                                                                      قال ابن إسحاق : لم يزل لواؤهم صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية ، فرفعته لقريش فلاذوا به .

                                                                                      وقال ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله تعالى : ( إذ تحسونهم بإذنه ( 152 ) ) أي : تقتلونهم ، ( حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم ( 152 ) ) يعني : إقبال من أقبل منهم على الغنيمة ، ( والرسول يدعوكم في أخراكم ( 153 ) ) ، ( من بعد ما أراكم ما تحبون ( 152 ) ) [ آل عمران ] يعني النصر . ثم أديل للمشركين عليهم بمعصيتهم الرسول حتى حصبهم النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وروى السدي ، عن عبد خير ، عن عبد الله ، قال : ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى نزلت فينا : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ( 152 ) ) [ آل عمران ] .

                                                                                      وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : هزم المشركون يوم أحد هزيمة بينة ، فصرخ إبليس : أي عباد الله أخراكم ، فرجعت أولاهم واجتلدوا هم وأخراهم . فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان ، فقال : أبي ، أبي ، فوالله ما انحجزوا عنه حتى قتلوه . فقال حذيفة : غفر الله لكم . قال عروة : فوالله ما زالت في حذيفة بقية حتى لقي الله . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين ، ويقول : أنا أسد الله . رواه يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير مرسلا ، وزاد : فعثر فصرع مستلقيا وانكشفت الدرع عن بطنه ، فزرقه الحبشي [ ص: 405 ] العبد ، فبقره .

                                                                                      وقال عبد العزيز بن أبي سلمة ، عم عبد الله بن الفضل الهاشمي ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، قال : خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام . فلما أن قدمنا حمص قال لي عبيد الله : هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة ؟ قلت : نعم . وكان وحشي يسكن حمص ، فسألنا عنه ، فقيل لنا : هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت . فجئنا حتى وقفنا عليه يسيرا فسلمنا ، فرد علينا السلام . وكان عبيد الله معتجرا بعمامته ، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه . فقال عبيد الله : يا وحشي ، تعرفني ؟ فنظر إليه فقال : لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم فثال بنت أبي العيص ، فولدت غلاما بمكة فاسترضعته ، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه ، لكأني نظرت إلى قدميك . قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ، ثم قال : ألا تخبرنا بقتل حمزة ؟ قال : نعم . إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ابن الخيار ببدر . فقال لي مولاي جبير بن مطعم : إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر . فلما خرج الناس عن عينين وعينون جبل تحت أحد ، بينه وبين أحد واد خرجت مع الناس إلى القتال . فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع ، فقال : هل من مبارز ؟ فخرج إليه حمزة ، فقال : يا سباع يا ابن مقطعة البظور ، تحاد الله ورسوله ؟ ثم شد عليه ، فكان كأمس الذاهب . قال فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي ، فرميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من وركه ، فكان ذاك العهد به .

                                                                                      [ ص: 406 ] فلما رجع الناس رجعت معهم ، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ، ثم خرجت إلى الطائف . قال : وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا ، وقيل : إنه لا يهيج الرسل ، فخرجت معهم . فلما رآني قال : أنت وحشي ؟ قلت : نعم . قال : الذي قتل حمزة ؟ قلت : نعم ، قد كان الأمر الذي بلغك . قال : ما تستطيع أن تغيب عني وجهك ؟ قال : فرجعت . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج مسيلمة ، قلت : لأخرجن إليه لعلي أقتله فأكافئ به حمزة . فخرجت مع الناس وكان من أمرهم ما كان ، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه . قال : فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته .

                                                                                      قال سليمان بن يسار : فسمعت ابن عمر يقول : قالت جارية على ظهر بيت : وا أمير المؤمنين ، قتله العبد الأسود . أخرجه البخاري .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية