الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      قال ابن إسحاق : وقد كان حنظلة بن أبي عامر التقى هو وأبو سفيان بن حرب ، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود . فضرب حنظلة بالسيف فقتله . وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن صاحبكم لتغسله الملائكة ، يعني حنظلة ، فسألوا أهله ما شأنه ؟ فسئلت صاحبته قالت : خرج وهو جنب حين سمع الهيعة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لذلك غسلته الملائكة .

                                                                                      وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : وخلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته ، وشج في وجهه ، وكلمت شفته . وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص . فحدثني حميد الطويل ، عن أنس ، قال : كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وشج في وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول : كيف يفلح [ ص: 412 ] قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فنزلت ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ( 128 ) ) [ آل عمران ] .

                                                                                      وقال عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه ، عن سهل بن سعد ، قال : جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم ، وعلي يسكب الماء عليه بالمجن . فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، أخذت قطعة حصير أحرقته ، حتى إذا صار رمادا ألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم . أخرجاه .

                                                                                      ورواه مسلم من حديث سعيد بن أبي هلال ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أصيبت رباعيته وهشمت بيضته . وذكر باقي الحديث .

                                                                                      وقال معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتد غضب الله على قوم فعلوا برسول الله ، وهو يشير إلى رباعيته ، اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله في سبيل الله . متفق عليه .

                                                                                      وقال ابن المبارك ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله : أخبرني عيسى بن طلحة ، عن عائشة ، قالت : كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ثم قال : ذاك يوم كان كله يوم طلحة . ثم أنشأ يحدث ، قال :

                                                                                      [ ص: 413 ] كنت أول من فاء يوم أحد ، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دونه وأراه قال : يحميه ، فقلت : كن طلحة ، حيث فاتني ما فاتني ، قلت : يكون رجلا من قومي أحب إلي ، وبيني وبين المشرق رجل لا أعرفه ، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، وهو يخطف المشي خطفا لا أخطفه . فإذا هو أبو عبيدة . فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته وشج في وجهه ، وقد دخل في وجهه حلقتان من حلق المغفر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكما صاحبكما ، يريد طلحة وقد نزف . فلم نلتفت إلى قوله ، وذهبت لأنزع ذلك من وجهه . فقال أبو عبيدة : أقسمت عليك بحقي لما تركتني . فتركته . فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النبي ، فأزم عليهما بفيه ، فاستخرج إحدى الحلقتين . ووقعت ثنيته مع الحلقة . وذهبت لأصنع ما صنع ، فقال : أقسمت عليك بحقي لما تركتني . ففعل ما فعل في المرة الأولى ، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة . فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما ، فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار ، فإذا بضع وسبعون ، أقل أو أكثر ، من بين طعنة ورمية وضربة ، وإذا قد قطعت إصبعه . فأصلحنا من شأنه .

                                                                                      وروى الواقدي عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن أبي الحويرث ، عن نافع بن جبير ، قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا ، فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه . ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ : دلوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا . ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد ثم تجاوزه فعاتبه في ذلك صفوان ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع ، خرجنا أربعة [ ص: 414 ] فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إلى ذلك .

                                                                                      قال الواقدي : الثبت عندنا أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجنتيه : ابن قمئة ، والذي رمى شفتيه وأصاب رباعيته : عتبة بن أبي وقاص .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان ، عمن حدثه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : والله ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص ، وإن كان ما علمته لسيئ الخلق مبغضا في قومه ، ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله " .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية