الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث والعشرون الإضافة :

                                                      هي من مقتضيات العموم كالألف واللام . ولهذا عاقبتها ، فإن دخلت [ ص: 146 ] على جمع أفادت العموم ، سواء كان جمع تصحيح أو جمع تكسير ، كذا قالوا ، وفي تعميم أبنية جمع التكسير الأربعة التي للقلة نظر ، كما لو قال : أعبدي أحرار ، وله عبيد كثيرون أزيد من العشرة ، وينبغي أن يأتي فيه ما سبق في الألف واللام من الخلاف ، وأما اسم الجمع فكذلك ، وأما اسم الجنس فكذاك : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } { إنا رسول رب العالمين } وقوله : { فعصوا رسول ربهم } وقوله صلى الله عليه وسلم { منعت العراق درهمها ودينارها ، ومنعت الشام قفيزها وصاعها } ، ولهذا لو حلف ليشربن ماء هذا البئر ، فإنه يحنث في الحال على الأصح لأن لفظه يقتضي جميع مائه ، وذلك محال ، فكان كقوله : لأصعدن إلى السماء ، وقيل : لا يحنث ; لأن العرف حمله على التبعيض ، وهو مذهب الحنفية .

                                                      وفصل القرافي بين أن يصدق على القليل والكثير نحو مالي صدقة فيعم ، وبين أن يصدق على الجنس بقيد الوحدة فلا يعم ، نحو عبدي حر ، وامرأتي طالق .

                                                      قال الشيخ تقي الدين في " شرح الإلمام " : وقد أشار إليه أبو عمرو بن الحاجب إشارة لطيفة يعني في مختصره الكبير " حيث ذكر صيغ العموم ، وذكر أسماء الشرط والاستفهام والموصولات والجموع المعرفة تعريف الجنس [ ص: 147 ] وما في معناها ، واسم الجنس المعرف تعريف الجنس ، والمضاف لما يصلح للبعض والجميع ، فقوله : لما يصلح . . . إلخ يقتضي التقيد بما سبق ، وهذا التفصيل لعل القرافي أخذه من تفصيل الغزالي السابق في اسم الجنس إذ دخلته الألف واللام .

                                                      واعلم أن الإمام فخر الدين في أثناء الاستدلال على أن الأمر للوجوب صرح بأن المفرد المضاف يعم ، مع اختياره بأن المعرف بأل لا يعم ، والفرق أن الإضافة أدل على العموم من الألف واللام كما ذكره في تفسيره .

                                                      ولم يقف الهندي على نقل في ذلك . فقال في " النهاية " : وكون المفرد المضاف للعموم ، وإن لم يكن منصوصا لهم ، لكن قضية التسوية بين الإضافة ولام التعريف تقتضي العموم . والحق أن عموم الإضافة أقوى ، ولهذا لو حلف لا يشرب الماء حنث بشرب القليل ، لعدم تناهي أفراده ، ولو حلف لا يشرب ماء البحر لا يحنث إلا بكله .

                                                      وهاهنا دقيقة ، وهي أن العموم فيما ذكرنا مختلف ، فالمفرد المضاف يعم مراتب الآحاد ، وأما الجمع المضاف فهل يعم مراتب الجموع أو الآحاد ؟ على قولين مبنيين على أنه يراد به الواحد أو الجنس ، وأما المثنى المضاف كقوله تعالى : { فأصلحوا بين أخويكم } فإن قدرت الإضافة داخلة على المثنى بعد التثنية ، كان معناها التعميم في كل فرد من الإخوة ، وإن قدرت التثنية داخلة بعد الإضافة كان معناها تثنية الجنسين المضافين ، وإن كان الجنس لا يثنى والعام لا يثنى لاستغراقه ، لكنه لما امتاز بنوع من الشقاق جاز ذلك ، وقد سبق كلام القرافي فيه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية