الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو تقويم جديد للكتابة العربية

الأستاذ الدكتور / طالب عبد الرحمن

مناقشة الحجة الأولى

يمكـن أن تـرد على هـذه الحجـة جمـلة مـن الاعتراضات، أهمها:

أ/ إنها تفترض أن سيادة الحضارة الأوروبية، ومن ثم لغاتها، ستستمر إلى الأبد. ولهذا لا بد للتركي أن يتعلم ما يعينه على فهم لغات هذه الحضارة الخالدة. وهذا الرأي -كما علمنا التاريخ- لا يثبت عند النقاش. فما الموقف إذا سادت [ ص: 136 ] حضارة شرقية كاليابانية أو الصينية، فهل تغير التركية كتابتها مرة أخرى؟

ب/ إن التركي خسر الاتصال بتراثه المكتوب بالحروف العربية (وهو التراث التركي برمته، في الواقع) مقابل معرفة تافهة. فالتركي لم يتعلم أية لغة أوروبية بهذا التغيير، وإنما تعلم الحروف الأوروبية، وهذا العمل لا يأخذ من تلميذ الابتدائية أكثر من ثلاثة أسابيع لتعلمه. ولا نستبعد أن يتعلم تلميذ متوسط الذكاء هذه الحروف في يوم واحد إذا ما بذل جهدا حقيقيا. فهل تستحق هذه المعرفة التضحية بالكتابة العربية؟

ج/ إن جـزءا من هـذه المعرفـة التركيـة يقف عائـقا، لا مساعدا، أمام التركي في نطقه الصحيح للغات الأوربيـة. فلا نجد في الإنجليزية والفرنسية والألمانية (وهي اللغات الأوروبية الرئيسة) نطق حرف (c) جيما، مما يوقع التركي في إشكال عند قراءته لكلمة مثل cat الإنجليزية، فعليه أن يتذكر دائما إنها تنطق (كات) وليس (جات) . والأمر نفسه يحصل في هذا الحرف وقد وضعت تحته زائدة، فهذا الحرف يستخدم في [ ص: 137 ] الفرنسية للإشارة إلى نطقه سينا، ولا ينطق كما ينطقه التركي.

وههنا مفارقة يجدر أن ننبه إليها، وهي أن العادات اللغوية للمرء تؤثر في تعلمه لغة أخرى. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك هو تعودنا -نحن العرب- على نطق الحرف ( z) زايا، كما هو الحال في الإنجليزية والفرنسية. فإذا مرت بنا الكلمة الألمانية Nazi قرأناها على الطريقة (الإنجليزية والفرنسية) التي تعلمناها لقراءة الحرف، فنقول: نازي، في حين إنها تنطق بالألمانية (ناتسي) . وعلى النحو نفسه يمكن للتركي أن يقع في مزلق طريقته التي يألفها في قراءة حروف لغته هو عند مواجهته لحروف مشابهة لها في الشكل في لغات أخرى.

التالي السابق


الخدمات العلمية