الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو تقويم جديد للكتابة العربية

الأستاذ الدكتور / طالب عبد الرحمن

مناقشة الحجة الثالثة

تفترض هذه الحجة وجود ارتباط عضوي ضروري بين شكل الحرف ونطقه، يشابه ارتباط النار بالحرارة أو البرق بالرعد، وبناء على ذلك تمضي هذه الحجة إلى القول: بأن حرفا مثل الباء العربية لا بد أن ينطق باء، أينما استخدم ومتى ما استخدم. وإذا كان الأمر كذلك، وفقا لهذه الحجة لا بد للغة أن تتخذ الحروف التي تتناسب مع عائلتها اللغوية التي تنتمي إليها، وبما أن لغة كالتركية أو الكردية أو غيرهما، لا تنتمي إلى عائلة اللغات السامية، فينبغي تبني كتابة تتناسب والعائلة اللغوية التي تنتمي إليها اللغة.

والواقع يكذب هذه الحجة ويفندها، فليس هناك من ارتباط ضروي بين شكل الحرف ونطقه، وإنما هناك علاقة اعتباطية يكسبها المجتمع، لا الحرف نفسه قدرا من التلازم والثبات.

وآية ذلك أن صوت الراء -مثلا- يكتب بأشكال عدة، فنجده يكتب في الإنجليزية ( r) وفي العربية (ر) وفي الروسية (p) وهكذا. فلو كان هناك تلازم بين شكل الحرف والصوت [ ص: 141 ] لكتب بصورة موحدة في اللغات المختلفة. ونجد أحيانا الشكل الواحد (أي الحرف) ينطق نطقا مختلفا من لغة إلى أخرى. فحرف (p) ينطق باء مهموسة في الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وينطق راء في الروسية كما ذكرنا.

ويؤكد الاستعمال الفعلي ما سبق أن قررناه، فالفارسية والأردو لغتان تنتميان إلى اللغات الهندوأوروبية [1] ، ولكنهما تستخدمان الكتابة العربية، في حين استخدمت لغات أفريقية تنتمي إلى عوائل لغوية لا علاقة لها بالعائلة الهندوأوروبية، الحرف اللاتيني.

وقد استخدمت التركية نفسها الحرف العربي، ثم الحرف اللاتيني، وهي لا تنتمي إلى أي من العائلتين الساميتين أو الهندوأوروبية، وإنما تنتمي إلى عائلة اللغات الألتية [2] Altaic.

تؤكد هشاشة الحجج التي أوردناها ما سبق أن قررناه من أن الذرائع والتسويغات جاءت بعد القرار لا قبله، وأن الغرض هو [ ص: 142 ] فصم العلاقة بين التركي وماضيه، بحيث لا يستطيع التركي الآن حتى قراءة رسالة كتبها أبوه أو جده في الربع الأول من هذا القرن. وبهذا يسهل تشكيل عقل التركي بما يقدم إليه من زاد فكري وحضاري حديث حسب الغايات المرسومة.

ومن الغريب حقا أن ينظر إلى هذا الفعل الذي قام به مصطفى كمال على أنه إنجاز كبير، ومأثرة رائعة. وكان مصدر إشعاع لفريق من اللغويين العرب المحدثين، من غير أن يضعوا صنيع مصطفى كمال في مكانه الصحيح، وهو تحويل تركيا إلى دولة أوروبية شكلا ومضمونا، لتحظى برعاية الغرب وعطفه. ونترك للقارئ تقدير النتيجة! [ ص: 143 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية